..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

خطاب الأسد.. ودعوة غليون

نايف ذوابه

١٣ يناير ٢٠١٢ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 3039

خطاب الأسد.. ودعوة غليون
84005.jpeg

شـــــارك المادة

تسعًا وتسعين دقيقة استغرق خطاب الدكتور بشار الأسد الرئيس السّوريّ المنتخب في أقصر مدّة لتعديل دستوريّ في التّاريخ، مكّنه من وراثة حكم أبيه، ليصبح ملكًا متوّجًا على سوريا باسم رئيس جمهورية.. بدا الأسد شاحبًا ومتوتّرًا ومصرًّا على عدم التنحّي عن السّلطة.. لأنّ الشعب يريده -كما يقول- وهو ينتظر من الشّعب أن يقول كلمته فيما إذا دعاه للتنحّي.
كأنّ هناك إرادة شعبيّة في سوريا، وكأنّ هناك شعبًا له كلمة وله قرار..
على هامان يا فرعون..!!
في مطلع تسعينيّات القرن الماضي كنت أدرّس في مدارس العروبة الثانوية في عمّان.. حينها جدّد السّوريّون -على رأي النّظام البعثي- ثقتهم بالقائد السّوريّ حافظ الأسد، وانتخبوه بنسبة 99% حدّ علمي.. وقد غاب طالب سوريّ يومًا من الأيّام.. فلما عاد في اليوم التّالي سألته عن سبب غيابه، فأخبرني بأنّه ذهب إلى السّفارة، وانتخب سيادة الرّئيس وجدّد ثقته به.. الطالب في المرحلة الثانويّة طبعًا.. وهذا الطّالب الذي جدّد ثقته بالرّئيس المناضل حافظ الأسد كان أبوه يقبع حينها في السّجون السّوريّة بتهمة الانتماء إلى تنظيم الإخوان المسلمين.. الذين صدر في سوريا قانون يعاقب كلّ من ينتمي إلى هذا التّنظيم بأثر رجعيّ، ويعاقب كلّ من له صلة قرابة به إلى الدّرجة الرّابعة..!!
لا أدري كيف سيثبت لنا الرّئيس السّوريّ أنّ الشّعب ما زال يحبّه وعلى الولاء له مع تذكّر هذه القصّة..
يبدو ومن الحبّ ما قتل..!
يبدو من الضروري أن نتذكّر في هذا المجال قول جميل بثينة: "خليليّ فيما عشتما هل رأيتُما قتيلاً بكى من حبّ قاتله مثلي"؟
شبح الخوف من الأجهزة الأمنيّة السّوريّة يلاحق السّوريّين من الرّعب الذي ذاقوه من أجهزة أمنهم الوطنيّة أينما حلّوا..
أقول: إن الرّئيس الأسد يبدو في خطابه -وبقدر ما هو متمسّك بالحكم كِبرًا وعنادًا، وهكذا هم كلّهم بعد ما تصنّموا وتألّهوا-... يبدو محاصرًا ومنهارًا، ويقاتل في الخندق الأخير، بعد أن أطبقت عليه من أقطارها ونواحيها عزلة وتنديدًا..
يحسن صنعًا الرئيس السّوريّ لو تنحّى، وليس فقط يتنّحى، بل يسلّم نفسه لمجلس عسكريّ انتقالي ممن يُؤتمنون على نقل السّلطة -وما أعزّ وجودهم في سورية- ويسلّم نفسه للعدالة، ولو على حدّ المقصلة، هو وأخوه وبنو عمومتهم، وكلّ من شاركوا في جريمة اغتيال الشّعب السّوريّ وذبْحه وانتهاك محارمه.. يسلّمون أنفسهم مختارين، ولو إلى حبل المشنقة..
يبدو كلامي غريبًا..
أقول: لو يسلّمون أنفسهم ولو إلى حبل المشنقة، ليس رأفة بالشّعب السّوريّ الذي لم يعرف الرّأفة في ظلّ هكذا نظام أمنيّ فاسد مستبدّ منتهك للحرمات ولكلّ المقدّسات.. ليس لكلّ هذا كلّه، بل من أجل والدته وأخواته، وزوجته وأبنائه، وأبناء عائلته، ممن ليس لهم ذنب فيما يجري؛ حتى لا تجري إبادتهم وإهانتهم، وخاصّة النّساء منهنّ، فيما لو انقلبت الموازين، وهي لا بدّ منقلبة.. فيما لو أُجهز على النّظام بحركة انقلابيّة، أو باتّساع رقعة المواجهات والانشقاقات في الجيش، وهي سائرة في هذا الاتّجاه.. والأفق الدوليّ للحلّ أيضًا سينتهي بهذا الاتّجاه إنْ عاجلاً أم آجلاً..
حتى إسرائيل لا تريد هكذا نظامًا أصبح مستهلكًا، وأصبح محاصرًا من العالم كلّه؛ لأنّ هذا يضعف قدرته على حمايتها، المهمّة المقدسّة -والوحيدة- التي نجح فيها هذا النّظام..
من يحمي الطائفة العلويّة من عمليّات ثأريّة، فيما لو انقلب السحر على السّاحر، وانهار نظام الأسد، والمعروف أنّ عامّة الطائفة العلويّة ارتبط مصيرها بمصير هذا النّظام البائس باختيارها أو رغمًا عنها..
يحسن صنعًا الأسد لو تنحّى.. لكنْ لمن يتنحى.. الأمور تحتاج إلى وصفة سحريّة فيمن يستلم نظام الحكم لفترة انتقاليّة، وهذا من أسرار تعقيد الوضع السّوريّ وانعدام أفق الحلّ فيه، بل وأيضًا خطورة أيّ حلّ على سوريا وعلى الطائفة العلويّة خاصّة..
كلام عبد الحليم خدّام بأنّ الأسد أخبر وزيرًا لبنانيًّا بأنّه سيقيم دولة السّاحل يعني دولة علويّة.. هذا الكلام ليس من فراغ، وندقّ ناقوس الخطر.. هناك أفكار تقسيم تنتظر سوريا.. وهناك تسليح لطوائف معيّنة وأقليّات، والنظام السّوريّ يقوم بتسليح طائفته -للأسف-، ولقد تحدّثت الصحف الأجنبيّة قبل نحو شهر ونصف أو شهرين عن أنّ إحدى الأقليّات المحسوبة على النّظام السّوريّ لا تكتفي بالتسلّح بل بحفر ملاجئ وخنادق..!!
علاج المسألة السّوريّة ليس بمزيد من التّأزيم والاقتتال والتّحدي لو كان هناك عقلاء في الجيش السّوريّ، لكن من أين يأتي العقلاء وقد سلّط النّظام الأجهزة الأمنيّة لمراقبة أنفاس الضّباط حتى لا ينسّقوا مع بعض، أو يتّفقوا على حسم الأمور..
التّهديد من برهان غليون بإحالة الملف السّوريّ إلى مجلس الأمن أيضًا انتحار سياسيّ.. أيّ مجلس أمن هذا؟ وكأنّ برهان غليون يتحدّث عن مجلس عدل، له سوابق كبيرة في إنصاف الشعوب ورفع الظّلم عنها، وكأنّ مجلس الأمن ليس هو مجلس الظّلم والقهر المرتبط بوزارة الخارجيّة الأمريكيّة؟!
البحث عن الحلّ وآفاقه يجب أن يكون في سوريا نفسها.. وإلاّ فإنّ معاناة السّوريّين ستطول في ظلّ صمْت عربيّ مخجل ومهين.. وكأنّ ما يحدث للشّعب السّوريّ يحصل لشعب في المريخ، وكأنّ سوريا ليست قلب الشام الذي كان قلب العالم يومًا ما، ومنه انطلقت حركة التّغيير والتحرير إلى مصر وفلسطين، بتحرير الأقصى وسائر المنطقة، فضلاً عن جيوش أجدادنا الأمويّين التي انطلقت من حاضرة الشام إلى مختلف أرجاء الدّنيا..

المصدر: الإسلام اليوم 

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع