دمتري شومسكي
تصدير المادة
المشاهدات : 2966
شـــــارك المادة
يحسن أحيانا كي نفهم البواعث العميقة في سياسة قوة كبيرة من القوى العظمى لقضية ما ان نفحص عن التصورات في تلك القضية بين أبناء جاليتها الثقافية في أنحاء العالم. لأنه إذا وجدنا أن تصورات هذه القوة العظمى قد بقيت سنين طويلة بعيدا عن الدولة الأم ففي ذلك ما يشهد بمبلغ عمق رسوخ هذه التصورات في طرق تفكير هذه القوة من القوى العظمى.
لماذا في الحقيقة لا يساعد العالم بشار الأسد على قمع الهبة الشعبية عليه، سأل متصفح إسرائيلي روسي في الفترة الأخيرة. أوليس الحديث عن إنسان مثقف، وعن طبيب اختص في لندن. أوليس واضحا للعالم أن السوريين لن يحظوا بزعيم أفضل منه؟. إن هذه التساؤلات التي حظيت بعطف أصحاب الردود تهيئ لنا نظرا إلى الخلفية العميقة لسياسة التأييد العنيد لروسيا لنظام الأسد القاتل. فالإدارة الروسية وكثيرون في الرأي العام الروسي مثل الإدارة السوفييتية في الماضي يؤمنون حقا وبلا شك في أن نظاما كنظام الأسد هو أفضل ما يمكن أن يأملوا به في 'الشرق' العربي بعامة وفي سوريا بخاصة، فضلا عن مصالح جغرافية سياسية مباشرة والالتزام بحلف طويل مع سوريا من فترة الحرب الباردة. إن الاستكبار الاستشراقي الذي يرى أن 'الشرق' بسبب اجتماع 'الدونية' و'الوحشية' الراسختين فيه بصورة جوهرية، يحتاج لمصلحته الى توجيه من جهة حاكمة قوية متشددة، لم يكن وليس هو مميزا للاتحاد السوفييتي ووريثته الرئيسية. فقد كان هذا الرأي يميز الاستعمار الغربي وما زال يميز دوائر لا يستهان بها في العالم الغربي. لكن في الحالة السوفييتية الروسية وجدت شروط تصورية مميزة تجعل من الصعب إلى اليوم تحدي هذه الفكرة. لأن التمسك بالاستكبار الاستشراقي على الشرق الأوسط والعالم الثالث يسكن عالم المفاهيم السوفييتي مع القناعة العميقة بأن الاتحاد السوفييتي هو القوة المعادية للاستعمار الرئيسة في العالم، وبإزاء ذلك، وبهدي من التناقضات بين الخطابة المستنيرة والأداء الظلامي اللذين ميزا الامبراطورية السوفييتية، عُرض توجه القمع الاستشراقي، مثل رعاية كوادر مثقفة لتعزيز سلطة العلويين في سوريا، على أنه تأييد للتحرر الوطني المأمول للشعب السوري. وهكذا ما يزال كثيرون في روسيا ما بعد السوفييتية وجالياتها الثقافية في العالم على يقين بسبب استعمال طويل وعنيد لمصطلح 'التحرر' لتمثيل واقع القمع، من أن نظام سوريا ولا سيما حاكمها المثقف هما ذروة أشواق الشعب السوري. والى ذلك وفي حالة روسيا فان التصور الذي يقول أن جموع الشعب تحتاج إلى سلطة قوية متشددة لا ينحصر في توجهها نحو سوريا بل يسوق صورة تصور الإدارة الروسية لما يناسب الشعب الروسي نفسه. إن هذه الحلقات ومؤيديها غير القليلين يرون أن نظام بوتين هو بالضبط ما يريده المواطن الروسي العادي الذي يتمنى توجيها ملاصقا. والأنباء السيئة هي أن مقدارا كبيرا من هذا التصور لماهية 'مصلحة الشعب' قد استورد من الفضاء ما بعد السوفييتي إلى إسرائيل في العشرين سنة الأخيرة. أن التساؤلات عن العالم الغربي الذي لا يفهم أن الأسد جيد للسوريين تثور في الخطاب الروسي الإسرائيلي مع التساؤلات المتعلقة بما يُرى فيه انه 'مقدار مبالغ فيه' من حرية الرأي والتسامح في المجتمع الاسرائيلي. ويجوز لنا أن نقول أنه في اسرائيل الكلية مع الاتجاهات المتركزة حول العِرق والتدين القومي التي تقوى فيها. توجد أيضا تعبيرات من إنتاج محلي عن الامتعاض من الطريقة الديمقراطية، لكن لا شك مهما كان من الصعب الاعتراف بذلك في أن الاتجاه إلى إضعاف القيم الديمقراطية الذي طرأ على اسرائيل في العقود الأخيرة يستمد قوته بقدر كبير من التصورات المستوردة من الاتحاد السوفييتي السابق كتلك التي تعطف على مصير الحاكم السوري.
المصدر: القدس العربي
يحيى العريضي
المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات
برهان غليون
حسام مصطفى
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة