وفاء راشد الدباس
تصدير المادة
المشاهدات : 4035
شـــــارك المادة
في زمن تساقُط الديكتاتوريات تساقطت معها الكثير من الأقنعة هنا وهناك, حتى بتنا نقرأ الأخبار وكأننا نقرأ فصولا من رواية خيالية لاتمت للواقع بصلة. أحداث تواكبت على هذه الأمة كعقد منفرط, حتى لأخال أن التاريخ قد وقف حيالها حائرا كيف سيلملم شتات أسطره التي تبعثرت أمامها. وعلى عرش تلك الأحداث الجسام تتربع ملاحم أرض الشام التي مازالت تتلظى في أتون الحرب ولهيبها, وقد تكالبت الأمم عليها وتداعت في مؤامرة عالمية توشك أن تندلع شرارتها بحرب عالمية ثالثة تشتعل بحطب من الأجندات الدينية والاقتصادية وركام من مصالح السياسات الدولية .
ومن بين أنهار الشام وبساتينها الوارفة وعلى ضفاف بردى تقف دمشق شامخة ، كما شمخت بملاحمها البطولية على تلك الأحداث التاريخية التي ستشكل ملامح المستقبل للعالم بهذه الحرب الفاصلة بين الإسلام والكفر , وبين العرب والغرب, وقد اصطفت ضدها جيوش الروم والفرس والتتر والمغول . تلك الثورة التي كانت سلمية في بدايتها حتى خذلها العالم أجمع ولم يعبأ بجراحها وآلامها، فوجد الثوار أنفسهم في قلب المعركة أمام عدة أعداء وأحزاب كثر يناصبوهم العداء بلا جرم سوى أنهم قالو ربنا الله .. فكان شعارهم ما لنا غيرك يا الله .. وقد استلهموا النصر من جبار السماوات والأرض فلم يضرهم من خذلهم. فأعلنوا الثبات وركبوا خيل الجهاد ولم يكن معهم حينها عدة ولا عتاد سوى يقينهم برب العباد. ونبذوا عنهم مبادرات عنان وتصريحات جامعة العرب, ولسان حالهم يقول السيف أصدق أنباء من الكتب . فتآمر عليهم العالم أجمع وتكالبت عليهم الدول الكبرى وأبرمت أمرها أن تتحد على ما يهلك الشام ويضرها. وكيف لا يتحد الكفر عليها وهي قعر دار الإسلام وفيها ستكون ملاحم آخر الزمان وسيهزم فيها اليهود ويندحر النصارى, وسينزل فيها عيسى عليه السلام بجوار مئذنة دمشق البيضاء, وفيها سيقتل الدجال, وقد اصطفاها الله لتكون أرض المحشر والمنشر. إن ما نشهده اليوم من مكائد تحاك للسيطرة على أرض الشام لهو نتاج تلك المؤامرة التي يقودها اللوبي اليهودي من خلف ستار البيت الأبيض الصليبي محركا من خلالها النظام العالمي بأسره، فأقحم معه الدب الروسي الذي يلتقي معه في بعض المصالح المشتركة ومعه التنين الصيني والثعلب الفارسي في مسرحية خبيثة وبشعة. يدرك اليهود جيداً مدى أهمية أرض الشام ومكانتها المحورية في حرب الأديان, وأن عليها ستدور أحداث آخر الزمان, فهي تعني لهم أرض الميعاد, ويلوح لهم فيها حلم أورشليم, وفيها سيأتي -بزعمهم- دجالهم المنتظر؛ لذا جن جنونهم منذ انطلقت الثورة السورية فأجلبوا عليها بخيلهم ورجلهم. ولا غرابة في ذلك فهم يوقنون بأن عودة الشام تعني بداية عودة الإسلام الذي سيطردهم صاغرين من أولى القبلتين، وحينها ستتبدد أحلامهم التي رسموها منذ قرون مضت. أرض الشام هي التي قال الله فيها {وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ} (71) سورة الأنبياء. وأخبرنا الرسول الأمين أنها فسطاط المسلمين وعقر دارهم كما روى سلمة بن نفيل رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (عقر دار المؤمنين بالشام) وروى أبو الدرداء أن رسول الله قال: (فسطاط المسلمين يوم الملحمة بالغوطة إلى جانب مدينة يقال لها دمشق من خير مدائن الشام) وفي رواية (خير منازل المسلمين يومئذ). والغوطة هي المنطقة المحيطة بدمشق من شرقها وهي في محافظة ريف دمشق الآن. وَفي الشَّامِ خير جند الله كما جاء بذلك الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: " سيصير الأمر أن تكونوا جنودا مجندة، جند بالشام ، وجند باليمن، وجند بالعراق"، قال ابن حوالة- رضي الله عنه- : خر لي يا رسول الله إن أدركت ذلك, فقال: "عليك بالشام فإنها خيرة الله من أرضه، يجتبي إليها خيرته من عباده، فأما إن أبيتم فعليكم بيمنكم، واسقوا من غدركم، فإن الله توكل لي بالشام وأهله". وفي الشام الإيمان إذا وقعت الفتن وغدا الحليم حيران؛ فعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني رأيت عمود الكتاب انتزع من تحت وسادتي، فنظرت فإذا هو نور ساطع عمد به إلى الشام، ألا إن الإيمان إذا وقعت الفتن بالشام). الشام تلك الأرض المباركة التي بسطت عليها الملائكة أجنحتها وقال فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا طوبى للشام يا طوبى للشام يا طوبى للشام قالوا وبم ذلك قال:!؟ تلك ملائكة الله باسطوا أجنحتها على الشام). وهي الأرض التي ستحظى بنزول عيسى ابن مريم على ثراها من السماء كما قال صلى الله عليه وسلم: (ينزل المسيح بن مريم عليهما السلام عند المنارة البيضاء شرقي دمشق). وفي صحيح مسلم: وفيه: فبينما هو كذلك إذ بعث الله المسيح ابن مريم فينزل عند المنارة البيضاء شرقي دمشق بين مهرودتين واضعا كفيه على أجنحة ملكين إذا طأطأ رأسه قطر وإذا رفعه تحدر منه جمان كاللؤلؤ فلا يحل لكافر يجد ريح نفسه إلا مات ونفسه ينتهي حيث ينتهي طرفه) قال النووي: وهذه المنارة موجودة اليوم شرقي دمشق. وأي شرف عظيم لتلك الأرض وقد اصطفاها الله لتكون عليها نهـاية العـالـم ,ولتكون هي أرض المحشر والمنشر حيث سيحشر فيها خلق الله منذ خلق الله آدم, كما روى أبي ذر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (الشام أرض المحشر والمنشر). إن أرضا مباركة كهذه هي صفوة الله في أرضة وقد كانت موطن أكثر أنبيائه, ومن يتأمل في أحداثها، يعلم أن الله يعدها لأمر عظيم حيث ستكون هي محور أحداث آخر الزمان وسينتصر فيها الإسلام ويندحر الكفر ويجرجر أذيال خيبته، حتى تعلو كلمة الله وترفرف رآية الحق لتسود الأرض قاطبة. { إِنَّ الأَرْضَ لِلّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} (128) سورة الأعراف فلا عجب إذا حين يتأخر النصر في الشام، فأرضا اصطفاها الله وباركها للعالمين لن تنتصر على يد العملاء العرب والمسلمين الذين خذلوها وهي تستنجد بهم، ولا على يد الغرب والشرق. هذه الأرض لن تنتصر إلا نصراً إسلامياً صافياً ليس لأحد فيه منة ولا فضل إلا فضل رب العزة والجلال ومنته، وسيكون بعون الله نصراً مؤزراً تهتز له أركان الأرض معلنا عودة الأمة الإسلامية إلى التاريخ من جديد بعد أن غادرته زمنا طويلا. وقريباً ستشرق شمس النصر من فوق جبل قاسيون, وستجري أمواج بردى فرحة جذلى مهنئة أهل الشام, وسيلوّح نهر العاصي بتحية إكبار وإجلال وشكر لأبطال الجيش الحر.
المصدر: البيان
أبو أنس الكناكري
نور الدين قرة علي
أحمد أبازيد
زياد ماجد
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة