..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

الحَيّةُ ذاتُ الرأسين

مجاهد مأمون ديرانية

١٩ ٢٠١٢ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 3176

الحَيّةُ ذاتُ الرأسين

شـــــارك المادة

ستقولون إن الحيات ذات الرؤوس المتعددة خرافة، ولكن ألا يعيش في سوريا مخلوق أشد غرابة: أسد برقبة زرافة وعقل فأر يظنه عبيده إلهاً ويراه العقلاء بطة خرقاء؟ فلماذا لا تعيش فيها حيّة ذات رأسين؟ إنها حيّة النظام أيها السادة، وإنها لَكذلك، فإن شئتم قتلَها فاقطعوا رأسيها معاً، لا يَشغلَنّكم أحدُ الرأسين عن الآخر.


حَيّة النظام تتلوى ممتدةً على الأرض السورية كلها وقد استقر رأسها الكبير في دمشق، فإذا قُطع هذا الرأس قُضي عليها إن شاء الله، ولكنّ لها في موضع الذيل رأساً آخر صغيراً، لا تنسوه، إنه يمتد في الساحل الذي تعرفون. اقطعوه مع الرأس الكبير لكيلا تبقى في الحيّة حياةٌ بعد اليوم.
إن انفجار المعركة في دمشق بالهيئة التي نراها تعني أن العد التنازلي لسقوط النظام قد بدأ بالفعل. لا نعلم إلى كم يبلغ العد التنازلي هذا ولا نعلم كم سيعيش النظام بعدُ قبلَ أن يلفظ آخر أنفاسه، ولكنّا نعلم أن الفصل الأخير بدأ بالفعل بإذن الله، وهذا الذي يراه أهل سوريا يراه معهم العالم كله، فما هو فاعل؟ هل سيترك أهلَ سوريا وشأنَهم ليكملوا بأيديهم القصةَ التي بدؤوها بأنفسهم قبل ستة عشر شهراً؟ لن يفعل، فإن سوريا ليست بورما الواقعة على طرف العالم، إن سوريا في قلب العالم النابض وفي واحد من أخطر المواقع بالنسبة لمصالح العالمَين الغربي والشرقي، ولأمن إسرائيل بطبيعة الحال، ولذلك فإنهم لن يتركوا النظام السوري ليسقط سقوطاً حراً عشوائياً، بل سيسعَون إلى مراقبة سقوطه والتحكم فيه بحيث يكون سقوطاً مدروساً تحت السيطرة، وبصورة تحمي مصالحهم ولا تعرّضهم إلى الخطر.
لا يظن عاقل أن سوريا تعيش بمنأى عن المؤامرات؛ لا شك أن المؤامرات التي تُدبَّر لها في السر والعلن كثيرة كبيرة، ولا شك أن أسوأها وأفظعها هي مؤامرة “الدويلة العلوية” التي كثر الحديث عنها في الآونة الأخيرة، والتي صارت مواجهتها فريضةَ الفرائض وواجبَ الوقت بلا خلاف.


*   *   *


نشر الأستاذ نجاتي طيارة مقالة مهمة قبل نحو أربعة أسابيع، مقالة أتمنى أن يقرأها كل واحد من ثوار سوريا وأهلها الكرام، عنوانها “سوريا وحقيقة مخطط التقسيم”، ابحثوا عنها واقرؤوها. إنها جرس إنذار وصيحة تحذير من خطر كبير؛ لو أنه كان خطراً حقيقياً فإن التهاون بشأنه وعدم الاستعداد الكامل له سيكون تفريطاً قد يقود إلى كارثة لا يمكن إصلاحها في قرن كامل من الزمن، ولو أنه كان وهماً أو ظناً غيرَ محقَّق فلن يضرنا الاحتياط والتفكير والتدبير، فإن الوقاية أسهل من العلاج وتوقّي الوقوع في الشر أهون من الخروج منه.
أرجو أن تقرؤوا المقالة كاملة، ولو لم تفعلوا فهذه أهم فقراتها، أنسخها هنا بعد إذن كاتبها:
“طلب نبيل العربي من مجلس الأمن إرسال قوات دولية مسلحة للفصل بين قوات النظام الأسدي والجيش الحر.
إن وجود قوات دولية يعني تموضع قوتين، كل قوة تحتل مساحة من الأرض وتكون القوات الدولية فاصلة بين القوتين لتمنعهما من الاشتباك . إن المتتبع لخريطة العمل العسكري يرى أن حمص وحماة وإدلب -ابتداء من جسر الشغور عند الحدود التركية إلى تل كلخ عند الحدود اللبنانية غرب العاصي- تحتشد فيها القوة الأكبر من جيش الأسد، فهل ستُستدعى القوات الدولية لتتمركز بهذه المنطقة كبداية لمخطط التقسيم؟ إن من واجب المجلس الوطني والقوى السياسية السورية رفض مثل هذا الطلب فور تفوّه العربي به وأن يصرح المجلس الوطني والجيش الحر بأن هذه القوات ستكون هدفاً مشروعاً له.
إن إهمال مثل هذا الأمر خطير جداً، وقصة الحرب التقسيمية التي يحضّر لها النظام بعناية قد أصبحت مكشوفة بوضوح من خلال تدمير المدن والقرى وحرمان السكان من حاجاتهم المعاشية كي يهجّروا سكانها إلى شرق نهر العاصي، ولا خيار للأهالي سوى الاتجاه شرق النهر لأن غرب النهر قرى حاضنة للنظام بغالبيتها العلوية، وهذا يؤكد أن عصابات الأسد تسير وفق خطة مرسومة وضمن إستراتيجية. ومن خلال متابعتي التلفزيونية للمعارضين وكوادر المجلس الوطني قلما أجد من يسلط الضوء على هذه الحقيقة، وكأنهم يخشون من اتهامهم بالطائفية، وهم بذلك كمن يدفن رأسه بالرمال. إن فضح هذا المخطط لا يحتاج إلى برهان وسيكون حرباً استباقية ضد مخطط التقسيم، خاصة إذا ترافق ذلك مع خريطة جغرافية وشُرح من قبل مختصين لفضح النظام وشرح مدى الخسارة على 23 مليون سوري بحرمانهم من نافذتهم البحرية مقابل وجود دُوَيلة طائفية”.


*   *   *


أينما ذهبتُ في صفحات الثورة ومواقعها أجد التحذير من “الدويلة العلوية” التي تبدو الآن احتمالاً قريباً. ليس مستغرَباً أبداً أن تكون هذه الدويلة هي “خطة الطوارئ” للنظام الأسدي الطائفي، وليس مستبعَداً أبداً أن تحظى بدعم خفي من أعداء الأمة: إيران وإسرائيل وأميركا والغرب، فهي البديل الأقل سوءاً من دولة سورية موحدة قوية ستُسقط المشروع الإيراني الاستعماري، وتهدد مصالح أميركا والغرب، وتعرّض أمن إسرائيل إلى الخطر.
نعم، الكل يحذّر من مؤامرة “الدويلة العلوية”، ولكنّ أحداً لا يقول لنا ماذا ينبغي أن نفعل. إن القلق وحده لا يمنع الكارثة، والتحذير لا يكفي إذا لم ترافقه وصفة عملية من نوع “افعل” و”لا تفعل”. أرجو أن يفكر العقلاء وأن يقدموا لنا “خطة طوارئ” بأسرع وقت ممكن، وإلى أن يفعلوا فإنني أقدم اقتراحاً من شقّين: الأول يخص المدنيين، والثاني يخص العسكريين من كتائب الجيش السوري الحر.
المطلوب من المدنيين التشبث بالأرض وعدم تركها للأعداء. ولأن أي منصف عاقل لا يستطيع أن يحمّل الناسَ ما لا طاقة لهم باحتماله فإنني أكرر اقتراحاً كتبته ذات يوم: إذا اشتد الضغط على حي فلينتقل أهله إلى الحي المجاور وإذا هدد الأعداء قرية فينبغي أن يلجأ أهلها إلى قرية كبيرة قريبة فراراً من الذبح والقتل، ولكن ليحذروا أن يُخلوا مناطق واسعة بأكملها أو يتخلّوا عنها للأعداء، لأنهم لو فعلوا فسوف يتكرّس على الأرض واقعٌ سكاني طائفي (ديمغرافي) جديد قد يصعب تغييره في المستقبل.
أما كتائب الجيش الحر فإن المطلوب منها أهم، فهي التي أرجو أن يكتب الله على أياديها وبهمم أبطالها إحباطَ المؤامرة الخبيثة. لقد قرأت كما قرأ غيري عن توجه عدد من الكتائب من مناطق مختلفة في سوريا باتجاه دمشق خلال اليومين الماضيين. لا ريب أن التفكير بتركيز القوة الضاربة للجيش الحر في العاصمة فكرة صحيحة لأن إسقاط النظام سيكون هناك، ولكن تذكروا ما افتتحتُ به المقالة: إن رأس النظام في دمشق هو أحدُ رأسَيه، وهو أكبرهما بالتأكيد، لكن لا تنسوا الرأس الآخر.
لو كان الأمر إليّ لما ترددت في الاحتفاظ بالحد الأدنى من المقاتلين في مناطق سوريا المختلفة، بما يكفي للدفاع عنها والمحافظة على إنجازات الثورة فيها، وبعد ذلك سوف أوجّه الفائض كله إلى جهتين: النصف إلى دمشق، والنصف الآخر إلى مستطيل الخطر الأكبر، وهو مساحة تمتد غرب الخط الواصل بين مدينة حمص وبلدة جسر الشغور، وصولاً إلى البحر الأبيض المتوسط، وتضم كامل محافظتَي اللاذقية وطرطوس (اللتين أعتبرُهما محافظة واحدة شطرَها النظام شطرين لأغراض طائفية بحتة) والريفَ الغربي لحمص وحماة وجزءاً من ريف إدلب الغربي، بما في ذلك مدينة حمص نفسها، وتبلغ مساحة هذا المستطيل نحو عشرة آلاف كيلومتر مربع أو أكثر من ذلك بقليل.
الهدف الأول لنشر عدد كبير من كتائب الجيش الحر في ذلك المستطيل الخطير هو الدفاع عن سكانه المدنيين والوقاية من مجازر محتمَلة يُتوقع أن يقوم بها مؤيدو النظام من سكان القرى العلوية التي تنشر هناك، أما الهدف الثاني فإنه أهم وأخطر؛ إنه سيكون أهمّ عمل يمكننا فعله لإحباط مؤامرة دولية محتمَلة هدفُها إنشاء دُوَيلة علوية. كيف؟ هذا ما سأوضحه في المقالة الآتية إن شاء الله.

 

المصدر : مدونة الزلزال السوري

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع