محمد يوسف
تصدير المادة
المشاهدات : 2771
شـــــارك المادة
إذا كان الطغيان والاستبداد السياسي للنظام السوري قد أشاع لأربعة عقود خلت تصحراً سياسياً وغيب بشكل شبه تام المجال السياسي الحيوي بما هو بيئة طبيعية للنشاط السياسي، وأبقى المعارضة السياسية رهينة زمنها الأول، زمن الانقسامات والتشتت والضعف والفاعلية المحدودة، والعوز التاريخي لأدنى حراك شعبي، فإن الثورة السورية التي انطلقت اعتبارا ًمن 15-3-2011م استمراراً للربيع العربي قد نقلت هذه المعارضة إلى زمنها الثاني، زمن الحركة والحيوية والائتلاف ووحدة الصف والرؤى والأجندة السياسية، وفرضت الثورة على هذه المعارضة أن تسلك مسلكاً جاداً منضبطاً ومسئولاً، وذلك لسببين:
لم تكن الثورة السورية بما هي حراك جماهيري مستقل وقيادات ميدانية منبثقة عنه ناجمة أساساً عن أي نشاط مباشر لهذه المعارضة على أهمية نضالها التاريخي وخبراتها المتراكمة في العمل السياسي بشقيه النظري والتنظيمي السري/العلني، وبالتالي فهذه الاستقلالية ودينامية واستمرارية الحراك/ الثورة، وضعت هذه المعارضة في حالة من الترقب واليقظة والحذر والانتظار وعدم مغادرة الحيز السياسي النضالي الذي فتحته الثورة في العهد السوري الجديد، وهنا عثرنا على بداية استنفار حراك سياسي نخبوي لهذه المعارضة موازٍ يبحث له عن مكان في صفوف الثورة وامتطاء موجتها كنوع من أنواع استعادة الذات السياسية (عودة الروح). مثل الحراك الجماهيري السوري فرصة نادرة وسبقاً لكسر حاجز الخوف والاجتراء على نظام طالما شكل هاجساً عانت من وطأته المعارضة السورية وعملت على تجاوزه أو زحزحة القمع قيد أنملة فلم تفلح، وبالتالي فإنها تعلم إن وقفت على الحياد دون أن تستثمر الفتح الثوري وتأخذ قراراً عاجلاً وتلتحق بهذا الحراك/الثورة فإنها ستجد مصيراً مماثلاً لمصير النظام بالخروج من مسرح التاريخ. أمام قوة جذب الحراك السوري واستقطابيته العالية والاستنفار السياسي المفروض اندفعت أطراف وأطياف المعارضة السورية التقليدية وشخصياتها في زمنها الجديد -زمن الثورة- عبر أوسع عملية تفاعل وفرتها ظروف الحراك، لتنتظم أخيراً في إطارين سياسيين شكلا رافعة سياسية، تنظيمية، وهما المجلس الوطني السوري المتأخر تشكيله بعد طول مخاض في 2-10-2011م، برئاسة برهان غليون، وهيئة التنسيق الوطنية للتغيير الوطني الديمقراطي المتشكلة أواخر حزيران برئاسة حسن عبد العظيم والتي شكلت مكتبها التنفيذي في 8-10-2011م، وهذان الإطاران وضعا الحراك/الثورة في بعدين استراتيجيين: البعد الذاتي التنظيمي: حيث سرعان ما سجل الحراك عبر الحشود المتظاهرة في جمعة (المجلس الوطني يمثلني) اعترافه بالمجلس الوطني السوري، وإن شكل هذا الاعتراف أحد نقاط الخلاف مع (هيئة التنسيق)، ومنذ ذلك الاعتراف بات الحراك يخطو ككيان اعتباري تنظيمي تحكمه مبادئ وقواعد عمل مركزية ناظمة رابطة لمفاصل حركة القيادة الميدانية عبر مختلف جوانب نشاطها الداخلية والخارجية. البعد العربي الإقليمي الدولي: ما كان يمكن للموقف العربي الإقليمي الدولي المساند للثورة السورية أن يستمر بفاعلية، تجعل عملية التغيير ممكنة لولا تشكل المجلس الوطني السوري وصيرورته أداة تغيير سياسي يجري التعامل معه سياسياً ودبلوماسياً كبديل للنظام السوري، واكتسب شرعيته الثورية من الحراك ذاته. لكن واستمراراً لعملية كسر موازين قوى الصراع السياسي على الساحة السورية، وبعد أن وصل الحل الأمني للنظام السوري إلى طريق مسدود؛ يبدو أن الثورة السورية بشقها الميداني واجهت عقبتين متراكبتين على صعيد كل من المعارضة السورية -العامل الذاتي-، والعامل الخارجي العربي والإقليمي والدولي -العامل الموضوعي-، حيث تتكامل فاعلية هاتين العقبتين في سياق انجاز عملية التغيير، ذلك أن العامل الخارجي -العربي، الإقليمي، الدولي- يبقى مقيداً مغلول اليد، محدود الفاعلية بسعة التغيير ومداه، ما لم تنجز أطياف المعارضة السورية انتظامها الكامل في إطار موحد لا يترك أية شخصية ومجموعة معارضة تنشط خارجه وتشكل عامل مشاغلة واستنزاف سياسي، بحيث يعتمد هذا الإطار الموحد خارجياً كأداة سياسية ضاغطة على النظام السوري وبديلاً نهائياً له، لكن ورغم أن المعارضة وبعد شهور من الثورة قد أنجزت إطاريها الأساسين -المجلس والهيئة-، وسدت ثغرة الفراغ التنظيمي الذي كان يمكن أن يثقل كاهل الثورة ويعوقها، إلا أن هذين الإطارين وجدا نفسيهما في مسرح صراع ناشب حول نقطتين أخذتهما هيئة التنسيق مطعناً على المجلس الوطني وهما: 1- احتكار المجلس لتمثيل الحراك السوري، واعتبرت الهيئة أن تسمية جمعة (المجلس الوطني يمثلني) خطأ خطير يؤدي إلى انقسام الشارع والتنازع السياسي. 2- تبني المجلس لمسألة التدخل الخارجي الذي كثر اللغط الملتبس حوله من كل حدب وصوب. ورغم أن هاتين المسألتين تعتبران شكليتين من الناحية النظرية المنهجية، مادام الإطاران -المجلس والهيئة- متفقين في العمق، حيث يجمعهما الموقف الصارم المبدئي الإستراتيجي؛ وهو إسقاط النظام السوري بكل مرتكزاته ورموزه وقيام دولة ديمقراطية مدنية. وفي النهاية لا تزال الأطر المعارضة تسعى عبر التفاوض إلى إنجاز أقصى ما يمكن إنجازه من لم الشمل ووحدة الصف لإزالة العقبة الأولى المتعلقة بظرف المعارضة، فيما العامل الخارجي بما هو عقبة أخرى في طرق مساندة الثورة، لا يزال ينوس بين الهروب من مغبة وكلفة التدويل على غرار الثورة الليبية، وبين البحث عن حلول سياسية -على الغرار اليمني-، أو انتظار مردود الضغوط والعقوبات الاقتصادية والإضراب الجاري تنفيذه اعتباراً من 11-12-2011م وصولا ًإلى العصيان المدني وبلوغ هدف الثورة في محاصرة وإسقاط النظام السوري.
المصدر: موقع صباح سوريا
طارق الحميد
محمد العمر
مهنا الحبيل
صالح القلاب
المصادر:
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة