..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


ابحاث ودراسات

إيران.. الديمقراطية المزيفة

نبيل العتوم

٣ فبراير ٢٠١٦ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 3111

إيران.. الديمقراطية المزيفة
fdlkgldfgl.jpg

شـــــارك المادة

الحراك السياسي الداخلي الإيراني يشير إلى سعي  الجناح المحافظ  في إيران للسيطرة على مجلس الشورى والخبراء في السنوات المقبلة، بعد أن استطاعوا تحجيم الجناح الإصلاحي وإبقاءهم في دائرة مغلقة   ، لتجسد من جديد  نظام دكتاتوري أحادي اللون والنكهة ، المثير أن ذلك لم  يفاجئ الغربيين اللذين راهنوا ضمناً على فوز للجناح الإصلاحي في الانتخابات القادمة بعد نجاح روحاني في التفاهم النووي ، على اعتبار أن ذلك سوف يُسهم في تعديل السلوك الإيراني تجاه الانفراج مع الخارج .
على الصعيد الداخلي:
يُواصل التيار الإصلاحي بمن فيهم الرئيس روحاني الضغط لإعادة النظر في عملية  رفض أهلية الكثير من المرشحين لانتخابات مجلس الخبراء والشورى ،في الوقت الذي اتهم فيه خامنئي من سماهم بأعداء البلاد بتأجيج الأزمة المتعلقة بالترشيح بغرض تهيئة الأرضية لنفوذ أعداء الثورة إلى النظام الإيراني ، ومحذراً من محاولات الدول الغربية التأثير على منظومة قيم الثورة من خلال استغلال الاتفاق النووي للنفوذ إلى الداخل الإيراني، ومطالباً ببقاء الجيش في حالة استنفار حتى إجراء الانتخابات المزمع إجرائها في 26 فبراير من هذا العام  .
لاشك أولاً: بأن  الجناحين المحافظ والإصلاحي بتلاوينهم المختلفة يحتكمان في النهاية إلى مرجعية واحدة هي المرشد،  الذي يحاول الظهور دوماً وكأنه الحكم  المحايد بين مختلف الأجنحة والقوى والمؤسسات، والساعي للحؤول دون اصطدامهما وهي كذبة كبرى في النظام الإيراني. ثانيًا: أثبتت الأحداث أن المرشد له تأثيره المباشر في كلا الجناحين بدرجة واضحة  والضغط لدفعهما إلى نوع من  التوافق  إذا ما شعر أن تيار المحافظين أو الاصطلاحيين بأجنحته المختلفة، يمكن أن يؤثر في قواعد اللعبة الداخلية  والخارجية ، والتي بدت  وكأنها نوع من توزيع الأدوار أو تقسيمهما بنحو أدق ، وهذه هي عين الحقيقة تمامًا، لأن القاسم المشترك بين  مصالح الإصلاحيين والمحافظين في بقاء النظام الإيراني  وليس الانشقاق عنه أو الإطاحة به .
السيناريوهات المتوقعة:
يبدو أن إيران باتت تعاني  بعد رفع العقوبات عنها من عقدة الانفتاح نحو الخارج ، لأنها تُدرك أن من شأن ذلك  الإطاحة بالنظام ، وذلك بسبب تعطش الشعب الإيراني للحرية والانعتاق التي حرمها منها النظام الإيراني  منذ الثورة الإسلامية ولغاية الآن  . فالمتابع للحراك الإيراني الآن  سيلاحظ ما يلي : أولاً : بأن كل الصراعات التي نشبت بين المحافظين والإصلاحيين  كانت نتيجتها دوماً تحسم لصالح التيار المحافظ ؛ خصوصاً في القرارات المصيرية الإيرانية على المستويين الداخلي والخارجي   .
ثانياً : أن الدهاء والخبث الإيراني كانا سيدا الموقف  السياسي التي اتسمت بهما الدبلوماسية الإيرانية طوال العقود الماضية , فقد حاولت إيران استثمار حالة الصراع والمناكفة بين الأجنحة السياسية واستغلالها لكسب نقاط سياسية تجعلها في موقف دولي و إقليمي أقوى , وتبني عليها مواقف واستراتيجيات، بل تُخفي نتائج تطورها ، وقد بدا هذا واضحاً من خلال التقدم الذي حققته إيران في المجال النووي والصاروخي في عهد الرئيس الإصلاحي المبتسم لغاية الآن محمد خاتمي ؛ ففي الوقت الذي انشغل به العالم والإعلام الإقليمي والدولي وأجهزة استخباراته  بالصراع المحتدم الذي وصل للدموية والعنف بين الإصلاحيين والمحافظين ، كانت إيران تسير بخطى حثيثة  لبناء صناعاتها العسكرية والنووية المدمرة في هذا التوقيت  .
ثالثاً: من المؤكد أن الأمور والتطورات داخل إيران  لن تقف عند هذا الحد الآن نتيجة للتطورات الدرماتيكية المتسارعة  وان الصراع  المفتعل نسبياً بين الأجنحة  الإيرانية ، حيث لم يعد  ذلك كافياً للتعبير عن تناقضات واختلافات الشعب الإيراني ، الذي وصل حنقه وغضبه  على الولي الفقيه  إلى فصول متقدمة , ليدخل إلى مرحلة كسر العظم , بين الولي الفقيه  وتوابعه من جهة , وبين الشعب الإيراني الذي لم يجد سوى التوجه لعدم الإنجاب هروباً من مشاكله المتفاقمة حيث وصلت البطالة إلى أكثر من 30% ، والتضخم إلى أكثر من 40% ، وفقدت العملة أكثر من 60% خلال فترة قياسية ، هذا عدا عن تفاقم مشاكل ارتفاع مستوى الجريمة وتعاطي المخدرات…. من جهة أخرى .
رابعاً: هذا يعني أن الصراع وتصفية الحسابات ستنتقل بشكل مباشر بين الطرفين من خلال الشارع  هذه المرة، وليس من خلال اللعبة، وسياسة التضليل والخداع  التي ابتكرها النظام بين التيار المحافظ والإصلاحي، وهذا يتضح من خلال قراءة المواقف الأخيرة المتضاربة بين الطرفين، حيث يظهر لنا أن الموقف الشعبي بات أكثر حزمًا وتصلبًا حيال ما يجري  من أي مرحلة سابقة، يُقابله موقف( ولي الفقيه  ومن خلفه) الذي بدا ضعيفاً، و يحاول امتصاص التوتر الحالي، وممارسة الدبلوماسية الناعمة، ليتغاضي تمامًا عن سبب الأزمة الرئيسي؛ وهو استهداف ومصادرة خيارات الشعب الإيراني تماماً.
وهنا نتساءل … ما هو سبب هذا التشدد والتصلب الإيراني الداخلي، وإلى أين ستتجه الأمور ؟
لا يخفى أن إيران تعيش اليوم فترة  ضعف اقتصادي وخلل اجتماعي شامل غير مسبوق  لم تمر بها منذ الثورة ولغاية الآن . فقد أنهكت من خلال مداخل الأزمات الإقليمية؛ لا سيما السورية التي استنزفت جل مواردها… فمن إستراتيجية انخراطها المباشر، و دعمها لمليشيات الموت والدمار في سوريا والعراق، وتخصيص موازنة سنوية ضخمة لحزب الله اللبناني منذ عقود , والاستنزاف لاقتصادها في دعمها للحوثيين في اليمن وغير ذلك , كل هذا تسبب في استنزافها عسكريًا واقتصاديًا بشكل كبير ، إضافة إلى العقوبات  الاقتصادية المتعددة الأشكال  الذي تعانيه منذ أكثر من اثني عشر عاماً, ثم جاءت بشرى انهيار  أسعار النفط , الذي  عزاه محسن رضائي  أمين مجمع تشخيص مصلحة النظام للسعودية، محذراً إياها من أن الدم سيكون مقابل النفط تعبيراً عن حالة التردي الذي وصل له الخطاب السياسي الإيراني .
لذلك كله باتت إيران في وضع لا تحسد عليه ، فهي الآن  في صراع داخلي جديد مفتوح على كل الاحتمالات في حال استمر الضغط على الشعب الإيراني, أما توقيت  انتخابات مجلس الشورى ومجلس الخبراء الحالية ليست من صالحها بكافة المقاييس . ولذلك فهي تحاول تجاوز هذه الأزمة، وحسم  موازين القوى  الداخلية لصالح الجناح المحافظ, بغية التقاط أنفاسها قبل الدخول في أي تصفية حسابات محتمل يحدث بينها وبين دول الإقليم، لا سيما المملكة العربية السعودية .
على الصعيد الخارجي:
لا شك أن الولايات المتحدة والغرب عموماً ليسوا بهذه السذاجة ، فهم يرصدون ما يجري داخل الساحة الإيرانية بدقة متناهية ، ويُوجهون الأحداث ويصعدونها لدرجة تسمح بوصول الجناح المحافظ لتحقيق جملة من الأهداف ؛ أولها : خلق بيئة صراعية بين إيران والخارج من خلال وصول الجناح المحافظ ، مما يسمح باللعب على وتر التناقضات الجارية في الإقليم  ، وإدارة الفوضى الخلاقة ، والاستمرار في سباق التسلح في المنطقة  ،وحرف الصراع من المواجهة مع إسرائيل إلى الصراع مع دولة ولي الفقيه الساعية للتمدد والنفوذ والهيمنة ؛  مما يسمح بشرعنة الوجود الغربي ويعززه ، وضمان دوران عجلة الاقتصاد الغربي القائمة أساساً على دعم الظروف المواتية  لدعم عجلة مصانع السلاح …
بالمقابل ما يجري في إيران أحدث صدمة في أوساط النخبة السياسية والحزبية الإصلاحية التي اعتبرت ذلك خروجاً عن قواعد اللعبة السياسية، ما جعل روحاني يقوم بإرسال رسائل استرحام للمرشد  ،لكنه تلقى  صفعة مدوية من خلال انتقاد خامنئي له بشكل لاذع  .
أما ثعلب السياسة الإيرانية الرئيس الأسبق هاشمي رفسنجاني الذي لم يستطع تنفيذ مخططه من خلال فكرته الخلاقة بالتأسيس لفكرة مجلس قيادة بديلاً عن منصب المرشد ،بعد إدراكه أن النية كانت تتجه  لدفعه  نحو  التقاعد السياسي من خلال التلويح باستخدام سلطة مجلس صيانة الدستور لحرمانه  مرة أخرى من الأهلية للترشح  لمجلس الخبراء لولا نجاح الأخير (رفسنجاني) في العودة إلى دائرة الضوء من خلال توجيه المؤيدين له لإرسال رسائل تحذير قاسية للنظام الإيراني في حال تهميشه ،فتم الوصول لتسوية تقضي بإلغاء تنفيذ مخططه في حال فوزه كعضو محدود الصلاحية في  مجلس الخبراء المنوط به ترشيح المرشد الجديد .
بصرف النظر عن النسبة المنخفضة  للمشاركة الشعبية التي ستميز الانتخابات لمجلس الشورى والخبراء ، وهو ما حذرت منه نخبة واسعة من رجال الدين نتيجة منع حفيد الخميني من الترشح ، إلا أن خامنئي بدا غير مكترث بما يجري على الإطلاق  ، ونجد  من الضروري  هنا لفت الأنظار إلى مسألة ربما تبدو جديرة بالتأمل  ،وهي أنه على الرغم من ان المحافظين لا يُشكلون تياراً واحداً ومنسجماً سياسياً في المقاربات الداخلية أو حتى  الخارجية على حد سواء  ، إلا أنهم توحدوا هذه المرة بشكل غريب مع المرشد ضد أطروحات التغيير لمنصب القيادة ما يعني أهمية وخطورة ما يجري في إيران ، حيث أثبتت التطورات الأخيرة قدرة خامنئي على توظيف كل ما لديه من أوراق وإمكانات لتجييش المزيد من المؤسسات الثورية ، ووصلت لحد تهديد حفيد الخميني وحتى رفسنجاني بالقتل ، واتهامهم بتنفيذ مخطط غربي هدفه الإطاحة بالنظام الإيراني برمته .
لا شك أن المشهد برمته له انعكاساته على البيئتين الداخلية الخارجية  الإيرانية، والرسالة فيما يبدو وصلت لإدارة أوباما التي تجمع  حقائبها للمغادرة ،بأن الرهان على التغيير –ونحن نشك أنه جدياً نظراً للمتغيرات التي تحدثنا عنها سابقاً – محكوم عليه بالفشل ، التي وإن كانت دعت الإيرانيين مبكراً إلى دعم التيار الإصلاحي ، لكن السلوك التصعيدي الغربي المتعمد مع إيران؛ أثبت أن الغرب يريد استمرار بقاء المحافظين في سدة الحكم؛ وهذا ما اتضح من خلال فرض بعض العقوبات مؤخراً على إيران نتيجة التجارب الصاروخية، ودخول البحارة الأمريكيين للمياه الإيرانية، إضافة إلى حالة الاحتكاك بين البحرية الأميركية والإيرانية في مياه الخليج أثناء مناورات الحرس الثوري، كلها مؤشرات تشي بسعي أميركا لرفع حدة الحالة الصراعية، مما يُسهم في توتير الأوضاع الداخلية الإيرانية، مما يرفع من شعبية الجناح المتشدد، وهو على خلاف ما تدعي واشنطن من أنها تدعم خيارات وصول الجناح الإصلاحي، لأن المتغيرات على الأرض لا تشير إلى  ذلك مطلقاً .
أما لعبة إيصال خامنئي روحاني لكرسي الرئاسة يدفع للاعتقاد أنها جاءت بغية استثمارها في اللعبة السياسية  الدائرة بين واشنطن وعواصم صنع القرار الأوروبية  وبين طهران، بغية تحسين صورة النظام الإيراني القبيح والدموي، وبهدف تلطيف الأجواء والساحات الملتهبة في المنطقة، تحديداً في سوريه والعراق واليمن و لبنان وفلسطين وهو ما لم يحدث فعلاً، لأن روحاني لا يعدو كونه كبير الموظفين في مكتب خامنئي، والذي يأتمر بقرارات وتوجهات المؤسسات الثورية في نهاية المطاف .
لكن أين نحن العرب من كل ما يجري ؟

نعتقد أن التطورات وسيناريوهات ما سيجري لن يكون وليد الصدفة ، فعلى الصعيد الإقليمي والدولي نجد أن المتشددين هم من سيحكمون قبضتهم على المنطقة ، فالجناح المحافظ في إيران متجه لفوز كاسح في انتخابات مجلسي الشورى والخبراء ، وفي إسرائيل حكومة عنصرية متشددة ، والرئيس القادم لأميركا سيكون من الحزب الجمهوري حسب ما رشح من استطلاعات الرأي العام .
بالمقابل فالمنظومة  العربية مفككه ، ومغيبة عن كل ما يجري ، و لم  يُدرك  العرب بشكل جيد بأن إيران ومليشياتها ووكلائها  تمثل تحدياً خطيراً   ومستمراً له في المنطقة , وانه لابد من استثمار حالة  الضعف الإيراني الحالي لتدميرها  وتطويق طموحها الدموي  ,والذهاب حتى النهاية لمواجهتها ، لأن طاولة المفاوضات والخيارات الدبلوماسية أعجز من أن توقف إيران .
وعندما نقول بالذهاب إلى أخر الطريق فهذا لا يعني بالضرورة الحرب العسكرية المباشرة مع إيران التي تتخوف منها الأنظمة العربية  ,  فهذا خيار مستبعد في المرحلة الحالية على الأقل , فهناك خيارات أخرى كثيرة يمكن للدول العربية العمل بها . وحسب تصورنا  فإن التركيز في المرحلة القادمة  لا بد أن يكون من خلال الأزمة السورية ، ودعم معارضته وشعبه ، والوقوف ضد محاولات التأمر والتواطؤ الذي تتم من بعض الدول العربية التي ما فتئت تتاجر بدماء الأمة دون رادع ديني وأخلاقي ، وباتت نفس هذه الدول تُشكل تهديدا حقيقيا للأمن القومي العربي. وإذا ما أراد العرب الذهاب لهذا الخيار فإن عليهم حشد طاقاتهم، وعدم الاعتماد على المجتمع الدولي الذي خذل العرب دوماً، وبات ينظر للأزمة السورية من خلال زاوية اللجوء الإنساني ووقفه، مما  سيفقد إيران أوراقاً مهمة تعتمد عليها في بناء مجالها الحيوي .

 

 

 

مركز أمية للبحوث والدراسات

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع