..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

نعيش معاً أو معاً نموت

مجاهد مأمون ديرانية

١١ مارس ٢٠١٢ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 3534

نعيش معاً أو معاً نموت
0220215.jpeg

شـــــارك المادة

رسائل الثورة السورية المباركة (86)
لا مجاملةَ بعد اليوم (5)
الخلاصة: نعيش معاً أو معاً نموت

 

هذه خامسةُ خمسِ مقالات كتبتها تحت العنوان الفرعي الذي ترونه في رأس المقالة (لا مجاملةَ بعد اليوم)، بدأتها وأنا أكثرُ قَبولاً وأوفرُ أصدقاء، وأنهيها اليوم وقد غضب مني وتفرق عني كثيرون. فأما الذي خسرته من قبول ومحبة فأرجو أن يعوّضني عنه الله، وأما أن يُفهَم ما كتبته على غير وجهه فهذا ما لا أرضاه، فأكون قد دفعت الثمن ولم أصل إلى النتيجة المبتغاة.
يا أيها السادة:
أنا ما كتبت في هذه المقالات حرفاً لأهجو أحداً كما أني لم أكتب في غيرها حرفاً لأمدح أحداً، فإني لست هجّاءً ولست مدّاحاً، بل إن من عادتي -كلما قرأت ديواناً من دواوين الشعراء- أن أقفز من فوق بابَي المديح والهجاء، تماماً كما أقفز من فوق باب الفخر، لأن الفخر غرور والمديح رياء والهجاء سَفَه وقلة أدب، ثلاث صفات لا أحبها في نفسي ولا أحبها في الناس.
لقد خاطبت أهل دمشق وهم مني وأنا منهم، فكيف أهجوهم؟ أيهجو امرؤٌ نفسَه؟ إنما أستحثّ الصامتين والمترددين من أهل دمشق وأدعوهم إلى شرف الدنيا والآخرة، أما مَن يشارك من أهلها في الثورة بنفسه أو بماله أو بجهده ووقته فإنه لا يستحق إلا أعطر الذكر وأصدق الثناء، ولا سيما الذين يشاركون في مظاهرات وسط دمشق فيضعون أنفسهم في فم الأسد مختارين، أولئك أشجع من عرفت ولا يملك مثلي إلا أن يتيه بهم فخراً لو كان الفخر جائزاً في دين الثورة، ولكنْ سبق القول أنه لا فخر لأحد على أحد وأن الثورة ملك وحق للجميع سواء بسواء.
وخاطبت العلماء الصادقين، وهم سادتنا الذين يسلكون بنا مسالك الهدى ويقودون الأمة في الليالي الحالكات، وأعلم أنّ لبعضهم من المواقف العظيمة في هذه الثورة ما سوف ترويه صحائف التاريخ كما تروي مواقفَ من مضى من علماء الأمة الكبار، كعَلَمي دمشق العظيمين الكبيرين ابن تيميّة والعز بن عبد السلام. إنما نرجو أن يكون علماء دمشق كلهم من هذه البابَة وأن يتعاونوا في حمل مشعل النور الذي يحتاج إليه العامة ليبصروا الطريق، وأن يكون توجيههم للناس واضحاً لا لجلجةَ فيه ولا مواربة: وجوب الثورة حتى إسقاط النظام.
وخاطبت المجلس الوطني وأعلمُ أن فيه عاملين جادّين مخلصين وأعلم أنه السقف الذي نستظلّ به، هل ينقُض السقفَ على نفسه إلا سفيه؟ إنما نريد أن يكون المجلس في الهمة والفاعلية بمستوى همة وفاعلية الثورة الميدانية على الأرض، ونرجو أن يُصلح نفسه وأن يستبدل بغير الأكفاء أكفاء فاعلين. إن رجال الثورة وأعلامها فيهم فاضل وفيهم مفضول، فلئن كانت أزمنةُ الرخاء تقبل بتصدّر المفضول مع وجود الأفضل فإن أزمنة الشدة لا تقبل بديلاً بالأفضل، ولا يجوز أن يكون الشعب الذبيح حقلاً للتجارب ولا ميداناً لتطوير المواهب، ففي كل يوم جديد نخسر ألف مشرّد وألف معذّب ومئة شهيد.
يا أيها الإخوة:
إن الثورة في خطر والخسائر كثيرة والمعنويات في تراجع، فإما أن ندفع المركب ونمضي إلى البر أو نغرق ونموت جميعاً. لقد أبحرَت سفينةُ الثورة منذ عام وصارت في وسط البحر؛ ربما كان الطريق طويلاً إلى ميناء الوصول ولكن الطريق الذي قطعته السفينة من يوم فارقت ميناءها الأول أيضاً طويل، وهي تعلم أنها لو وقفت وسط الموج الهائج فإن الغرق هو المصير، وإن عادت إلى مينائها الذي خرجت منه فإن ما ينتظرها هو النار والدمار، فلم يعد لها من خيار إلا الاستمرار.
ليس أحدٌ في هذه الثورة مستقلاً عن أحد، نحن في سفينة واحدة، فإما أن ننجو كلنا معاً ونصل إلى شاطئ الأمان أو تغرق سفينتنا ويبتلعنا اليَمُّ أجمعين.
* * *
إن ثورة سوريا لن تتم إلا بثورة دمشق، وأَولى الناس بدمشق هم علماؤها، فمن أجل ذلك خاطبت أهل دمشق وخاطبت علماء دمشق. والثورة تحتاج إلى المجلس الوطني ممثلاً لها وحاملاً لهمومها ومحققاً لمطالبها، فمن أجل ذلك خاطبت المجلس الوطني؛ فهي أثافيُّ ثلاثٌ تستند الثورة إليها ويعتمد انتصارها -بعد إذن الله وأمر الله- عليها، وأيّما أُثفيّة منها سقطت سقطت الثورة معها.
خاطبتهم فأغضبتهم فتغضبّوا؛ غضب مني بعض العلماء وعدد من أعضاء المجلس وكثير من الدمشقيين. لا تغضبوا يا أيها الكرام، إن كلماتي لا تضر ولا تنفع، إنما يضر وينفع العمل الذي ينبغي أن نعمله فلا نعمله أو ينبغي أن لا نعمله فنعمله، أنا وأنتم وأطراف الثورة أجمعون، لا أستثني نفسي بل أصدّر بها قائمةَ من يحتاج إلى النصيحة والنقد ومن يطلب من إخوانه الرأي والتوجيه.
أحد الفضلاء علّق على المقالات عاتباً فقال إنها تدخل في باب "وأقبل بعضهم على بعض يتلاومون"، والتلاوم يوغر الصدور ولا يفيد. هذا الأخ أرفع مني مقاماً في العلم والفضل، ولكني لا أوافقه في تفسيره، وإذا فَهِم عني هذا المعنى فلا بدّ أنني أسأت التعبير، فآخر ما أريده من كتابتي هو أن تتحول إلى ميدان تلاوم بين بعض أهل الثورة وبعض أهلها الآخرين. لسنا متلاومين يا أخي الفاضل وما ينبغي لنا أن نكون، بل نحن -إن شاء الله- متناصحون.
إن التلاوم المذكور في الآية هو حالة سلبية أعقبت الفشل، وما نحن فيه الآن حالة إيجابية تسبق الفشل وتحاول منعه. التلاوم السلبي المذموم ينشغل بالماضي ولا ينظر إلى المستقبل: لماذا بدأتم بالثورة؟ أليس قد عشنا من قبل في أمان؟… التلاوم السلبي المذموم هو جولات من التراشق الساخط: أنتم المخطئون لأنكم تسرعتم ولم تحسنوا التقدير. لا، بل أنتم الملومون لأنكم تقاعستم وترددتم. نحن، أنتم، أنتم، نحن… يتشاغلون بتبادل التهم واختلاق الأعذار والنارُ تلتهم الدار!
كل ذلك عبث لا يفيد. الصواب الذي يسعى إليه العقلاء هو النظر إلى المستقبل والبحث عن الحلول واستنهاض الهمم، وحتى لو كان استنهاضاً قاسياً فإنه يبقى مقبولاً طالما كان خالياً من مآرب النفس وقائماً على الإخلاص وتحرّي الصواب.
* * *
يا أهل سوريا الكرام، يا أهل دمشق ويا أهل حلب، يا أيها العامة ويا أيها العلماء، يا أيها الثوار ويا أيها الساسة:
ليس أحدٌ في أمان إذا فشلت الثورة -لا قدّر الله- وإذا بقي النظام. الكل في مركب الثورة واحد، ليس فريقٌ أَولى بالثورة وبالمشاركة بالثورة وبدعم الثورة من فريق، فالكل ناجٍ أو الكل غريق.
ضعوا اليد في اليد ورُصّوا الصفوف إلى الصفوف، لا يتخلّفْ منكم أحدٌ ولا يتقاعَسْ عن نصرة الثورة أحد.إن طريقنا واحد ونهايتنا واحدة، فإما أن ننجح وننجو معاً أو نفشل معاً ومعاً نموت.

المصدر: الزلزال السوري

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع