زهير سالم
تصدير المادة
المشاهدات : 4024
شـــــارك المادة
كأننا عشنا ونعيش في ظل الزمرة المجرمة التي تسلطت على وطننا على مدى أربعين عاما في أمن وأمان وسلامة وحب ووئام.
فما أن يلوح في الأفق إمكان أن يعود الوطن إلى أيدي بنيه، حتى يسارع البعض إلى حديث الهواجس، والثرثرة حول العدل والأمن والمكانة والإمكان والكثرة والقلة.
وكأن حكم هذه الزمرة التي عاثت في حضارة سورية وتاريخها وإنسانها فسادا كان هو بداية التاريخ وبنهايتها ستكون نهايته.
وكأن هذا المجتمع السوري الواحد الموحد الممتد في عمق التاريخ والمتجدد على أيدي الفاتحين العظام من حملة حضارة (لهم ما لنا وعليهم ما علينا) لم يبدأ في تصور هؤلاء إلا على يد زمرة الحقد والسخط.
وكأن أكثر من مائة ألف سوري وقريبا منهم من اللبنانيين والفلسطينيين والعراقيين لم يذبحوا على يد هذه الزمرة الغارقة في الإجرام، وكأن هذه الزمرة لم(تشرعن) الجريمة – كما يقول الأستاذ الحقوقي هيثم المالح – فتسنها قوانين تدين الأبرياء وتحمي المجرمين؛ قوانين ليس أولها ولا آخرها القانون 49 / 1980 الذي حكم بالإعدام وبأثر رجعي على أبناء جماعة الإخوان المسلمين.
يقول لي أحدهم البعض خائفون!! فأقول له: كل الشرفاء من أبناء سورية كانوا خلال نصف قرن خائفين!! قتلوا أو اعتقلوا أو شردوا أو عاشوا خائفين؛ يدخلون خائفين، يخرجون خائفين، ينامون خائفين، يستقيظون خائفين، يصمتون خائفين، يتكلمون خائفين، يصطفون في طابور الخبز والغاز والوقود وتحية العلم الوطني خائفين!! ومن لم يخف في سورية طوال ذاك العهد لم يكن منهم؛ فهل هناك من يريد أن يقول إن خوف هؤلاء الشرفاء كان ثمن أمان بعض القلقين؟!.
لا ينكر منصف أنه كان في تاريخ هذا المجتمع الممتد بعيدا بعض البغي والظلم والعدوان (( وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنْ الْخُلَطَاء لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ )) . ولكن أي منصف مطلع على حقائق التاريخ يستطيع ان يجزم أن الظلم الذي وقع على حضارة الوطن وإنسانه خلال نصف قرن من حكم هؤلاء الأشرار والمجرمين يتجاوز في حجمه وعمقه ما شهده تاريخ المنطقة على مدى ألف وخمس مائة عام من حكم أبنائها الحقيقيين؛ من أمويين وعباسيين وسلاجقة وبويهيين وفاطميين وأيوبيين ومماليك وعثمانيين....
إن ترك ما نعيشه اليوم من واقع نازف والانشغال بهواجس ما يمكن أن يكون بالغد ليس فعل الراشدين.
بل إن فعلنا الراشد اليوم هو الذي سيبسط ظله على الغد بلا شك. العقل العملي يفرض علينا أن نبادر ما نعيشه اليوم بما يستحق لا أن نترك الدم أنهارا تسيل، ثم نظل نثرثر حول ما يمكن في الغد يكون . إنه مهما يكن شأن اليد التي سينتقل إليها أمر الوطن فلن تكون في سوءة اليد التي امتدت إلى جسد طفل طاهر اسمه حمزة الخطيب.
سينتقل أمر الوطن بلا شك إلى اليد الأكثر إحساسا بالمسئولية، والأولى بأداء الأمانة والأوثق بالقيام على الضمانة مهما.
وإن على كل الذين رأوا أو يرون في حكم زمرة الجريمة ضمانا لهم من جور أو أمانا لهم من خوف أن يراجعوا انتماءهم الوطني ، وأن يدركوا أنهم بموقفهم هذا يصنفون أنفسهم شركاء في كل الإثم الذي وقع على إنسان هذا الوطن خلال نصف قرن .
ومن العقل العملي ألا يُحجر على عاقل فيما يريد . وعلى الذين يتخوفون من غد يشعرون أنه قادم لا ريب فيه أن يبادروا مع المبادرين إلى وقف النفث في عقد الكراهية . فإنك لن تجني من الشوك العنب كما يقول السيد المسيح .
وقطع الطريق على طوفان الكراهية – الذي نأباه جميعا – لن يكون إلا بوقف مدده فورا ، أعني الآن ، أعني أن يترك كل الثرثارين ثرثرتهم ويبادروا بموقف واحد للأخذ على يد المسيء ، وأن يتفرغوا للتنديد بفعله ، ورفع الصوت الواحد في الإنكار عليه ، ودفع كل صاحب قدرة ليقول لفحيح الكراهية كفى أنت ستقتلنا بنتنك .
كتب إلي مواطن قتلوا ثلاثة من أبنائي أمام عيني بدون سبب إلى من أشتكي ؟! قلت والألم يعتصرني إلى الله ..فكروا فيه وفكروا بعقله وقلبه ونفسه وعلى طريقته . حاولوا إن كان في سورية ألف مثل هذا ألا يزيد الألفَ واحدٌ ؛ وإن نجحتم في صنع هذا فهذا خير لكم من ألف ورقة وألف ميثاق وألف عهد مكتوب ..
في القرية ( ع ..) بريف دمشق ، دخلوا على مواطن بيته هناك قام رجال الأسد باغتصابه أمام بناته وبنيه. لم ير الرجل لنفسه مكانا في الحياة فانتحر -رحمه الله- وتقبله في الشهداء. امنعوا هذا الحادث أن يتكرر ، انصرفوا إلى ذلك لا تضيعوا الوقت في التفكير كيف نجبر ما انكسر هذا لم يحن وقته بعد، فكروا بل بادروا منع أي انكسار جديد.
بعض الناس لا يهمهم هذا الذي يحصل لأنهم لا يهمهم أمر الذين يحصل لهم هذا !!! من هؤلاء دول وحكومات وقيادات وممثلو أديان ونخب ؛ ولكن الذي يهمهم ما يمكن أن يحصل مع أنه احتمالي ، فقط يعنيهم لأنهم يتوقعون أن يمسهم من قريب أو من بعيد . عنصرية هي !! . أو هي نظرية شعب الله المختار في ثوب جديد !!
أسمع الكثير يحدثني عن عدالة وعن علاج عن طريق قضاء وطني نزيه وعن عقوبة وقصاص ؛ ولكن أي عاقل يريد هذا أصلا ؟ أي عاقل يفتح الباب للجريمة ليجد للقضاة شغلا ؟!!ولماذا لا نبادر إلى منع الجريمة ، والأخذ على يد المجرمين . في الشريعة الإسلامية التي يتخوف منها المتخوفون يقول الفقيه : ( العقوبة موانع قبل الفعل زواجر بعده ) . لماذا لا نترك الغد لواجبه ونبادر للتعاون على منع الاستغراق في الجريمة اليوم ؟! لماذا ..لماذا ؟!
الخوف من الغد وعليه يجب أن يجعل من مصادرة بذار الشر وبذار الخوف واجب اليوم . كلنا نسعى إلى الغد العادل الآمن الجميل الذي يعم كل المواطنين . والمقدمات الصحيحة هي التي تُوصلنا إلى النتائج صحيحة . من هنا نجدد الدعوة إلى وقف ضخ الكراهية ممارسة وسلوكا أولا ومن كل الأطراف ولا نبالي أن نقول لكل مخطئ أخطأت ولكل متجاوز تجاوزت .
نجدد الدعوة إلى بث خطاب وتعليم وتبشير ينطلق من ثقافة ومن واقع. نؤكد أن الواقع سوف يطغى على الثقافة. أي تفسير لقوله تعالى (وأن تعفوا أقرب للتقوى) يجرؤ معلم أن يقرره على أسرة الرجل في القرية ( ع ) الدمشقية؟
كيف يمكن لمعلم مهما أوتي من الحكمة أن يزين الغفران لوالد الشباب الثلاثة الذين ذبحوا أمام أبيهم؟!. أو لوالد أو والدة الطفلة ذات الرأس المقطوع؟!
يزعمون أن الرهبان في القسطنطينية كانوا ، والسلطان محمد الفاتح يحاصرها، يتناقشون في جنس الملائكة ذكورا خلقهم الله أو إناثا أظن أن بعض الندوات هذه الأيام لا تفعل أكثر من هذا ...
والآن وليس غدا يجب أن ينطق الصامتون ...
وهذا بعض واجب الوقت الذي لا يجوز أن يشغلنا عنه التفكير بالغد . لا يمكن لإنسان يمتلك عقلا وقلبا وانتماء لهذا الوطن أن يسكت عن فصول الجريمة التي تدور تحت السمع والبصر ولا يكاد يخفى من أمرها شيء.
ومرة أخرى تقول قواعد الشريعة التي منها يتخوفون (والصمت في معرض البيان بيان). لا بد للجميع لضمان عدالة الغد وفتح آفاقه الزاهرة أن يقولوا كلمتهم في فصول الجريمة السوداء . لا يمكن للإنسان أن يعتلي صهوتين في وقت معا . والذين يغطون على الجريمة اليوم بأي شكل من أشكال التواري أو الصمت لا يمكن ألا يتحملوا مسئوليتهم عنها . ومرة أخرى نكرر الذي نريده هو تضييق دائرة الإثم ودائرة حامليه. على كل مواطن حر شريف أن يخرج نفسه من هذه الدائرة البغيضة السوداء. وعلى وجوه الناس ورموزهم ونخبهم ان تفعل هذا، كلٌ على طريقته، فتدين جريمة، وتبرأ من إثم، وتتعاطف مع ضحية، وتتسخط على أمر نُكر. أما الصمت العريان اليوم فهو لن يساعدنا على العبور إلى الغد الذي نريد ..
أي رسالة سلبية يرسلها اللامبالون ...
وما يزال الذين يعتلون منابر المجتمع الدولي يقرؤون علينا رقاهم وتعاويذهم واشتراطاتهم ( امزجوا دم دجاجة سوداء مع ظلف نعجة بيضاء مع شيء من الطخا والنقاخ والعطلبيس وخصلة من شعر حيزبون أو دردبيس ) هذه الاشتراطات والمواعظ والرقى المشعوذة المعولمة لا يدري أصحابها أي رسالة سلبية إلى الشعب السوري يرسلون بلامبالتهم بعد سنة ونصف من سفك الدم البريء هم الاخرون يعبرون عن موقف مفروز على أسس إيديولوجية أو عنصرية .
الذي أريد أن أبدأهم به هو أن أرجوهم ان يتوقفوا عن الحديث عن الأقليات حبا مني وإيثارا لهذه الأقليات.
أؤكد لهم أن تعاويذهم التي زادت عن حدها تكاد تنقلب إلى ضدها. يقول لك مواطن مفجوع بعرضه أو بولده إن الغرب لا يهمه أن يذبح 80 % من الشعب السوري كل الذي يهمه هو سلامة العشرين بالمئة ثم يغمز لك بعينه وأنت تعلم أنه لا يهتم كثيرا بشأن...
رسالة اللامبالاة والسلبية أحدثت ارتدادات خطيرة على المفاهيم القيمية والكونية.
الشعب السوري وهو شعب مسيس أكثر مما تتخيلون بدأ يعيد عملية التحليل والتركيب.
يقول البعض ولذا نحن لا نريد مساعدته. وأقول لكم إذن معركتكم مع الشعوب ومع الشعب السوري الذي خذلتموه ستطول. لضمان بعض ما تتخوفون عليه في الغد اتركوا بينكم وبين هذا الشعب جسرا. أظنه لم يجرؤ أحد ليقول لكم أنتم تكادون تلحقون ببشار الأسد والروس والإيرانيين في تخريب كل الجسور .
قال لي أحدهم ألا تكتب عن استراتيجية اليوم التالي أجبته أنا مشغول باليوم الحالي.
المصدر: رابطة أدباء الشام
مجلة البيان
غازي دحمان
أحمد موفق زيدان
موقع المسلم
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة