محمد نور حمدان
تصدير المادة
المشاهدات : 5737
شـــــارك المادة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: إن لكل عصر مصطلحاته السياسية التي اشتهر بها ففي العصور الوسطى مثلا وهو عصر الإمبراطوريات التوسعية وكانت الفكرة السائدة أن حدودي تنتهي في المكان الذي أسيطر عليه وأفتحه، أما في العصر الحديث فقد سادت العديد من المصطلحات السياسية وكانت هذه المصطلحات من نتاج الفكر الغربي وانتشرت بين أوساط السياسيين وأصبحت هي اللغة التي يتكلمون بها ويرددونها بل ويتشدقون بالدفاع عنها . وإن من أهم المصطلحات التي انتشرت وسادت مصطلحات (الديمقراطية والحاكمية أو السيادة والمواطنة والتعددية ..) . وحتى نستطيع إدراك هذه المصطلحات يجب علينا أن نعود إلى الفكر الغربي لنرى ما يقصدون منها وبالرغم من أننا نحتاج لكل مصطلح إلى محاضرة كاملة لتبيين المقصود منه وتعريفه لكن ممكن إذا نظرنا بشكل سريع نخلص بنتيجة أنه يوجد خلاف في تفسير كل مصطلح فمثلاً مصطلح الديمقراطية فيه أكثر من أربعة عشر تعريفاً ومن وضع فلسفة هذا المصطلح يختلفون في تقديم الحرية على الفرد أم في تقديم الأفراد على الحريات عند التعارض؟ وهل الأغلبية المطلقة هي المعتبرة أم الإجماع؟ لذلك ظهر عدد من المدارس ووصفت الديمقراطية بعدة أوصاف فالديمقراطية الغربية مقابل الديمقراطية الاجتماعية أو الديمقراطية الماركسية والديمقراطية التقليدية والديمقراطية الليبرالية وحتى يومنا هذا نجد رجال السياسة يتصرفون بناء على تكييفهم للديمقراطية وكذلك الخلاف حاصل في ما هو الأمثل في الديمقراطية هل الديمقراطية النيابية أم الديمقراطية المباشرة حيث يرى روسو أن الديمقراطية النيابية غير مقبولة وهي نوع من الاستبداد ولا تزال الخلافات قائمة إلى يومنا هذا . وكذلك الخلاف في معنى الحرية هل هي مطلقة بمعنى أنه لا يجوز تقييد الفرد مطلقاً أم مقيدة لها حدود وضوابط وهل هناك ثوابت لا يجوز الخروج عنها فعندما نتكلم عن الديمقراطية البريطانية مثلاً وتعد من المجتمعات العريقة بالديمقراطية نجد أن هناك قيود وضوابط تحد من الديمقراطية صحيح أن هذه القيود ليس منصوصاً عليها وإنما يكفي العرف أن يكون مقيداً للديمقراطية كموضوع اللغة والهوية والانتماء. ولو انتقلنا إلى السيادة أو الحاكمية نجد الخلافات أشد وأعمق فمعلوم أن هذا المصطلح تولد من الحاجة لمعرفة السلطة لمن؟ حيث ثار هذا التساؤل قبيل الثورة الفرنسية وعندما حاولت الشعوب أن تتخلص من حكم الكنيسة نتج عنه فراغ سلطوي فابتدعوا نظرية الحاكمية وجعلوا السلطة بيد الملوك وبعد أن ثار الناس في وجه الملوك ظهرت نظريات عديدة منهم من يقول أن السلطة بيد الدولة أما وروسو اعتبر أن السلطة بيد الشعب بشكل مباشر ومنهم من اعتبر أن السلطة إلهية وخرج من المفكرين البريطانيين واعتبروا أن السلطة بيد المؤسسات كالبرلمان البريطاني ووصفهم مخالفوهم بالاستبداد. وهكذا دواليك فالمفكرون الغربيون وإن كانوا متفقين على المصطلح لكنهم مختلفون في مضمونه وسبب الاختلاف إنما هو الحاجة وطبيعة المجتمع والثقافة. وكل فريق يتهم الآخر بأنه لا يطبق مضمون المصطلح. النظام السياسي في الإسلام: إن أردنا أن نتكلم عن النظام السياسي الإسلامي من خلال الرجوع إلى القرآن والسنة النبوية نجد أن الشريعة الإسلامية ذكرت قيماً عامة ومبادئ أساسية ولكنها تركت تفصيلاتها لاجتهادات البشر وحاجتهم مع أنها هي نفسها الشريعة التي ذكرت في القرآن الكريم قوله تعالى: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا) وهي نفسها التي فصلت في الصلاة والمواقيت والزكاة والأنصبة ومقاديرها والبيوع والشراء و و و.... أما إذا نظرنا إلى النظام السياسي وهو أهم أمر في الإسلام نجد أن الشريعة اكتفت بذكر قيم عامة ومبادئ أساسية لا يجوز التنازل عنها تاركة التفصيلات للبشر فمثلاً الشورى ذكر الله في القرآن الكريم آيتين في الشورى أما عن كيفية الشورى وتفصيلاتها فمتروكة للبشر وكذلك امر اختيار الخليفة أو رئيس الدولة لم يحدد النبي صلى الله عليه وسلم كيفية اختيار الخليفة لذلك وجدنا في اختيار الخلفاء الراشدين طرقاً مختلفة وكلها طرق مشروعة مادامت مبنية على إرادة الأمة وكذلك البيعة وطاعة أولي الأمر ونصح الحاكم وتقويمه إن وقع في الخطأ كلها قيم أكدت عليها الشريعة الإسلامية وركزت عليها أما ما هو شكل الدولة وطريقة عملها وكيفية تنصيب الرئيس واختياره كلها أمور تفصيلية تركت لاجتهاد البشر. لذلك كل من ألف في السياسة الشرعية نجده يفتتح حديثه عن الاجتهاد وأهميته وكيفيته في إشارة منهم إلى وجوب الاجتهاد في السياسة الشرعية فما رآه المسلمون حسناً فهو عند الله حسن شريطة أن لا يتجاوز القيم التي أكدت عليها الشريعة الإسلامية وثوابتها . بالعودة إلى المصطلحات السياسية المعاصرة والتي كما بينت كانت نتاج فكر غربي فقد انتقلت هذه المصطلحات إلى البلاد الإسلامية وذلك من خلال البعثات العلمية إلى تلك الدول والدعوة إلى الاستفادة من تجارب الغربيين ومن علومهم كما هم استفادوا من علومنا وأخذوا منها الشيء الكثير فمثلا رفاعة الطهطاوي هو أول من نقل فكرة الديمقراطية إلى البلاد الإسلامية ثم جاء بعده الأفغاني ورشيد رضا ومحمد عبده ومالك بن نبي والغنوشي ... وكذلك المودودي طور فكرة الحاكمية (السيادة) بما يتناسب مع الشريعة الإسلامية وكذلك رشيد رضا وعبد القادر عودة وسيد قطب ووو... وكانت هذه المصطلحات مثار جدل بين الإسلاميين في الأخذ بها وعدم الأخذ بها إلى يومنا هذا . بداية لا بد أن نقرر عدة أمور : إن الأخذ بما توصلت إليه البشرية من تطور وعلوم لا مانع منه إن كان لا يتعارض مع الشريعة الإسلامية فالرسول صلى الله عليه وسلم أخذ بفكرة حفر الخندق مع أنها فارسية بل وأخذ بالأعراف التي تسير عليها الملوك عند اتخاذه الخاتم فقد قالوا للرسول إن الملوك لا تقرأ إلا شيئاً مختوماً فاتخذ الخاتم وكذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنشأ الدوواين واتخذ السجن وكلها أفكار لم تكن عربية أو إسلامية، وتعامل بأحكام دولة سياسية متعارف عليها في ذلك الوقت كقضية الرق مثلا مع أن الشارع كان يتشوف إلى إلغائها . وفي عصرنا الحديث اعتمدنا على الغرب في كثير من الاختراعات والتكنولوجيا والأسلحة المتطورة وغيرها كما هم استفادوا من الحضارة الإسلامية وأخذوا الكثير من علومنا واستفادوا منها وهذا أمر لا ينكر في مجال تلاقي الحضارات فكل حضارة تستفيد من الجهود البشرية التي قدمتها حضارات أخرى . المصطلحات السياسية ليست ثوابت لا يمكن تجاوزها ولكل عصر مصطلحاته ومفرداته ويمكن أن نكون مرنين في هذه الناحية . بالعودة إلى هذه المصطلحات ولنقارن بين المضامين ونبتعد عن المصطلحات قليلاً ونتساءل بعض الأسئلة: هل النظام السياسي الإسلامي دعا إلى الحرية أم إلى الاستبداد؟ هل النظام السياسي الإسلامي دعا إلى مراقبة الحاكم والنصح له أم تركه يتصرف كيف يشاء؟ هل الإسلام دعا إلى اختيار الحاكم عن طرق الشعب أم يتغلب عليهم؟ من الذي وضع نظرية الشورى وأمر بها في وقت كان العالم غارقاً في حكم الامبراطوريات الاستبدادية؟ من الذي وضع دستور للمدينة المنورة للتعايش في الوقت الذي لم تعرفه الشعوب وكانت تبني ثقافتها على الاستعباد؟ وأسئلة كثيرة تؤكد أن الإسلام دعا إلى الحرية والعدالة والمساواة ومراقبة الحاكم واختياره والشورى والابتعاد عن الاستبداد. ولو نظرنا في الديمقراطية بعيداً عن فلسفتها لأن هذه الفلسفة مختلف فيها بين مفكر وآخر وبين بلد وآخر لوجدنا أن الآليات للديمقراطية قريبة من النظام السياسي الإسلامي. ننتقل إلى الحاكمية أو السيادة فالحاكمية في الفكر الغربي تعني السلطة المطلقة التي لا تعلوها سلطة وقد اختلف الغربيون كثيراً لمن تكون هذه السلطة بعضهم أرجعها للدولة و بعضهم يرى بوجوب إعادتها إلى الشعب (جان جاك روسو) أما عند البريطانيين فالسلطة تكون للمؤسسات (البرلمان) فواضح من خلال هذا الخلاف عدم الاستقرار على معنى معين أما في الفكر الإسلامي إن بحثنا قليلاً في نظرية الحكم والحاكمية لوجدنا أن الإسلام وضع تصوراً كاملا عن الحاكمية من خلال الخلافة والتي عبر عنها كثير من الباحثين اليد التي ليس فوقها يد أو السلطة العليا والسلطة المطلقة نعم يوجد خلاف بين الفكر الغربي والفكر الإسلامي لمن تكون السلطة وهذا طبيعي فالمفكرون الغربيون لم يستقر لهم أمر في الموضوع أما في الإسلام فقد ظهر الكثير من المفكرين ووضعوا تصوراً للحاكمية تدور على أن السيادة لله والسلطة للشعب بيدهم الحكم والقرار والعزل والتنصيب ولكن هذه السلطة تحت سيادة الشريعة وهذه بعض النصوص: "فلا تعتبر البيعة شرعاً إلا برضا المسلمين ومشورتهم واتفاق غالبيتهم؛ لأنها ابتداءً حق من حقوق الأمة الإسلامية ترك الشرع لها اختيار من تريد أن يحكمها بالشرع". البيعة في الفكر السياسي الإسلامي لمحمود الخالدي 109. "ليس من شك في أن الأمة هي المكلفة برعاية ذلك وتنفيذه، ولهذا يجب أن يكون سلطانها مطلقاً وسيادتها على بنيها عامة غير مقيدة ولا محدودة إلا بما قيدها الله به وحدده لها". مناهج الحكم والقيادة في الإسلام لأنور الجندي 27. "وإنما السلطة للأمة تعطيها لجماعة بقيود، فليست سلطة مطلقة، وإنما مقيدة بقيود مهمة شرعية ورقابية وتأهيلية". الدولة الإسلامية بين التراث والمعاصرة لتوفيق الواعي 61. "رضاها (الأمة) أساس في صحة الولاية العامة، فمصدر سلطة الحاكم الأعلى في الدولة مستمدة من الشورى السياسية هذه أو الانتخاب الحر، ونعني بالسلطة هنا سلطة تنفيذ شرع الله فيهم بما يستلزم ذلك من الاجتهاد التشريعي فيما لا نص فيه بالتفريع على مبادئه والمصالح الجدية الحقيقية المعتبرة" . خصائص التشريع الإسلامي لفتحي الدريني 428. "إذا كان الله سبحانه وتعالى هو أساس السلطة ومنبعها، فإن السلطة لا تستبد بأمرها طبقة مخصوصة، بل هي بأيدي عامة المسلمين، وهم الذين يتولون أمرها والقيام بشؤونها وفق ما تقتضيه أحكام الشريعة الإسلامية، فالإسلام يتيح حاكمية شعبية مقيدة تعمل في حدود السيادة الإلهية ونطاقها". النظام الدستوري في الإسلام لمصطفى كمال وصفي 70. وان انتقلنا إلى المواطنة نجد أن حب الديار والتعلق بها مما ذكره القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة حتى سميت سورة باسم سورة البلد واعتبر الله تعالى أن الإخراج من البلد كقتل الأنفس فقال تعالى (ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم ما فعلوه إلا قليل منهم ..) وقال صلى الله عليه وسلم عندما خرج من مكة قال : "ما أطيبك من بلد، وأحبك إلي، ولولا أن قومك أخرجوني منك ما سكنت غيرك" ومن الطبيعي أن التعلق في الوطن ينبني عليه حقوق وتترتب عليه واجبات من الدفاع عنه وحمايته و و... لذلك فكل مصطلح من هذه المصطلحات له فلسفة وهذه الفلسفة تختلف من بلد إلى لد ومن مفكر إلى آخر ومن ثقافة إلى أخرى والأخذ بهذه المصطلحات بما يتناسب مع طبيعة البلد وثقافتها مما لا يتعارض مع الفكر السياسي الإسلامي ولا يمكن للمجتمع المعاصر الذي خرج من الثورات والأزمات أن يقوم إلا إن كان هناك مجموعة من الثوابت تتفق عليها التيارات والأحزاب السياسية والقوى المختلفة في المجتمع ثم يمارس كل حزب نشاطه بكل حرية ودون قيود شريطة ألا يتجاوز هذه الثوابت التي اتفق عليها المجتمع وألا يخرج عنها حتى تتجذر ثقافة المجتمع وتتبلور عندها لا حاجة لنا في النص على هذه الثوابت.
نور سورية
المرصد الاستراتيجي
المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات
أكرم حجازي
مازن هاشم
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة