محمد رشيد
تصدير المادة
المشاهدات : 3599
شـــــارك المادة
مخاطر كثيرة وكبيرة تحيط بالثورة السورية، لكنها تتقدم صعوداً إلى قمة المجد والنصر، وتقدم أغلى شباب سوريا قرابين “للحرية والكرامة”، بل حتى أطفال سوريا أصبحوا الوقود الحيوي لهذا الكفاح الجماعي، ولا يمر يوم دون أن يسقط طفل أو أكثر شهداء برصاص غادر يتعمد استهدافهم لحرق قلوب أمهاتهم وآبائهم، ولكن أيضاً يقتلون الأطفال بعد خطفهم وتعذيبهم بوحشية تكاد تتفوق على وحشية هتلر. لكن الثورة السورية التي لا تخاف “العدو” المباشر، ممثلاً بـ”الرئيس” وآلته الوحشية، وحلفائه في الداخل والخارج، مهددة بتبديد تضحياتها، وعدم بلورة أهدافها بشكل واضح، لغياب التفاعل الحيوي، والعمل الدؤوب، والتصعيد المتسلسل، وفق أجندة واضحة من المجلس الوطني السوري، أجندة لا تقتصر على برامج السفر ومواعيد المقابلات السياسية أو الإعلامية وتوجيه النداءات، بل خطة متكاملة من الألف إلى الياء، وأن يسمي المجلس الأشياء بأسمائها الواضحة، فلا وقت للدم السوري المراق لمجاملات داخلية أو عربية أو دولية، وعلى أهمية البقاء جبهة متحدة، إلا أن بقاء المجلس متحداً مع الشعب ونبضه، أهم بكثير من إرضاء هذا المعارض أو ذاك، أو هذه العاصمة أو تلك. هل هذا كثير؟ لا أظن ذلك، فالثورة لم تعد في الأسبوع الأول من عمرها، ولا حتى في الشهور الستة الأولى، ولا بدّ لقيادات المعارضة أن تقبل بصدر رحب توجيه اللوم إليها، لأنها وحدها المسؤولة عن هذا البطء على امتداد الشهور الماضية، ولا فرق إن كان السبب قلة خبرة أو عدم اتفاق في الرؤية، أو كان صراعاً داخلياً وحساسيات شخصية، أو إن كان بسبب الجامعة العربية، وعلى المجلس أن يكون شفافاً مع الشعب، وأن يكاشف الشعب بكل شيء، فلم تعد أية علاقة مع أية عاصمة تستحق أن يخسر المجلس ثقة الشعب، ويخسر ثقة هيئات الثورة وقادة الداخل، الذين يتألمون جراء ذلك بصمت، ويدفعون المزيد كل يوم للتغطية على عيوب الخارج، هكذا هو الحال دوماً، بين ثورة في الوطن و قيادة في الخارج، هكذا كان الحال بين قيادة منظمة التحرير الفلسطينية، والشعب الفلسطيني الثائر بوجه الاحتلال. ولكي لا يعتقد أي أحد، أن هذا كلام إنشائي وتنظير من برج عاجي، فان ما أقوله يبدو لطيفاً ورحيماً بالقياس إلى مئات التعليقات التي أتابعها يومياً على صفحات ومواقع الثورة، وبقدر ما أرقني الانعدام المبكر لنسق المواقف، سافرت مرات، والتقيت بعض الإخوة في قيادة المجلس في أكثر من عاصمة، وسالت عن كل هذا، ورأيت بوضوح لا لبس فيه بطء اتخاذ المواقف جراء تسويات ومساومات لا صلة لها أحياناً بما يفكر فيه الشعب المقاوم للنظام. مثلاً، رفعت الثورة شعار التدخل الدولي، أشهراً قبل أن يتحرك المجلس نحو “التعريب” المشلول، بل إن بعضهم، وإلى يومنا هذا “يتلعثم” حين تسأله عن مفهوم “التدويل”، أهو إنساني، عسكري، منطقة آمنة، فرق مراقبة، حرية الحركة والعمل للصحافة العربية والأجنبية.. أم ماذا؟ وأحد الإخوة في قيادة المجلس قال لي وهو سعيد: إن “التدويل “ تراجع عدة خطوات لصالح “ التعريب”، في حين، ومما أرى وأقرأ وأتابع، الشعب السوري لا يثق أبداً بالجامعة العربية، ولا بأمين عام الجامعة، وقد أعلنت الثورة ذلك منذ شهور طويلة، فهم وبحكم معرفتهم بالنظام ودمويته، يطالبون منذ وقت مبكر من عمر الثورة بالتدخل الدولي بالمعنى الحرفي والواسع، بما في ذلك التدخل العسكري، وسأقبل بحكم الناس على ما أقول، أما ما يساق من حجج ومقارنات مع التجربتين العراقية والليبية، فما هي إلا تبريرات فضفاضة، لأن بديل التدخل الدولي القوي، هو استمرار مجازر النظام بنسق متصاعد، مما يجعل ثمن سقوط النظام باهظاً جداً، ولا أحد يريد نصراً بطعم الهزيمة. وإذا وضعنا جانباً الاجتهادات السياسية، يمكن ملاحظة أن المجلس يفتقد حتى الآن إلى الاستجابة السريعة للأزمات، والتقاط تطورات الأحداث، كمنطلقات متجددة للتصعيد والضغط والمبادرة، وذلك ناتج عن عدم نضوج العمل المؤسساتي، حتى في أبسط صوره، والاعتماد على رد الفعل بدلاً من الفعل المؤثر، في حين يمكن البدء فوراً بخطوات صغيرة، مثلاً، آن الأوان لأن يصدر المجلس ملخصاً يومياً للأحداث في مؤتمر صحفي مباشر، ومثال آخر، أن يعلن المجلس عن ممثلين “سفراء“ على الأقل في العواصم العربية والدولية. مثال ثالث، أن يشكل المجلس وحدة “ استخبارية”، لتجميع وتحليل المعلومات في كل ما يتعلق بتحركات النظام ورجاله، ورصد أرصدتهم في الخارج، والمجلس لديه اليوم الكثير من الخبرات في صفوف الجيش الحر، كذلك مؤسسة العمل الشعبي في الخارج لوضع سفراء النظام وسفاراته تحت ضغط شديد، وإنشاء وحدة متخصصة للعناية بأسر الشهداء والجرحى والأسرى وتكوين صندوق خاص لذلك. القائمة تطول، ولدى الثوار عشرات بل مئات الأفكار المبدعة سيفاجئ المجلس بها، شريطة أن يشعر الثوار بأن الجهد “الايجابي“ المبادر من المجلس قد بدأ، وأن هنالك فريقاً متخصصاً في تلقي هذه المبادرات ودراستها، واتخاذ إجراءات بشأنها. صحيح أن قيادات الداخل أعطت المجلس تفويضاً مشروطاً في البداية، لكن وعي هذه القيادات المجاهدة على خط النيران كفيل بأن يشكل شبكة أمان للمجلس الوطني في العمل الإيجابي الفعال، ونسبة من الأخطاء مقبولة في كل الثورات، ولكن ما هو غير مقبول، أن لا نفعل شيئاً كي لا نخطئ ونغضب، لأن ذلك سيكون “أم“ كل الأخطاء. كلمة أخيرة، هناك جرح يجب أن يفتح ليلتئم بطريقة صحيحة، وعلى المجلس الوطني أن يحرص عليه أكثر من حرصه على “بؤبؤ“ العين، فلقد آن الأوان لمعالجة ملف العلاقة بين المجلس والجيش الحر بطريقة “ثورية“ وبعيداً عن “التأتأة“، وهؤلاء الضباط والجنود وضعوا أرواحهم على أكفهم، لأنهم رفضوا قتل أبناء شعبهم، ولا أدري أين الخلل، ولا من هو المسؤول عنه - إن وجد-، لكني أعتقد أنه آن الأوان لإعلان الجيش السوري الحر ذراعاً عسكرياً وأمنياً للمجلس الوطني، وأن يصدر المجلس وباتفاق واضح مع قيادة الجيش بياناً مشتركاً بذلك، وتحديد مهامه طبقاً للحاجة وتطور الأحداث، ويستحسن الحفاظ على هويته الدفاعية قدر ما أمكن ذلك، وأن يعتبر المجلس “قائد“ الجيش ونائبه أعضاء طبيعيين في المكتب التنفيذي للمجلس بحكم مهامهم، ولا أرى أي تعارض بين هذه الخطوة وسلمية الثورة، ولنتذكر جميعاً أن هؤلاء الأبطال خرجوا عن الطاعة العسكرية حين وجدوا أن الأوامر الصادرة إليهم بقتل “سلمية“ الثورة، هي أوامر فاقدة للشرعية. تلك مجموعة ملاحظات وأفكار ومعلومات أضعها علناً بتصرف الجميع، ولا ادعي أني أعرف “شعاب مكة أكثر من أهلها"، لكني أخشى إن لم ينهض المجلس الوطني السوري- الآن- أن يكون الغد متأخراً، وسيضطر الشعب إلى إيجاد بدائله، ونكون جميعاً قد خسرنا.
المصدر: موقع أخبار الثورة السورية
فيصل القاسم
أنور مالك
غسان المفلح
خالد حسن هنداوي
المصادر:
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة