ياسمين إيفجي
تصدير المادة
المشاهدات : 2879
شـــــارك المادة
في الأيام الأخيرة في تركيا، خاصة بعد زيادة التهديدات العسكرية الناتجة عن التطورات الجارية في سوريا، أصبح التركيز بشكل كبير على قضية تأسيس منطقة أمنية منعزلة تبلغ مساحتها حوالي 110 كيلو متر مربع، ومربط الفرس في هذا الموضوع هو بعد تأسيس هذه المنطقة، تركيا ستدافع عن نفسها مِن مَن؟
خلال الحرب الداخلية لسوريا طفت على السطح عدة مجموعات متعصّبة وعلى رأسهم “داعش” إلى جانب داعش يوجد خطر تأسيس دولة كردية في شمال سوريا من قبل حزب الاتحاد الكردي “البي يي دي”، خاصة قيام حزب “البي يي دي” بالسعي لتأسيس إقليم كردي مستقل يزعج أنقرة بشكل كبير، ذلك لأنه يؤثر بشكل سلبي على الاستقرار الداخلي لتركيا ويشجّع حزب العمال الكردستاني “البي كا كا” على الانتفاض ضد أنقرة والسير على نفس نهج البي يي دي، كما له أخطار استراتيجية جمّة على تركيا والمنطقة بأسرها.
من خلال الصورة الموجودة في سوريا ترى تركيا بأن هدفها الرئيس من وراء تأسيس المنطقة العازلة هو القضاء على داعش وتعطيل الحلم الكردي في تأسيس إقليم كردي مستقل.
يعود سبب النجاح الكبير الذي حقّقه “البي يي دي” وجناحه العسكري حزب الحماية الكردي “الي بي جي” إلى العامل النفسي الداخلي لدى الأكراد فيما يخص موضوع تقرير المصير لأنفسهم “إما دولة مستقلة أو اضطهاد داعش وغيرها” والدعم الكبير المُقدّم من قبل التحالف الدولي بقيادة الولايات الأمريكية المتحدة.
بعد قيام داعش في شهر يونيو من العام الماضي بالسيطرة على ثاني أكبر مدينة في العراق “الموصل” أصبح هناك الكثير من التخوفات في المجتمع الدولي فيما يتعلّق بقضية انتشار داعش في مناطق أخرى، لذا سعت الولايات الأمريكية المتحدة لتأسيس تحالف دولي يصد تمدّد داعش ويقضي عليها.
ولكن هذا التحالف لم يجن ثماره واستمرّت داعش في التقدم في العراق وبعدها انتقلت إلى سوريا أيضا وأكبر عامل مساعد لها في هذا الانتشار السريع هو اضطهاد السنة العرب من قبل الحكومة الشيعية في بغداد، ولكن قصف التحالف الدولي المستمر لداعش أضعفها بعض الشيء وجعلها تضطر للانسحاب من عين العرب “كوباني” خلال شهر يناير الماضي.
بعد النصر النسبي الذي حقّقه “البي يي دي” عمل على توحيد بعض المناطق في شمال سوريا وعلى الرغم من عدم إفصاحه عن هدفه الرئيسي في تأسيس دولة كردية مستقلة إلا أن قيامه بتوحيد المناطق التي سيطر عليها وقيامه بطرد العرب والتركمان ووضع محلّهم أكراد أوضح بشكل كبير هدفه الرئيسي في تأسيس الدولة الكردية.
تمثل منطقة تل أبيض، التي استطاعت قوات “البي يي دي” إلى جانب قوات بركان الفرات التابعة للجيش الحر تحريرها من سيطرة داعش خلال شهر يونيو الماضي، موقع استراتيجي مهم ومميز لكل من تركيا والبي يي دي وداعش؛ المنطقة قبل كل شيء تٌعتبر إحدى أهم المراكز اللوجستية لمدينة الرقة التي أعلنتها داعش عاصمة لدولتها، كما إنها أهم نقطة واصلة بين عين العرب “كوباني” ومنطقة الجزيرة في شمال سوريا، أما بالنسبة لأنقرة؛ فتعد منطقة استراتيجية من ناحية ديمغرافية فهي تحض إدعاءات حزب “البي يي دي” حول الوحدة الكردية الديمغرافية في المنطقة، حيث أنها تحتضن العديد من المواطنين التركمان والعرب الذين تم تهجيرهم بالقوة من تل أبيض قبل شهر، تنوعه الديمغرافي مهم جدا لتركيا لمنع انقسام وتقطيع سوريا.
في حين حقّق البي يي دي مراده في تل أبيض فإن تركيا لن تستطيع إيصال مساعدتها اللوجستية والعسكرية للمعارضة، كما أن الاقتتال الداخلي الشرس من أجل تأسس دولة كردية في شرق تركيا سيكون أمر لا مفر من طفوه على السطح، بعد فقدان داعش لسيطرتها على منطقة تل أبيض، حاولت لفت الانتباه إلى مناطق مختلفة فبدأت بالهجوم على منطقة جرابلس إحدى ضواحي مدينة حلب، هذه المنطقة مهمة جدا لداعش فهي تمنع البي يي دي من توحيد منطقة الجزيرة مع كوباني، لو استطاع البي يي دي السيطرة على هذه المنطقة فسيكون هناك تمدّد كردي دون أي انقطاع جغرافي في شمال سوريا، وكما تُعتبر منطقة جرابلس مهمة جدا لداعش لأنها من خلالها تستطيع التقدم اتجاه الغرب.
ويقول البروفسور في مجال العلاقات الدولية في جامعة إيبيك التركي “غوك هان باجيك” من الصعب جدا تحديد من يقاتل من في سوريا، كما أنه لا يوجد هدف واضح لتركيا بخصوص الأوضاع الجارية هناك، القوات العسكرية التركية هل ستحارب داعش أم أنها ستقضي على البي يي دي وأهدافه؟ كما أن إدخال الجيش التركي في مثل هذه الحروب الإرهابية يجعله هدفا لجميع المجموعات الإرهابية بلا استثناء”.
ويبيّن الكثير من الخبراء بأنه يجب على تركيا إنزال 40 ألف جندي من أجل تأسيس منطقة عازلة بمساحة 110 كيلو متر، كما يجب عليها استخدام الرادارات الحديثة والمدرعات القوية وغيرها الكثير من الأسلحة التكنولوجية الحديثة، ويجب أن تقوّي جبهتها الداخلية ضد أي هجوم إرهابي محتمل، عند أخذ عدد الجنود وحجم العتاد الذي تحتاجه تركيا من أجل تأسيس المنطقة العازلة بعين اعتبار يتبين بأن هناك فراغ أمني خطير سيكون في الجبهة الداخلية لتركيا.
كما أن هذه المنطقة يمكن أن تخرج لتركيا ببعض النقاشات الحادة الخاصة بكون المنطقة مخالفة للقانون الدولي أم غير مخالفة؟
كما أن تدخّل البي كا كا إلى جانب البي يي دي لمساعدة الأخير في عدم فقدانها للمناطق التي سيطر عليها بعد نزيف الكثير من دماءه وغير أن داعش ستتحرك لضرب الجبهة الداخلية التركية لإضعاف تركيا والمحافظة على جرابلس والرقة وغيرها من المناطق التي سيطرت عليها، جميع هذه التهديدات ستجعل من تركيا مستنقعا للدماء مصدره سيكون عدة جبهات مختلفة لا تعرف للرحمة عنوان، يجب على تركيا التفكير مرارا في قضية المنطقة العازلة قبل خطو أي خطوة في تنفيذها.
مركز الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية ترجمة وإعداد تركيا بوست
المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات
المرصد الاستراتيجي
أبو محمد الحسن علي الكتاني
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة