..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

غطاء الحرب

مجاهد مأمون ديرانية

٢٠ نوفمبر ٢٠١١ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 3059

غطاء الحرب
111.jpg

شـــــارك المادة

رسائل الثورة السورية المباركة (63): غطاء الحرب

تلاحظون أن عجلة الأحداث تدور بسرعة، وقد تزايد الحديث عن منطقة آمنة وعن حظر طيران، وصارت مشاركة تركيا أمراً شبهَ محسوم. لكنكم تلاحظون أيضاً أن عبارة "الغطاء الدولي" تتردد كثيراً لدرجة أنها صارت جزءاً لا يتجزأ من أي حديث عن الحرب -أو عن "التدخل الدولي لحل الأزمة السورية" بعبارة ألطف-.


التحرك الدولي لا بدّ أن يمر عبر مجلس الأمن كما نعلم، وقد صار هذا المجلس عقبة يصعب تجاوزها، بل يكاد يستحيل تجاوزها بوجود روسيا والصين اللتين تملكان حق النقض! في الحقيقة لم يكن هذا هو ما توقعته، فقد كتبتُ منذ نحو شهرين -في مقالة لا أتذكر عنوانها الآن- أنّ صفقةً ما لا بدّ أن تكون قد أُبرمت مع روسيا والصين لضمان حيادهما وحتى لا تعطّلا أي قرار ضد سوريا في مجلس الأمن. حسناً، أعترف بأني أخطأت فيما قلته حينها، فقد أثبتت الأيام أنهما ما تزالان مساندتَين للنظام السوري حتى اليوم، وأنهما ستبقيان كذلك، أو روسيا على الأقل. فما العمل؟
هل ستنجح روسيا في وقف الحملة الدولية على نظام الأسد؟ يغلب على ظني بنسبة تسعين بالمئة وأكثر أنها لن تنجح، بل إني لأكاد أجزم جزماً تاماً بأن الحرب قادمة لا ريب، وأن الحملة الدولية التي بدأت لن تتوقف إلا وبشار خارج الحكم، هارباً أو معتقَلاً أو مقتولاً -الوسطى أحب إلى قلبي، حتى يحاكمه الشعب في قفص ثم يعلّقه من رقبته على شجرة بإذن الله-. فكيف سيتجاوز المجتمع الدولي عقبة مجلس الأمن؟ هذه النقطة لا أستطيع الجزم بشأنها، لكن يمكنني التخمين: يغلب على ظني -ظناً لا يقيناً- أن يُمَرَّر قرارُ التدخل الأممي عبر الجمعية العامة للأمم المتحدة ما دامت بوّابةُ مجلس الأمن مغلقةً دونه.
بل لقد بدأت بالفعل محاولةٌ من هذا النوع، حيث تلقت الجمعية العامة للأمم المتحدة مشروعَ قرار تدعمه دول أوربية وعربية لإدانة النظام السوري، وقال مندوب بريطانيا في الأمم المتحدة مارك غرانت: إن مشروع القرار جاء "نتيجةَ مشاورات وثيقة مع الدول الأعضاء في الجامعة العربية في رد على الأحداث الخطيرة التي تقع على الأراضي السورية". وإنْ هي إلا أيام حتى يصل المشروع إلى الجمعية، ولنَرَ بعدها كيف ستمشي الأمور.
صحيحٌ أن القرار الذي يصدر عن اجتماع الجمعية لا يكون مُلزماً وإنما هو "توصية" تعبّر عن رأي الأكثرية، ولكنه -رغم ذلك- يضفي نوعاً من "الشرعية الدولية" على أي عمل لاحق من شأنه تحقيق توصيات الأمم المتحدة، وإذا ما سلك التحرك الدولي ضد النظام السوري هذا الطريقَ فلن تكون تلك سابقةً في تاريخ الأمم المتحدة ولن تكون المرة الأولى يستظل فيها تحركٌ دولي بمظلة الجمعية العامة. في سوابق تاريخية استعملت أمريكا هذا الأسلوب ومرّرت عبر الجمعية العامة قضايا أخفق مجلسُ الأمن في حلّها، وبذلك استطاعت الالتفاف على الفيتو الروسي. هكذا تدخلت الولايات المتحدة في الحرب الكورية عام 1950م، بناء على توصية الجمعية العامة فقط ودون أي قرار من مجلس الأمن، وهكذا استطاعت أن تتصدى للاجتياح السوفييتي للمجر عام 1956م أيضاً. ثم ألم تتصرف الجامعة العربية نفسُها بطريقة غير قانونية في المرّات التي اتخذت فيها إجراءً ضد دولة عربية دون الحصول على إجماع، في العراق وليبيا، ثم في سوريا؟ فإذا نجحت في الماضي إجراءاتٌ عقابية ضد دول عربية بالالتفاف على قوانين الجامعة العربية، فلماذا لا تنجح اليوم بالالتفاف على قوانين الأمم المتحدة؟
إذن؛ فإن هذه الطريقة استُخدمت من قبل رغم أنها ليست قانونية تماماً، وأظن أنها ستُستخدَم الآن من جديد. سوف تُدعى الجمعية العامة للانعقاد بدورة استثنائية -والله أعلم-، وهذا الأمر ممكن قانونياً بطلب أكثرية أعضائها، ويبدو أنه أمر يجري ترتيبه لا سيما بعد الموقف الأخير لمنظمة التعاون الإسلامي. وربما كانت لجولة المنسق الأمريكي الخاص بالأزمة السورية، فريد هوف، ربما كانت لجولته الأوربية علاقة بحشد المواقف في الجمعية العامة للأمم المتحدة تمهيداً لطرح مشروع القرار.
إذا لم أخطئ فإن هذا هو ما كان في بال الوزراء العرب عندما صاغوا البند الثاني من بنود المبادرة العربية الذي ينصّ على "توفير الحماية للمدنيين السوريين، وذلك بالاتصال الفوري بالمنظمات العربية المعنية، وفي حال عدم توقف أعمال العنف والقتل يقوم الأمين العام بالاتصال بالمنظمات الدولية المعنية بحقوق الإنسان بما فيها الأمم المتحدة لوضع تصور بالإجراءات المناسبة لوقف النزيف".
يا للمصادفة! إنه تماماً الطريق الذي تمشي فيه الأحداث:
(1) بريطانيا وفرنسا وألمانيا قدمت إلى لجنة حقوق الإنسان التابعة للجمعية العامة للأمم المتحدة مشروعَ قرار لإدانة النظام السوري بسبب حملة العنف التي يشنها على شعبه منذ ثمانية أشهر.
(2) بعض الوفود العربية -الأردن والمغرب وقطر والسعودية- أعلنت عن عزمها المشاركة في رعاية القرار.
(3) نقلت وكالة رويترز عن دبلوماسيين توقعهم أن توافق لجنة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة على مشروع القرار.
(4) من الموقَّع أن يُطرَح مشروع القرار بعد ذلك للتصويت الرسمي في الجلسة الموسعة للجمعية العامة بعد أيام قلائل.
في هذه الأثناء تعيش روسيا في عالم آخر: "وزير الخارجية الروسي يعارض تنحي بشار الأسد عن الحكم قبل البدء بمفاوضات مع المعارضة". ماذا يمكن أن نقول عن الدبلوماسية الروسية التي صارت -مؤخراً- أحمقَ من هبنّقة؟! فعلاً تستحق روسيا بجدارة وسام الغباء من الدرجة الأولى، وها قد أخرجتها دبلوماسيتُها العرجاء من المنطقة غيرَ مأسوف عليها، -ولله الحمد والمِنّة-.
* * *
الخلاصة: هي أنني لا أستطيع الجزم بنوعية الغطاء القانوني للحملة على النظام السوري، ولكن أستطيع الجزم بأن الحملة آتية؛ سوف يخترعون لها أي غطاء إذا لم يوفر لها مجلسُ الأمن الغطاء! في الماضي لعبت الولايات المتحدة ألاعيبَ شتى لتنفذ حملاتها وحروبها وأظن أنها ستفعل الأمر نفسه اليوم، وليس بعيداً عن الأذهان ما حصل في العراق عام 2003م عندما أصدر مجلس الأمن قراره التاريخي رقم 1441 داعياً إلى عودة لجان التفتيش إلى العراق، "وفي حالة رفض العراق التعاون مع تلك اللجان فإنه سيتحمل عواقب وخيمة". هاتان الكلمتان -العواقب الوخيمة- استعملتهما أمريكا لإسقاط نظام صدام واحتلال العراق! مرة أخرى حصل أمر شبيه في ليبيا، حيث استُغِلّ تعبير "حماية المدنيين" في قرار مجلس الأمن رقم 1973 للقضاء على نظام القذافي.
يبدو أن المتظاهرين في سوريا لم يبتعدوا عن الحقيقة أبداً عندما أطلقوا هتافهم الشهير الأخير: "القذافي طار طار وإجا دورك يا بشار"... ها هي الأحداث تمشي سِراعاً باتجاه تحقيق النبوءة!

المصدر: الزلزال السوري

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع