هيئة الشام الإسلامية
تصدير المادة
المشاهدات : 4188
شـــــارك المادة
السؤال: من عادة الناس في الأعياد في بلادنا زيارة القبور وحمل النباتات الخضراء ومنها (الآس) والزهور ووضعها عليها، فما حكم هذا الفعل؟
الجواب: الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده: أولاً: زيارة القبور سنة عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، أذن بها في قوله: (كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَزُورُوهَا) رواه مسلم، وفعلها صلى الله عليه وسلم كثيراً، فكان يزور البقيع، ويزور شهداء أُحُد، ويدعو لهم، وزارها صحابته رضي الله عنهم في حياته وبعد موته. وقد شرعت زيارة القبور لفائدتين:
تذكر الآخرة، والاتعاظ بحال أهل القبور، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فَزُورُوهَا فَإِنَّهَا تُذَكِّرُكُمْ الْآخِرَةَ) رواه الترمذي وابن ماجه وأحمد. الدعاء للأموات، والاستغفار لهم، والترحم عليهم، فعن بُرَيْدَةَ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمُهُمْ إِذَا خَرَجُوا إِلَى الْمَقَابِرِ: (السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الدِّيَارِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَلَاحِقُونَ، أَسْأَلُ اللَّهَ لَنَا وَلَكُمْ الْعَافِيَةَ) رواه مسلم.
ثانياً: ليس لزيارة المقابر وقت محدد، بل تشرع في أي وقت. أما تخصيص العيد للزيارة فليس له أصل في الدين، فلم يرد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه خصص يوم العيد للزيارة مع حرصه على زيارة المقابر والدعاء لأهلها، ولم يكن من هدي صحابته رضي الله عنهم زيارة القبور يوم العيد، ولا نقل ذلك عن أحد من التابعين، ولا أهل العلم المشهورين. ومعلوم أنه لا يجوز تخصيص زمان أو مكان بشيء من العبادة إلا بدليل شرعي. ثالثاً: لا يشرع وضع النبات الأخضر الرطب كجريدة النخل و(الآس) وغيرهما على القبر، بقصد تخفيف العذاب عن الميت ما دامت النبتة رطبة، فليس ذلك من السنة. أما ما ورد عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه (مَرَّ بِقَبْرَيْنِ فَقَالَ: إِنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ ... ثُمَّ أَخَذَ جَرِيدَةً رَطْبَةً فَشَقَّهَا نِصْفَيْنِ فَغَرَزَ فِي كُلِّ قَبْرٍ وَاحِدَةً، قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ: لِمَ فَعَلْتَ هَذَا؟ قَالَ لَعَلَّهُ يُخَفِّفُ عَنْهُمَا مَا لَمْ يَيْبَسَا) فهذا الفعل خاص برسول الله صلى الله عليه وسلم. قال الخطابي _رحمه الله تعالى_ في "معالم السنن" تعليقاً على حديث ابن عباس: "وأما غرسه شقَّ العسيب على القبر وقوله (ولعله يخفف عنهما ما لم ييبسا) فإنه من ناحية التبرك بأثر النبي صلى الله عليه وسلم ودعائه بالتخفيف عنهما، وكأنه جعل مدة بقاء النداوةِ فيهما حداً لما وقعت به المسألة من تخفيف العذاب عنهما، وليس ذلك من أجل أن في الجريد الرطب معنى ليس في اليابس، والعامة في كثير من البلدان تغرس الخوص [وهو جريد النخل] في قبور موتاهم، وأراهم ذهبوا إلى هذا، وليس لما تعاطوه من ذلك وجه". ويدل على خصوصية هذا الفعل به صلى الله عليه وسلم أدلة منها:
قوله صلى الله عليه وسلم لجابر رضي الله عنه ( إِنِّي مَرَرْتُ بِقَبْرَيْنِ يُعَذَّبَانِ فَأَحْبَبْتُ بِشَفَاعَتِي أَنْ يُرَفَّهَ عَنْهُمَا مَا دَامَ الْغُصْنَانِ رَطْبَيْنِ) رواه مسلم، فقوله: (بشفاعتي) دليل على أن هذا الفعل خاص به صلى الله عليه وسلم. أن النبي لم يكرر ما فعله مع هذين القبرين بعد ذلك، مما يدل على أنها حادثة خاصة. أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعله إلا في قبور خاصة أطلعه الله على أن أصحابها يعذبون، ولو كان مشروعاً لفعله في كل القبور. أن هذا الفعل إن كان مشروعاً فهو في حق أصحاب القبور التي يعذب أصحابها، ولا سبيل لمعرفة ذلك إلا بالوحي وقد انقطع بوفاته صلى الله عليه وسلم. أن كبار الصحابة رضوان الله عليهم لم يفعلوه مع علمهم بالسنة وشدة اقتدائهم برسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو فعلوه لاشتهر ونقل عنهم، وفعل واحد من الصحابة دليل على أن هذا الأمر ليس بسنة متبعة.
قال النووي _رحمه الله_ في "شرح صحيح مسلم": "وَأَمَّا وَضْعه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْجَرِيدَتَيْنِ عَلَى الْقَبْر ؛ فَقَالَ الْعُلَمَاء : مَحْمُول عَلَى أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَأَلَ الشَّفَاعَة لَهُمَا فَأُجِيبَتْ شَفَاعَته صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالتَّخْفِيفِ عَنْهُمَا إِلَى أَنْ يَيْبَسَا ... وَقَدْ أَنْكَرَ الْخَطَّابِيُّ مَا يَفْعَلهُ النَّاس عَلَى الْقُبُور مِنْ الْأَخْوَاص وَنَحْوهَا مُتَعَلِّقِينَ بِهَذَا الْحَدِيث وَقَالَ : لَا أَصْل لَهُ وَلَا وَجْه لَهُ، وَاللَّهُ أَعْلَم". أن وضع الجريد على القبر من قبلنا فيه إساءة ظن بالميت ، ويحرم علينا سوء الظن بالمسلمين ، فعلينا إحسان الظن به والدعاء له بالرفعة في الجنة، لا الظن به أنه يعذب.
رابعًا: أما وضع الورود والزهور والرياحين على القبور فهو محرم؛ لما فيه من:
تزيين القبور، وهو محرم. ولما في ذلك من التشبه بالكفار في عاداتهم الخاصة بهم، وقد قال قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ) رواه أبو داود وأحمد.
وليعلم أن نفع الميت والتخفيف عنه له وسائل مشروعة من أهمها:
الدعاء والاستغفار له، والصدقة عنه، وأداء الحقوق التي عليه، سواء كانت لله تعالى بدفع الزكاة المستحقة عليه في حياته، والحج والعمرة عنه إن لم يكن قد حج، أو سداد ديونه للمخلوقين، أو مسامحة أصحاب الحقوق بحقوقهم، وغير ذلك.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
عبد الوهاب الحميقاني
فايز الصلاح
أحمد عبد المجيد مكي
محمد العبدة
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير