علي حسين باكير
تصدير المادة
المشاهدات : 3695
شـــــارك المادة
فتركيا لا تُعدَم القدرة على مساعدة اللاجئين السوريين وهي لطالما أكّدت ذلك في محطات عدة، لكنّ الأمر بات يتعلق بتبعات موضوع اللاجئين، خصوصاً التبعات الأمنية واللوجستية لاستضافة هذا الكمّ الكبير من الأعداد في مناطق ملاصقة للحدود السورية وقابلة للاختراق في أيّ لحظة نظراً إلى طبيعة تركيبتها الطائفية من جهة والإثنية من جهة أخرى، وهو ما يعني إمكانية تحويل موضوع اللاجئين السوريين لاحقاً قنبلةً موقوتةً في الداخل التركي.
لكنّ الحقيقة أنّ الأمر لا يقف عند هذه النقطة، إنّما يتعدّى موضوع اللاجئين إلى ما بعده والأهم في تصريح داود أوغلو، وهو دفع الفاعلين الدوليين إلى ضرورة التحرك. إذ ترى مصادر تركية أنّ المجتمع الدولي يطيل إطالة غير مبرّرة في مواجهة نظام الرئيس بشار الأسد، وأنّ مخاطر إطالة أمد هذا الوضع لا تقتصر على سوريا وحدها، إنّما على المنطقة برمّتها، وقد بدأت تظهر تداعيات ذلك على أكثر من جبهة وبنحو متزامن.
فعادت التفجيرات تضرب العراق من جديد، وعادت الساحة اللبنانية إلى واجهة الأحداث أخيراً مع محاولات تفجير مماثلة يقودها النظام السوري وحلفاؤه علناً. وترى أوساط تركية متابعة أنّ هناك استهدافاً متعمّداً لتركيا لدى بعض الأطراف الإقليمية نظراً إلى موقفها من نظام الأسد، وأنّ هذه الأطراف بدأت تلعب لعبتها المفضّلة في إثارة الفوضى واستخدام أذرعها الإقليمية ضد تركيا.
ويقول مصدر أمني تركي: "بعد التهديدات الإيرانية على خلفية الموقف من الملف السوري وبعدما تمّ الدفع بملف أكراد سوريا في وجهنا، بدأت المنظمات الإرهابية التي تريد تهديدنا تتكاثر كالفطر، وهذا مؤشّر على أنّ المعركة انتقلت من الداخل السوري إلى الخارج وأنّ هناك مَن يريد أن يُحرق المنطقة برمّتها".
وبعد التهديدات الإيرانية العلنية لتركيا بداية الشهر الحالي والتي أدّت إلى تدهور العلاقات الثنائية بنحو غير مسبوق بين البلدين، تسارعت وتيرة استهداف تركيا وفُتحت جبهات متعّددة ضدها في الداخل وفي الخارج. إذ صدرت تهديدات عن حزب العمال الكردستاني وتبعتها هجمات كبيرة على الحدود وفي الداخل التركي أدّت إلى مقتل عدد من الأتراك مجندين ومدنيين، وآخرها عملية غازي عنتاب والعمليات المستمرة قبلها في منطقة هاكاري على الحدود التركية ـ العراقية.
كما تلا ذلك استهداف تركيا في لبنان من خلال اختطاف مواطنين أتراك وذلك على خلفية الموقف السياسي من النظام السوري، رافقتها على صعيد آخر تهديدات "الجيش السري الأرمني لتحرير أرمينيا" وهو منظمة تُعرف باسم "أسالا" كانت تنفّذ عمليات ضدّ أهداف تركية في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، وعادت إلى الظهور فجأة الآن- من خلال بيان يؤكد انّ تركيا ستجابه بردّ قوي في حال تدخّلها في سوريا.
وضمن هذا السياق الشامل لتطوّر الأحداث، يأتي تصريح داود أوغلو. فالرسالة التي تركّز عليها أنقرة في هذه المرحلة هي تسريع عملية الإطاحة بنظام الأسد، وهو الأمر الذي تشير المصادر التركية إلى أنّ أنقرة ركّزت عليه في المحادثات مع وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون خلال زيارتها الأخيرة لتركيا، وهي تحاول حضّ الفاعلين الدوليين عليه الآن.
ويجري الآن إعادة طرح سيناريوهات الحظر الجوي والمنطقة العازلة على الطاولة من جديد، ومن الملاحظ أنّ الحكومة التركية قد شرعت في تحضير الرأي العام التركي لإمكان تنفيذ عملية عسكرية حقيقية على الحدود مع سوريا، ربطتها مرة بحزب العمال الكردستاني ومرة أخرى بالملفّ الكردي السوري وهي تربطها الآن بملف اللاجئين السوريين، وهي مؤشرات على جدّية الموقف التركي، خصوصاً أنّ هذه التصريحات تتمّ مواكبتها عمليّاً بتعزيزات عسكريّة يتمّ إرسالها إلى الحدود مع سوريا أخيراً.
ضمن هذه المعطيات ترى المصادر التركية نفسها أنّ شروط التدخّل التركي في سوريا والتي تمّ وضعها عند اندلاع الثورة السورية قبل أكثر من عام نضجت، ففي موضوع الأمن القومي أصبح هناك اليوم تهديد كبير له، وفي موضوع اللاجئين أصبح هناك مخاوف من إمكانية انفجاره في الداخل التركي من الناحية الطائفية أو القومية أو العرقية، كما أنّ العدد أصبح يناهز الـ70 ألفاً بعدما كان يبلغ نحو 24 ألفاً مع بداية الثورة السورية.
وإضافة إلى ذلك، فإنّ خيار الاستعانة بمجلس الأمن الدولي قد فشل، ولا يبدو أنّ هناك إمكانية للحصول على إجماع دولي في الملف السوري، ناهيك عن أنّ المسوغات القانونية التي تبرّر دخول تركيا إلى سوريا أصبحت شبه جاهزة في ظلّ الدعم الذي يحصل عليه حزب العمّال الكردستاني من النظام السوري.
لكنّ العنصر الوحيد الذي ما يزال يعرقل إمكانية الإقدام على هذا الأمر حتى الآن هو الحصول على دعم وغطاء إقليمي ودولي، خصوصاً من الولايات المتحدة، إذ إنّ تركيا لا تريد القيام بمثل هذه الخطوة من دون الحصول على هذا الغطاء. ناهيك عن أنّ البعض يجادل في أنّ المنطقة العازلة أصبحت موجودة فعلاً في بعض المناطق على طول الحدود مع تركيا بفضل إنجازات "الجيش الحر"، وأنّ المطلوب هو الإعلان عنها فقط.
النهار اللبنانية
طارق الحميد
رضوان زيادة
فيصل القاسم
علي العبد الله
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة