ألكس راول
تصدير المادة
المشاهدات : 3421
شـــــارك المادة
ليس غريباً على منطقة الغوطة الشرقية في نواحي العاصمة السورية دمشق، أن تتعرّض لعنفٍ مرعب، فقد كانت مسرح الاعتداء الكيماوي الشهير بوحشيّته في آب 2013 الذي قضى على حياة مئات المدنيين، معظمهم من الأطفال.وتجدّد حملة القصف الجوي الكثيف من قوات نظام بشار الأسد، يلحق اليوم دماراً كبيراً بالمنطقة المدمّرة أصلاً، بحيث وجد عمّال الإغاثة أنفسهم غير قادرين على إتمام وظائفهم، وعبّرت منظمات غير حكومية كانت في العادة تلتزم الصمت، علناً عن موقفها المعارض "للعنف غير الموصوف" الذي يمارسه النظام، والذي طال في بعض الأحيان زملاءهم وأدى الى قتلهم.
الثامن من شباط كان أحد تلك الأيام، عندما قُتِلت ممرضة سورية وهي في طريقها إلى عملها، وفقاً لبيان صحافي لمنظمة "أطباء بلا حدود".
قبل ثلاثة أيام، كانت منشأتان طبّيتان تدعمهما منظمة "أطباء بلا حدود" من بين المباني التي أُصيبت بما لا يقل عن 60 ضربة جوية في يوم واحد. وفي الإجمال، قُتل بالضربات الجوية على دوما عاصمة الغوطة الشرقية 183 شخصاً على الأقلّ، بينهم 55 امرأة وطفل، وذلك في الأيام العشرة الأولى من شباط وحده وفقاً للمرصد السوري لحقوق الانسان.
"الوضع خطير فعلياً"
بالطبع فإن السكان المدنيين من كافة الفئات، ليس فقط من الأطباء هم الضحايا الأوائل لمثل هذا العنف. لكن الاعتداءات على الأطباء كان لديها تأثيرات جمّة، إذ أدّت إلى القضاء على أمن كافة السكان، بحسب ما قال منسق عمليات "أطباء بلا حدود" في سوريا بيار ديبارو لموقع NOW. الأهم أنّ أي اعتداء على عمال الإغاثة وهم يقومون بنقل الجرحى أو معالجتهم سوف يعرض حياة هؤلاء جميعاً إلى الخطر.
كما أن الضربات التي طالت المنشآت الطبية مثل المستشفيات الميدانية يمكن لها كذلك أن تحد من قدرتها على معالجة أي ضحايا في المستقبل، وهذه هي الحال مع المستشفيات المدعومة من منظمة أطباء بلا حدود في سوريا.
وأوضح ديبارو أن "المستشفيات الميدانية التي لا تزال تعمل في الغوطة الشرقية، تواجه كافة أنواع المشاكل، ومن بينها تأمين حمايتها الخاصة، وقد اضطررنا مرات عدة الى نقل المستشفيات الى أماكن أخرى، ما يشكل المزيد من العبء علينا".
وتعاني المستشفيات كذلك من الفرار الجماعي للمدنيين الذي يعقب طبيعياً اندلاع أي حرب. وقال ديبارو لـNOW إن هناك حالات لأطباء لم يتمكنوا من تحمّل إرهاق العمل في الغوطة الشرقية وغادروا المنطقة.
"ثمة أطباء قرروا بعد فترة أن يغادروا"، أضاف ديبارو، وبالتالي فإننا أمام تحدٍّ دائم "للحفاظ على أدنى مستوى من المهارة داخل" المستفيات الميدانية، وتحاول منظمة أطباء بلا حدود معالجة الأمر من خلال برامج التدريب على أمور مثل جراحة الطوارىء في الحرب.
وبالفعل فإن الخطر الكبير الذي يشكّله العمل في أماكن مثل الغوطة الشرقية هو الذي أجبر "أطباء بلا حدود" على تقليص وجودها في سوريا، الذي وصل في ذروته في أواخر عام 2013 إلى ستة مستشفيات ميدانية يديرها مباشرة على الأرض طاقم المؤسسة. اليوم تقلّص هذا العدد بفعل الخطر الكبير ليصبح مستشفيين فقط، يديرهما عن بعد طاقم عمل "أطباء بلا حدود" من خارج سوريا، أوضح ديبارو.
وفي موازاة ذلك، تدير منظمة أطباء بلا حدود كذلك برامج دعم منتشرة في سبع محافظات سورية، تؤمن التدريب والمستلزمات الطبية، في معرض ذلك- وهذه لم يتم تقليصها.
"من الصعب جداً وصف الموقف"، قال ديبارو لـ NOW. "كل عام نظن بأنه سيكون الأسوأ، وكل عام جديد يكون أسوأ من الذي سبقه. كنّا نفضّل العمل مباشرة مع طاقمنا ولكن الوضع خطير".
"مهمة مستحيلة" في العاشر من شباط، نشرت منظمة أطباء بلا حدود شهادة طبيبي طوارئ سوريين هرعا الى مسرح ساحة عامة مكتظة في الغوطة الشرقية قصفها النظام بواسطة احدى طائراته النفاثة في 23 كانون الثاني.
"بالكاد كان بإمكاننا التعرف على المكان، بسبب حجم الدمار. عشرات الأشخاص بين أموات وجرحى، كانوا منتشرين في المكان: أطفال، ورجال، ونساء، وكبار في السن"، كتب أحدهم تحت اسم أ.أ. "كان هناك دمار مرعب لا يمكن وصفه"، قال الثاني، معرّفاً عن نفسه بـ أ.ك.
وبينما هما يقومان باجلاء الضحايا، تعرّضت الساحة الى ضربة ثانية، وجُرح طبيبا الطوارئ كلاهما جروحاً طفيفة. "ليس من المستجدّ بأن يكون هناك موجة ثانية من القصف بعد القصف الأول. فنحن أطباء الطوارئ، في كل مرة نُرسل فيها لإجلاء الضحايا، لا نستثني أبداً احتمال بأن نكون من بين أعداد الذين سيقضون. لقد تعرّضنا في السابق الى القصف"، قال أ.ك.
"عملنا هو تقريباً بمثابة المهمة المستحيلة"، قال أ.أـ شارحاً لنا وضع سيارات الإسعاف البدائي التي يستخدمونها (عبارة عن سيارات عادية) ووضع المستشفيات الميدانية. من بين 128 شخصا استطاع هو وزملاؤه احضارهم للمعالجة، توفي 68 شخصاً.
"لقد تعودنا بشكل ما على القصف العادي، ولكن أحياناً يواجهنا مشهد لا نستطيع التأقلم معه. لا يمكنني أبدا أن أنسى الأجزاء الصغيرة لجسد يعود الى الأرجح الى طفل صغير، ينبض بالحياة. هذا النوع من الأمور نراه تقريبا يوميا. ننسى بعض الصور، ولكن ثمّة صور تأبى أن تنمحي من أذهاننا"،قال أ.ك.
وعندما سأله NOW كيف يعتقد بأن زملاءه السوريين كانوا قادرين على التأقلم مع هذا الإرهاق النفسي والجسدي، بدا ديبارو ضائعاً لا يعرف الإجابة: "لا أدري. الأمر لا يصدَّق".
NOW
أسرة التحرير
السبيل
كينيث روث
فيل ساندس
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
محمد العبدة