..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

الشيخ والطاغية والثوار

حسان الحموي

١٦ ٢٠١٢ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 2790

الشيخ والطاغية والثوار
111.jpg

شـــــارك المادة

كَانَ رئيس فِيمَنْ كَانَ فينا، وَكَانَ لَهُ شبيح فَلَمَّا عجز قَالَ للرئيس: إِنِّي قَدْ عجزت فَابْعَثْ إِلَيَّ شيخاً أُعَلِّمْهُ التشبيحَ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ شيخاً من باب السباع يُعَلِّمُهُ، فَكَانَ فِي طَرِيقِهِ إِذَا سَلَكَ تظاهرةً من الثوار، فَقَعَدَ إِلَيْهِم وَسَمِعَ كَلَامَهُم فَأَعْجَبَهُ، فَكَانَ إِذَا أَتَى الشبيح مَرَّ بالتظاهرة وَقَعَدَ إِلَيْهِم، فَإِذَا أَتَى الشبيح عنفه، فَشَكَا ذَلِكَ إِلَى الثوار؛ فَقَالوا لهَ: إِذَا خَشِيتَ الشبيح فَقُلْ: حَبَسَنِي الثوار، وَإِذَا خَشِيتَ الثوار فَقُلْ: حَبَسَنِي الشبيح، فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ أَتَى عَلَى معركة عَظِيمَةٍ قَدْ حَبَسَتِ النَّاسَ في بابا عمرو وباب السباع.
وكان هناك مراقب دابة يدعى الدابي، فَقَالَ: الْيَوْمَ أَعْلَمُ الشبيح أَفْضَلُ أَمِ الثوار أَفْضَلُ، فَصلى ركعتين وقَالَ: اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ أَمْرُ الثوار أَحَبَّ إِلَيْكَ مِنْ أَمْرِ الشبيح فَاكشف هَذِا الدَّابَّي؛ حَتَّى يَمْضِيَ النَّاسُ، فدعى ليلته كلها، وإذ بالمراقب أنور مالك يشق عصا الطاعة للدابي؛ ويفضح أمره، وَمَضَى النَّاسُ في التظاهر. فَأَتَى الثوار فَأَخْبَرَهُم فَقَالَ لَهُ الثوار: نعم يا شيخ، أَنْتَ الْيَوْمَ أَفْضَلُ مِنِّا، قَدْ بَلَغَ مِنْ أَمْرِكَ مَا نرَى، وَإِنَّكَ سَتُبْتَلَى عند الرئيس، فَإِنِ ابْتُلِيتَ فَلَا تَدُلَّ عَلَينا.
وَكَانَ الشيخ يواسي النَّاسَ مِنْ سَائِرِ الطوائف والأديان، فَسَمِعَ شبيح الرئيس به، فدعاه لمقابلة الرئيس، وكان مع جمع غفير من الناس، فتعاهدوا على قول الحق، والتخلي عن الذات، والابتعاد عن الطلبات الشخصية، وكان الرئيس كلما سمع منهم شيئاً؛ بدا كأنه مستغرباً، يتساءل عن ما يُروى هل هذا صحيح؟، ويأخذ قلماً وورقة ويدون فيها، ما يُروى أمامه، وقد سألوه أن يعطيهم الأمان، فأعطاهم؛ ولكن بعدما انتهت المقابلة، عمد شبيحه إلى احتجازهم، وتعنيفهم، وسجنهم، وبعد ذلك أفرج عنهم، وعاد الشبيح وطلب من الشيخ مقابلة الرئيس، مع مشايخ فلم يذهب، فاعتقله وسأله لماذا لم تذهب؟.. فقال: آثرت ترك الأمر لغيري. فعاد ودعاه مرة أخرى لمقابلة الرئيس وقَالَ: لن أفعل معك شيء إن أنت قابلت الرئيس، ولكن لا تخبره ما فعلناه معك في المرة الماضية، وسأله عن أحوال الناس في باب السباع وبابا عمر، وعن التظاهرات في الجمعة الماضية، فقال له الشيخ: ألم ترها!،... فقلّب الشبيح دفتره وقرأ له التقرير اليومي الذي يطلع الرئيس عليه، وقال له: هناك تظاهرة من ثلاثين شخصاً في بابا عمر، وعشرة أشخاص في باب السباع، ومئة شخص تجمعوا في إدلب ولكنهم سرعان ما تفرقوا، هذا كل شيء. فقال له الشيخ: هذه أمانة.. يجب أن يعلم الرئيس ماذا يحصل في الخارج كي يتصرف، فضحك الشبيح ودعاه للدخول إلى الرئيس، وكانت جلسة طويلة استمرت ساعتين ونصف، وقبل أن يتكلم: سأل الشيخ الرئيس: هل أستطيع أن أتكلم بكل شيء؟ قال له الرئيس: نعم، فرد الشيخ: لكنك في المرة الماضية أعطيتنا الأمان، وخرجنا من عندك إلى شبيحتك يحققون معنا، عندها ضحك الرئيس وقال: أخاف بعد هذه الجلسة أن يحققوا معي أنا!. وبدأت الجلسة بطرح كل الأمور دون مواربة، بدا الرئيس هلوعاً، وبدأ الرئيس حديثه بالدعوة إلى تهدئة المظاهرات، وكان يقول: إنه يعلم أن كل المشاكل سببها ممارسات الأمن والمخابرات والشبيحة، قائلاً: "إذا كان لديكم ألف صورة في ذهنكم ففي ذهني عشرات آلاف الصور، فلا تحدثني عن الممارسات السلبية وأعرف أن الحل هو سحب الأمن، لكنني لا أستطيع سحب الأمن إلا بعد تهدئة الشارع"، وأعاد هذا الحديث في اللقاء الذي استمر لأكثر من ساعتين ثلاث مرات. رد عليه الشيخ بالقول: إنك يا سيادة الرئيس تطلب منا معادلة خاطئة لو سمحت، فقال: تفضل، فقال: أنت تطلب أن نهدئ الشارع لتسحب الأمن، وهذا لا نقدر عليه لأن الشارع ليس ملكنا، والشيخ الذي يتحدث مع الناس بغير وتيرة الشارع يُضرب ويعتبر خائناً، فالأفضل أن نبقى طرفاً محايداً بين الدولة والناس. وسأل الرئيس عن سبب إرسال أكثر من مائتي دبابة لبابا عمرو عاثت فيها دماراً، فأجابه: أن هناك عصابات مسلحة، رد الشيخ: نحن سمعنا كما سمعتم فهل ألقيتم القبض عليها؟ فقال: إنها هربت، والمشكلة أننا عندما نرسل الجيش لمكان تهرب هذه العصابات لمكان آخر!.
فسأله الشيخ: يا سيادة الرئيس ما هو الضامن؟، فرد الرئيس: هذه هي المشكلة أن الثقة قد فقدت. عندها قال الشيخ: الحل سياسي وليس بأن نخرج للناس لتهدئتهم!، نظر الرئيس بطفولة وقال: أنا نظرتي للمشايخ خطأ!، كنت أخاف من صاحب كل لحية ومن المحجبات، مرة جلست في مطعم فوجدت نساء كلهن محجبات، فقلت: "شو أنا بأفغانستان". عندها سأله الشيخ: سيادة الرئيس، الناس يتساءلون في الشارع: هل رئيسنا يملك القرار أم أنه عاجز، فقال: ما هو السبب؟، فقال الشيخ: أنت تقول إنك لم تعط أوامر بالقتل، لكن القتل مستمر! لماذا لا تعاقب من يعصون الأوامر؟. وهناك قتلة من الجيش اشتهرت أسماؤهم في كل محافظة -وذكر له بعض الأسماء-، علقِ المشانق لهؤلاء وبعدها نظم انتخابات وِثق أن الناس سينتخبونك. فأجابه بطريقة صدمته وقال -والله على ما أقول شهيد-: أنا عاقبت عاطف نجيب الذي قلّع أظافر الأطفال، وعاقبت ابنة عمي في اللاذقية جميل الأسد، وعندما تحركت بانياس عزلت زوج بنت خالتي، والله عندما عزلته اتصلت خالتي وعمرها كبير وعاتبتني ووعدتها بأن أعيده لمنصبه بعد أن تنتهي الأزمة، واتصلت الوالدة لنفس الأمر...، عندها صدم الشيخ وقال في نفسه: كيف هو السبيل للحديث مع هذا الإنسان؟ وهو يتحدث بجدية عن "زعل" خالته ولم يأسف للشعب الذي يموت، لقد احتار بأي لسان يتحدث معه.
والحقيقة التي كشفها حوار هذا الشيخ مع الرئيس أن من يدير البلد أسرة كاملة، الرئيس جزء منها، وما يقال إن القائد والمحرك الحقيقي هو والدة الرئيس التي تملك خبرة مما عايشته مع والده. وأن الذي أوصله إلى سدة الحكم هو تقصير الشعب، وسكوته عن استنكار الباطل الذي يصدر من الرئيس ومن شبيحته. وأن القضية الآن ليست مع الرئيس وإنما القضية مع العصابة بأكملها.. واستخلص الشيخ أن هذه الثورة هي ملك لكل السوريين، وأن هذا الشرف يشترك فيه كل السوريين، ويجب على جميع الشعب أن يبادر ويتشارك في هذا الشرف. وأنه يجب عليه أن يبقى ثائراً أبياً عظيماً إلى أن يسقط هذا الطاغية.

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع