مجلة العصر
تصدير المادة
المشاهدات : 5020
شـــــارك المادة
بقلم: ليز سلاي - أنطاكيا (تركيا) / "واشنطن بوست"
يواجه ثوار الجيش السوري الحر الذين يحاربون نظام الأسد نقصاً متزايداً في الذخيرة بسبب انقطاع إمدادات السوق السوداء وتشديد البلدان المجاورة المراقبة على المنافذ الحدودية وفشل الوعود الدولية في أن تتجسد على أرض الواقع، وهذه المشاكل وغيرها يؤكدها قادة الثوار والجنود المنشقون الذين عبروا الحدود إلى تركيا خلال الأيام الأخيرة بحثاً عن المال والسلاح، وهم يصفون ما يبدو ظروفاً صعبة ويائسة تعيشها قوات التمرد التي لا تملك سوى أسلحة خفيفة ولا يجمعها سوى تنظيم مهلهل، حيث يتشكلون أساساً من الجنود الذين انشقوا عن الجيش النظامي السوري وبعض المدنيين ممن انتظموا مؤخراً في إطار الجيش السوري الحر لتتحول الانتفاضة التي بدأت سلمية إلى تحرك مسلح بعد اشتداد قمع النظام وتزايد وطأة القتل.
وعلى مدار الفترة السابقة، كان مقاتلو الجيش السوري الحر يطالبون المجتمع الدولي بالتدخل العسكري، أو إمدادهم بالسلاح للدفاع عن أنفسهم، ولكنهم يعترفون الآن ولأول مرة بأن الثورة، أو على الأقل الجزء المسلح منها، قد يتعرض لاستنزاف كبير في ظل الهجمة الشرسة التي يشنها الجيش النظامي على معاقل الثوار، والهادفة إلى إخماد صوت الثورة نهائيّاً.
وعن هذا الوضع الصعب الذي يواجهه الثوار، يقول "أبو يزن"، الجندي المنشق البالغ من العمر 26 سنة الذي انضم إلى الجيش السوري الحر ثم هرب إلى تركيا مع جنود آخرين بعد نفاد ذخيرتهم: "يوماً بعد يوم يشن الجيش السوري الحر هجماته على عناصر الأمن التي تقمع الشعب، ولكن يوماً بعد يوم أيضاً تنفد الذخيرة ويكون علينا الانسحاب من مواقعنا".
وحاليّاً يعيش "أبو يزن" في أحد معسكرات اللاجئين التي أقامتها الحكومة التركية على أراضيها ومعه مجموعة من الجنود المستائين الذين تزايدت أعدادهم مؤخراً في محافظة أنطاكيا التركية بسبب نفاد الذخيرة وقلة السلاح، بالإضافة إلى تراجع الأمل في وصول الدعم الدولي الذي ينتظرونه.
ومنذ انسحاب قوات الجيش السوري الحر من حي بابا عمرو بمدينة حمص والثوار ينتقلون من مكان إلى آخر فراراً من قوات الأسد، منفذين عمليات متفرقة في عدد من المناطق تستهدف مواقع الجيش النظامي ومقرات مخابراته.
وفي هذا السياق يؤكد النقيب "أيهم الكردي"، من الجيش السوري الحر، أن الانسحابات الأخيرة التي قام بها عناصر هذا الجيش تأتي بعد إدراك أن جهود التحصن في مواقع بعينها مثل حي بابا عمرو كانت خطأ استراتيجيّاً، إذ من الصعب على قوات المنشقين الدخول في مواجهة مباشرة مع جيش نظامي مدجج بالأسلحة ومتفوق عليها في القدرة النارية، وعن ذلك يقول: "في بابا عمرو استمات مقاتلو الجيش السوري الحر في القتال، ولكن ذلك أدى إلى تدمير كبير في الحي وسقوط عدد من المدنيين، واليوم نعمل على عدم تكرار الأخطاء".
والآن ينسحب الثوار لدى أول إشارة إلى اقتراب القوات الحكومية، أو استعدادها لشن حملة عسكرية على منطقة من المناطق، وذلك بهدف حماية المدنيين والحفاظ على الذخيرة، ويسعى الثوار إلى انتهاج تكتيكات حرب العصابات مثل زرع العبوات الناسفة على جنبات الطرق ونصب الكمائن، ولكن حتى تلك الجهود تواجه هي أيضاً مصاعب بسبب تناقص الذخيرة، والتي من دونها لا يمكن القيام بأية عمليات، ففي محافظة إدلب على سبيل المثال التي كان يُنظر إليها باعتبارها منطقة محررة يمكن للثوار والمدنيين اللجوء إليها، اضطر الثوار إلى الانسحاب بعدما نفذت منهم الذخيرة.
وأكثر من ذلك في الوقت الذي ينسحب فيه الثوار بعيداً عن المواقع السكنية متوغلين في الجبال البعيدة بدؤوا يواجهون مشكلة نقص التموين الغذائي، ومن بين المقاتلين الذين وصلوا مؤخراً إلى أنطاكيا التركية قابلنا "أبو مصطفى"، الرقيب المنشق من الجيش السوري، الذي رفض كشف اسمه الحقيقي أو المنطقة التي ينحدر منها مخافة تعرض أهله للانتقام، فبعدما عبر الحدود الملغمة مع بضعة من رجاله ونفدت ذخيرتهم خلال هجوم نفذوه على نقطة تفتيش تابعة للنظام، اضطر إلى التوغل بعيداً في الجبال، ولكن أثناء المسيرة الشاقة سقط أرضاً بعدما أغمي عليه من الجوع.
ويقول في لقاء أجري معه بإحدى الشقق التي يؤجرها ناشطون سوريون في أنطاكيا "لم نتناول وجبة الفطور وبقينا على هذه الحال حتى المساء فلم أستطع التحمل، لم يعد لدي من طاقة للمشي"، وفي اليوم التالي قرر الذهاب إلى تركيا لطلب الذخيرة من قيادة الجيش السوري الحر.
والحقيقة أن الوضع لم يكن دائماً بهذا السوء، فقبل أشهر قليلة وفيما كانت عسكرة الثورة تتسارع وتيرتها، كان بالإمكان الحصول على إمدادات السلاح من السوق السوداء سواء من الأردن، أو لبنان، أو العراق، أو حتى من تركيا، ولكن بعد تشديد الخناق على الحدود ومنع التهريب بدأت إمدادات السلاح تشح، ولم يبقَ سوى العراق بحدوده الممتدة التي مازال ممكناً تهريب السلاح منها.
إلا أن المشكلة تبقى في عدم صلاحية العديد من قطع الأسلحة العراقية التي يعود تاريخها إلى عهد صدام، كما أن الحكومة السورية اتخذت خطوات تهدف إلى منع تدفق السلاح عبر الحدود من خلال زرع الألغام.
ويضيف "أبو مصطفى" أن مصدر السلاح الأساسي بالنسبة له كان قائد دبابة في الجيش السوري متعاطف مع الثوار، حيث كان يمرر لهم سرّاً صناديق الذخيرة والرصاص. ولكن في الأسبوع الماضي أدرك القائد المتعاطف أنه بات موضع شك من قادته فانشق إلى الجيش الحر.
وإذا كانت الموارد المالية متوافرة للثوار بفضل مساعدة المغتربين السوريين المتعاطفين مع الثورة، فإن المال لا ينفع عندما تكون الإمدادات غير موجودة.
وعن النقص المزمن في السلاح يقول المتحدث الرسمي باسم الجيش السوري الحر، مالك الكردي، "يأتي المنشقون إلى القيادة في تركيا على أمل الحصول على السلاح، ولكن مع الأسف لا يوجد لدينا ما نعطيهم".
ومع ذلك، فإن الانشقاقات تبدو مستمرة وهي في تزايد، ولا تزال أعداد المنشقين تتدفق، ولم يتخلوا للحظة عن الأمل، وهم منتشرون في جميع أنحاء البلاد تقريبا، ويقولون إنهم بصدد توسيع عملياتهم في بعض المناطق التي لم يكن لهم فيها نشاط، بما في ذلك محافظة حلب والمنطقة الكردية في شمال شرق القامشلي.
مركز كارنيغي
صحيفة الغارديان
غولبرت كينغ
أسرة التحرير
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
محمد العبدة