طه محمد فارس
تصدير المادة
المشاهدات : 11650
شـــــارك المادة
مما لا شك فيه أن أمتنا اليوم هي بأمس الحاجة إلى الدعاء واللجوء إلى الله تعالى، والإلحاح عليه بالاستجابة تجاه ما تلقاه من شدائد ومحن، بلغت فيها القلوب الحناجر، وضاقت فيها الأرض بما رحبت، وتيقن الناس بأن لا ملجئ ولا منجى مما هم فيه إلا باللجوء إلى الله، والإلحاح عليه. والإلحاح على الله بالدعاء هي حالة الراغبين الراهبين، الخائفين الطامعين، الراجين السائلين، التي تجعلهم في دائرة الرضا، وتدخلهم في جملة المحبوبين لرب العالمين.
ويقصد بالإلحاح بالدعاء: الإقبال على الله وملازمة بابه بدون فتور، إما بتوحيده والثناء عليه، وإما باستغفاره والتوبة إليه، وإما برجائه والسؤال منه.
وقد تَمَثَّل بهذه الحالة الإيمانية الحبيبُ الأعظم صلى الله عليه وسلم في غزوة بدر، عندما أقبل المشركون من مكة بخيلائهم وفخرهم وعتوهم ووصلوا إلى بدر، وكانت القافلة التي خرج المسلمون من أجلها قد أفلتت ونجت، فلم يبق أمامهم إلا أن يلاقوا جيش المشركين من مكة، الذي جاء مدججاً بالسلاح والعتاد، يزيد عدد مقاتليه على ضعفي عدد المسلمين، ولم يكن المسلمون قد تأهبوا لهذا اللقاء، فلما عزم النبي صلى الله عليه وسلم مع من معه من المؤمنين على مواجهة المشركين في بدر، دخل قبته وعريشه الذي أقيم له، واستقبل القبلة النبي صلى الله عليه وسلم ثم مد يديه داعياً ملحاً على الله تعالى يهتف بربه: « اللَّهُمَّ إِنِّي أَنْشُدُكَ عَهْدَكَ وَوَعْدَكَ، اللَّهُمَّ إِنْ شِئْتَ لَمْ تُعْبَدْ بَعْدَ الْيَوْمِ»، فَأَخَذَ أَبُو بَكْرٍ بِيَدِهِ فَقَالَ: حَسْبُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَدْ أَلْحَحْتَ عَلَى رَبِّكَ، وَهُوَ فِي الدِّرْعِ فَخَرَجَ وَهُوَ يَقُولُ:) سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ بَلْ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ(»[ أخرجه البخاري في الجهاد والسير برقم 2758 عن ابن عباس رضي الله عنهما]، وفي رواية مسلم: جعل يهتف بربه ويقول: «...اللَّهُمَّ أَنْجِزْ لِي مَا وَعَدْتَنِي، اللَّهُمَّ آتِ مَا وَعَدْتَنِي، اللَّهُمَّ إِنْ تُهْلِكْ هَذِهِ الْعِصَابَةَ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ لَا تُعْبَدْ فِي الْأَرْضِ..» فَمَا زَالَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ مَادًّا يَدَيْهِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ حَتَّى سَقَطَ رِدَاؤُهُ عَنْ مَنْكِبَيْهِ، فَأَتَاهُ أَبُو بَكْرٍ فَأَخَذَ رِدَاءَهُ فَأَلْقَاهُ عَلَى مَنْكِبَيْهِ ثُمَّ الْتَزَمَهُ مِنْ وَرَائِهِ وَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ كَفَاكَ مُنَاشَدَتُكَ رَبَّكَ فَإِنَّهُ سَيُنْجِزُ لَكَ مَا وَعَدَكَ.. فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ:« )إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنْ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ(..»[ أخرجه مسلم في الجهاد والسير برقم 1763 عن ابن عباس رضي الله عنهما].
ولعلنا نقف عند هذه الآية الكريمة أمام جملة من اللفتات الرائعة، فالله عز وجل أراد بقوله أن يذكر المؤمنين حال استمدادهم منه سبحانه، والتجائهم إليه حين ضاقت عليهم الحيل وعيت بهم العلل[انظر: تفسير أبي السعود 4/7]، واشتد بهم الخوف، فجاءت عندئذ النصرة الربانية ليتغلبوا على عدوهم رغم قلة العَدد، وضعف العُدد، وقد عبر الله تعالى في جواب الشرط بالماضي للتنبيه على تحقق الاستجابة وحصول النصر الموعود [انظر: تفسير التحرير والتنوير9/300].
كما أن الله عز وجل استعمل واو الجمع في فعل الاستغاثة، مع العلم أن الروايات تذكر استغاثة النبي صلى الله عليه وسلم فحسب، والجواب: بأن الدعاء والتضرع كان من النبي صلى الله عليه وسلم والتأمين كان من الصحابة، فكان كلهم في حالة استغاثة وتوسل ودعاء[انظر: اللباب في علوم الكتاب لابن عادل 9/460]، وهذا ما ينبغي أن يكون عليه المؤمنون في حال الشدائد والمحن.
وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم بيان بحب الله تعالى لهذه الحالة التي يتمثلها العبد بين يدي ربه، فعن أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه عَن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:« إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُحِبُّ ثَلَاثَةً وَيُبْغِضُ ثَلَاثَةً: يُبْغِضُ الشَّيْخَ الزَّانِيَ، وَالْفَقِيرَ الْمُخْتَالَ، وَالْمُكْثِرَ الْبَخِيلَ. وَيُحِبُّ ثَلَاثَةً: رَجُلٌ كَانَ فِي كَتِيبَةٍ فَكَرَّ يَحْمِيهِمْ حَتَّى قُتِلَ أَوْ يَفْتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ، وَرَجُلٌ كَانَ فِي قَوْمٍ فَأَدْلَجُوا فَنَزَلُوا مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ وَكَانَ النَّوْمُ أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِمَّا يُعْدَلُ بِهِ فَنَامُوا وَقَامَ يَتْلُو آيَاتِي وَيَتَمَلَّقُنِي، وَرَجُلٌ كَانَ فِي قَوْمٍ فَأَتَاهُمْ رَجُلٌ يَسْأَلُهُمْ بِقَرَابَةٍ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ فَبَخِلُوا عَنْهُ وَخَلَفَ بِأَعْقَابِهِمْ فَأَعْطَاهُ حَيْثُ لَا يَرَاهُ إِلَّا اللَّهُ وَمَنْ أَعْطَاهُ»[ أخرجه أحمد في مسنده 35/286، وهو حديث صحيح، رجاله رجال الشيخين كما قال الشيخ شعيب الأرناؤوط]. [والملق: هو التودد واللطف الشديد، ويأتي بمعنى الدعاء والتضرع. انظر: تهذيب اللغة للأزهري، ومختار الصحاح، ولسان العرب: مادة ملق].
فحب الله تعالى لهذا المؤمن إنما كان لتملقه بين يديه، بالتضرع والدعاء مقروناً بالتلطف والتودد إليه سبحانه.
ولذلك نجد أن الله تعالى أمر نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم أن يجالس المؤمنين الذين يذكرون الله ويهللونه، ويحمدونه ويسبحونه ويكبرونه، ويسألونه بكرة وعشيًا، دائبين على الدعاء في كل وقت.[انظر: تفسير الكشاف للزمخشري 4/9 ، وتفسير ابن كثير 5/152].
وإنما خص الله تعالى هذين الوقتين بالذكر لشرفهما، قال تعالى:( وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ )[الكهف: ٢٨]؛ ونهى نبيه صلى الله عليه وسلم كذلك عن إبعاد هؤلاء المؤمنين وطردهم بسبب فقرهم وضعفهم لمَّا طلب زعماء المشركين منه ذلك، فقال: (وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ ) [الأنعام: ٥٢].
والدعاء من أعظم أشكال العبادة لله تعالى، بل هو العبادة بعينها، وهو صلاح الناس في دنياهم وأخراهم، ولذلك ندب الله تعالى إليه، ووعد باستجابته، وحذر من تركه في آية واحدة، فقال: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) [غافر: 60].
قال الإمام ابن كثير: (يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي) أي: عن دعائي وتوحيدي، (سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) أي: صاغرين حقيرين. [انظر: تفسير ابن كثير 7/155]
وقد جاء تفسير العبادة في هذه الآية بالدعاء عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فعَن النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:« الدُّعَاءُ هُوَ الْعِبَادَةُ» ثُمَّ قَرَأَ:)وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ..(» [أخرجه أبو داود في الصلاة برقم 1479؛ والترمذي في تفسير القرآن برقم 3247 وقال: حديث حسن صحيح واللفظ له؛ وابن ماجه في الدعاء برقم 3828].
كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الله يغضب على من لا يدعوه، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم :« مَنْ لَمْ يَدْعُ اللَّهَ سُبْحَانَهُ غَضِبَ عَلَيْهِ»[ أخرجه أحمد في المسند 2/443 برقم 9717؛ والبخاري في الأدب المفرد ص229؛ والترمذي في الدعوات برقم 3373؛ وابن ماجه في الدعاء برقم 3827.]، وفي رواية:« من لا يدعو الله يغضب عليه» [أخرجه أحمد في المسند 2/443؛ والحاكم في مستدركه 1/668 وقال: هذا حديث صحيح الإسناد، فإن أبا صالح الخوزي و أبا المليح الفارسي لم يذكرا بالجرح إنما هما في عداد المجهولين لقلة الحديث، وسكت عنه الذهبي؛ قال ابن كثير في التفسير 7/154: إسناده لا بأس به].
وأخبر بأن أعجز الناس ذلك الذي يهجر الدعاء، فقال صلى الله عليه وسلم :« أعجز الناس من عجز في الدعاء، وأبخل الناس من بخل بالسلام»[ ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد 8/67 عن أبي هريرة رضي الله عنه، وقال: رواه الطبراني في الأوسط وقال: لا يروى عن النبي صلى الله عليه و سلم إلا بهذا الإسناد، ورجاله رجال الصحيح غير مسروق ابن المرزبان وهو ثقة].
كيف لا؟ وقد ترك أكرم شيء على الله وهو الدعاء، ففيه إظهار الفقر والعجز والتذلل والاعتراف بقوة الله وقدرته، وهو أسرع قبولاً وأنفع تأثيراً، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:« لَيْسَ شَيْءٌ أَكْرَمَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْ الدُّعَاءِ» [أخرجه الترمذي في الدعوات برقم 3370 وقال: حسن غريب؛ وابن ماجه في الدعاء برقم 3829].
وقد ورد عن سفيان الثوري رحمه الله أنه كان يقول: « يا مَنْ أحبُّ عباده إليه مَنْ سأله فأكثرَ سؤاله، ويا من أبغض عباده إليه من لم يسأله، وليس كذلك غيرك يا رب» [انظر: تفسير ابن كثير 7/153 وقد عزاه لابن أبي حاتم].
فينبغي للمؤمن أن يلزم باب ربه في أحواله كلها، فيدعوه في كل أموره، ويرفع حوائجه إليه، ويسأله من فضله، فهو الكريم الذي لا يرد سائلاً.
وقد علمنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نلجئ إلى الله تعالى ونسأله حاجاتنا كلها، فعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :« ليسأل أحدكم ربه حاجته أو حوائجه كلها، حتى يسأله شسع نعله إذا انقطع، وحتى يسأله الملح» [مجمع الزوائد 10 / 228، وقال: رواه البزار ورجاله رجال الصحيح غير سيار بن حاتم وهو ثقة، وأخرجه الترمذي بلفظ آخر في الدعوات برقم: 3537].
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:« سَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ، فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُحِبُّ أَنْ يُسْأَلَ، وَأَفْضَلُ الْعِبَادَةِ انْتِظَارُ الْفَرَجِ» [أخرجه الترمذي في الدعوات برقم 3494، والحديث فيه ضعف].
وللدعاء أثر عظيم في رد المكاره المقدرة على العبد، وذلك فيما علق الله وقوعه بالدعاء، فإن دعا العبد ربه دفع الله عنه تلك المكاره المقدَّرة، وإن لم يدع وقع المكروه المقدَّرُ، فعن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :« لا يرد القدر إلا الدعاء، ولا يزيد في العمر إلا البر، وإن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه» [أخرجه الحاكم في المستدرك 1/493، وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي].
وورد هذا المعنى بلفظ آخر عَن سَلْمَانَ الفارسي رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:« لَا يَرُدُّ الْقَضَاءَ إِلَّا الدُّعَاءُ، وَلَا يَزِيدُ فِي الْعُمْرِ إِلَّا الْبِرُّ»[ أخرجه الترمذي في القدر برقم 2139 وقال: حسن غريب؛ والحاكم في المستدرك 1/670 برقم 1814 في كتاب الدعاء والتكبير والتهليل عن ثوبان، بلفظ: لا يرد القدر إلا الدعاء، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه]، والقضاء هنا بمعنى: الأمر المقدر.
ولا يتنافى هذا التصور مع الاعتقاد بأن ما قدره الله تعالى كائن، لأن العباد لا يعلمون ما قدره الله وجوداً أو عدماً إلا بعد وقوعه، وقد أمرنا الشرع بالتدواي والدعاء مع أن المرض مقدور كائن، وقد قيل: الدعاء كالترس والبلاء كالسهم، والقضاء أمر مبهم مقدر في الأزل.
وكلنا يقرأ في سيرة الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما بلغ الشام وقيل له: إن بها طاعوناً، فعزم على الرجوع إلى المدينة، فقال له أبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنه: أتفر من القضاء يا أمير المؤمنين؟ فقال: لو غيرك قالها يا أبا عبيدة، نعم نفر من قضاء الله إلى قضاء الله .[انظر: تحفة الأحوذي 6/289].
ـ شروط وآداب الدعاء:
وللدعاء جملة من الشروط الآداب التي ينبغي على الداعي أن يتأدب بها، ويتحلى بحليتها، فمن ذلك:
قال ابن جرير الطبري: (تضَرُّعًا) تذللاً واستكانة لطاعته، (وَخُفْيَةً) بخشوع قلوبكم وصحة اليقين بوحدانيته وربوبيته فيما بينكم وبينه، لا جهاراً ومراءاة .[ينظر: تفسير ابن كثير 3/428]. أما الدعاء مع غفلة القلب عن الله فهو أبعد ما يكون عن الاستجابة والقبول، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن عَمْرٍو رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:« الْقُلُوبُ أَوْعِيَةٌ، وَبَعْضُهَا أَوْعَى مِنْ بَعْضٍ، فَإِذَا سَأَلْتُمْ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَيُّهَا النَّاسُ فَاسْأَلُوهُ وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالْإِجَابَةِ، فَإِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَجِيبُ لِعَبْدٍ دَعَاهُ عَنْ ظَهْرِ قَلْبٍ غَافِلٍ» [أخرجه أحمد في مسنده 2/177؛ وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد 10/222 وقال: رواه أحمد وإسناده حسن].
وجوب الإخلاص لله تعالى في الدعاء: قال تعالى: ( فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ) [غافر : 14]
رفع اليدين للدعاء ثم مسح الوجه بهما عند ختمه فعَن عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:«كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا رَفَعَ يَدَيْهِ فِي الدُّعَاءِ لَمْ يَحُطَّهُمَا حَتَّى يَمْسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ» [أخرجه الترمذي في الدعوات برقم 3386 وقال: حديث غريب، وفي بعض النسخ: صحيح غريب؛ والحاكم في المستدرك 1/719 برقم 1967 ولم يعلق عليه؛ قال ابن حجر في بلوغ المرام: له شواهد منها حديث ابن عباس عن أبي داود، ومجموعها يقتضي أنه حديث حسن. ونقل الزيلعي في نصب الراية 3/52 قول الإمام النووي: وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ عليه السلام رَفَعَ يَدَيْهِ فِي الدُّعَاءِ، ذَكَرْت مِنْ ذَلِكَ نَحْوَ عِشْرِينَ حَدِيثًا فِي "شَرْحِ الْمُهَذَّبِ"، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ]، ولا بأس بأن يبالغ في بعض الأحيان برفع اليدين فعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي الدُّعَاءِ حَتَّى يُرَى بَيَاضُ إِبْطَيْهِ [ أخرجه البخاري في الجمعة برقم 984؛ ومسلم في الاستسقاء برقم 895]، كما أن رفع اليدين بالدعاء مظنة للاستجابة، فعَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:« إِنَّ اللَّهَ حَيِيٌّ كَرِيمٌ يَسْتَحْيِي إِذَا رَفَعَ الرَّجُلُ إِلَيْهِ يَدَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُمَا صِفْرًا خَائِبَتَيْنِ » [أخرجه أحمد في مسنده 5/438؛ وأبو داود في الصلاة برقم 1488؛ والترمذي في الدعوات برقم 3556 وقال: هذا حديث حسن غريب؛ وابن ماجه في الدعاء برقم 3865؛ وابن حبان في صحيحه 3/160 برقم 876؛ والحاكم في المستدرك 1/675 وقال: إسناده صحيح على شرط الشيخين].
عدم التكلف في الدعاء وتجنب السجع، فلم يكن ذلك من هدي النبي صلى الله عليه وسلم ولا من هدي من بعده، فعَنِ الشَّعْبِيِّ رحمه الله قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ لِابْنِ أَبِي السَّائِبِ قَاصِّ أَهْلِ الْمَدِينَةِ: ثَلَاثًا لَتُبَايِعَنِّي عَلَيْهِنَّ أَوْ لَأُنَاجِزَنَّكَ، فَقَالَ: مَا هُنَّ؟ بَلْ أَنَا أُبَايِعُكِ يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، قَالَتْ: اجْتَنِبْ السَّجْعَ مِنْ الدُّعَاءِ، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ r وَأَصْحَابَهُ كَانُوا لَا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ ..[ أخرجه أحمد في المسند 6/217 برقم 25862؛ وذكره الهيثمي في المجمع 1/453برقم 915 وقال: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح ورواه أبو يعلى بنحوه].
عدم استعجال الداعي لاستجابة الدعاء، فما من دعوة يدعوها العبد إلا ويستجيبها الله تعالى مالم تكن بطلب إثم أو قطيعة رحم، ولكن صور الاستجابة ووقتها مرهون بحكمة الله تعالى وعلمه، فهو تعالى يجيب العبد في الوقت الذي يريد لا في الوقت الذي نريد، وعلى الوجه الذي يريد لا على الوجه الذي نريد، وقد بين لنا ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم أجلى بيان، فعن أبي سعيد رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:« ما من مسلم يدعو الله بدعوة ليس فيها مأثم و لا قطيعة رحم إلا أعطاه إحدى ثلاث: إما أن يستجيب له دعوته، أو يصرف عنه من السوء مثلها، أو يدخر له من الأجر مثلها، قالوا: يا رسول الله إذا نكثر، قال: الله أكثر» [أخرجه الحاكم في المستدرك 1/493، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد إلا أن الشيخين لم يخرجاه عن علي بن علي الرفاعي، ووافقه الذهبي]، فلا ينبغي للعبد أن يترك الدعاء لعدم تحقق مطلوبه على الوجه الذي سأل، فقد تكون إجابة دعائه قد تحققت بوجوه أخرى هي أنفع له، فعَن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ:« لَا يَزَالُ يُسْتَجَابُ لِلْعَبْدِ مَا لَمْ يَدْعُ بِإِثْمٍ أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ مَا لَمْ يَسْتَعْجِلْ»، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الِاسْتِعْجَالُ؟ قَالَ:« يَقُولُ: قَدْ دَعَوْتُ وَقَدْ دَعَوْتُ فَلَمْ أَرَ يَسْتَجِيبُ لِي، فَيَسْتَحْسِرُ عِنْدَ ذَلِكَ وَيَدَعُ الدُّعَاءَ» [أخرجه مسلم في الذكر والدعاء برقم 2735]، بل إن استجابة الدعاء مرهونة بتسليم العبد أمره لله، وتحسين الظن بمولاه، وهو عند حسن ظن عبده به، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:« يُسْتَجَابُ لِأَحَدِكُمْ مَا لَمْ يَعْجَلْ، يَقُولُ: دَعَوْتُ فَلَمْ يُسْتَجَبْ لِي» [أخرجه البخاري في الدعوات برقم 5981؛ ومسلم في الذكر والدعاء برقم 2735].
أن يدعو الله تعالى دعاء مضطر ملهوف مفتقر لفضل الله وعطائه، فهو أجدر بالإجابة والعطاء، وهذا ما أشار الله تعالى إليه بقوله: ( أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ) [النمل : 62].
عدم التعدي في الدعاء، وذلك بأن يحدد تفاصيل مسألته ودعائه، أو يرفع صوته به، فقد حذر الله تعالى من ذلك في سياق الأمر بالدعاء فقال: ( ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) [الأعراف : 55]، وورد أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مُغَفَّلٍ رضي الله عنه سَمِعَ ابْنَهُ يَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْقَصْرَ الْأَبْيَضَ عَنْ يَمِينِ الْجَنَّةِ إِذَا دَخَلْتُهَا، فَقَالَ: أَيْ بُنَيَّ؛ سَلْ اللَّهَ الْجَنَّةَ وَعُذْ بِهِ مِنْ النَّارِ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:« سَيَكُونُ قَوْمٌ يَعْتَدُونَ فِي الدُّعَاءِ» [أخرجه أحمد في المسند 4/87 برقم 16847؛ وابن ماجه في الدعاء برقم 3864؛ والحاكم في المستدرك 1/724 برقم 1979 وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه؛ وابن حبان في صحيحه 15/166 بإسناد صحيح على شرط مسلم]. وورد مثل ذلك عن ابن لسعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أنه قال: سمعني أبي وأنا أقول اللهم إني أسألك الجنة ونعيمها وبهجتها وكذا وكذا، وأعوذ بك من النار وسلاسلها وأغلالها وكذا وكذا، فقال: يا بني إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:« سيكون قوم يعتدون في الدعاء» فإياك أن تكون منهم، إن أعطيت الجنة أعطيتها وما فيها، وإن أعذت من النار أعذت منها وما فيها من الشر.[ أخرجه أبو داود في باب الدعاء 1/466 برقم 1480؛ وابن ماجه في الدعاء 2/1271 برقم 3864، وهو صحيح].
تخير جوامع الأدعية من المأثور وغيره، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يستحب ذلك، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستحب الجوامع من الدعاء ويدع ما سوى ذلك.[ أخرجه أبو داود في الدعاء 1/467 برقم 1482؛ وابن ماجه 2/1263؛ وأخرجه الحاكم في المستدرك 1/723 بلفظ: أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يعجبه الجوامع من الدعاء و يترك ما بين ذلك]. والأدعية الجامعة: هي التي تجمع مع وجازتها وقصرها خير الدنيا والآخرة، أو تجمع الأغراض الصالحة والمقاصد الصحيحة، نحو قوله تعالى:( رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ )[البقرة : 201] فقد كانت من أكثر دعاء نبينا صلى الله عليه وسلم، وروي عن عائشة رضي الله عنها قالت: دخل عليّ النبي صلى الله عليه و سلم وأنا أصلي وله حاجة فأبطأت عليه، قال:« يا عائشة عليك بجمل الدعاء وجوامعه»، فلما انصرفت، قلت: يا رسول الله وما جمل الدعاء وجوامعه؟ قال: « قولي اللهم إني أسألك من الخير كله عاجله وآجله ما علمت منه وما لم أعلم، وأعوذ بك من الشر كله عاجله وآجله ما علمت منه وما لم أعلم، وأسألك الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل، وأعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول أو عمل، وأسألك مما سألك به محمد، وأعوذ بك مما تعوذ منه محمد، وما قضيت لي من قضاء فاجعل عاقبته رشدا» [أخرجه البخاري في الأدب المفرد 1/222 برقم 639، وهو صحيح].
البدء بالدعاء لنفسه عند الدعاء لغيره، فقد كان ذلك من هدي النبي صلى الله عليه وسلم، فعَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رضي الله عنه:« أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا ذَكَرَ أَحَدًا فَدَعَا لَهُ بَدَأَ بِنَفْسِهِ» [أخرجه أحمد في المسند 5/121 بإسناد صحيح على شرط مسلم؛ وأبو داود في كتاب الحروف والقراءات برقم 3984؛ والترمذي في الدعوات برقم 3385 وقال: حديث حسن غريب صحيح؛ والنسائي في السنن الكبرى 6/391 برقم 11310؛ وذكره الهيثمي في المجمع عن أبي أيوب 10/233 وقال: رواه الطبراني وإسناده حسن].
إحسان الظن بالله وسؤاله أعظم الأماني، فالله كريم جواد، يحب أن يسأل، فعَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِيهِ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:« لِيَنْظُرَنَّ أَحَدُكُمْ مَا الَّذِي يَتَمَنَّى، فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي مَا يُكْتَبُ لَهُ مِنْ أُمْنِيَّتِهِ» [أخرجه أحمد في المسند 2/387 برقم 9012؛ والترمذي في الدعوات برقم 3971 وقال: هذا حديث حسن؛ وذكره الهيثمي في المجمع 10/230 برقم 17226 وقال: رواه أحمد وأبو يعلى وإسناد أحمد رجاله رجال الصحيح]، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:« إن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيل الله، ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض، فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس فإنه أوسط الجنة، وأعلى الجنة» [أخرجه البخاري 3/1028 برقم 2637]، وروي بلفظ: « الجنة مائة درجة، بين كل درجتين كما بين السماء و الأرض، و الفردوس من أعلاها درجة، ومنها تفجر أنهار الجنة، فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس» [أخرجه الحاكم في المستدرك 1/153 وقال: صحيح على شرطهما ووافقه الذهبي].
ـ الظروف المستحبة للدعاء:
لا شك أن الدعاء في كل الأماكن والأوقات عمل مستحب مبرور، إلا أن الله تعالى اختص بعضها على بعض بمزيد من الفضل والمزية، فمن ذلك:
ـ دعوات مستجابات:
سبق أن قلنا بأنه ما من دعوة يدعوها عبد إلا ويستجيبها الله تعالى له ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم، ولكن تتعدد صور الاستجابة من الله تعالى كما ورد في الحديث عن عُبَادَةَ بْن الصَّامِتِ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:« مَا عَلَى الْأَرْضِ مُسْلِمٌ يَدْعُو اللَّهَ بِدَعْوَةٍ إِلَّا آتَاهُ اللَّهُ إِيَّاهَا، أَوْ صَرَفَ عَنْهُ مِنْ السُّوءِ مِثْلَهَا، مَا لَمْ يَدْعُ بِإِثْمٍ أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ»، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ: إِذًا نُكْثِرُ، قَالَ:« اللَّهُ أَكْثَرُ» [أخرجه أحمد في المسند 1/381 برقم 3618؛ والترمذي في الدعوات برقم 3573؛ والحاكم في المستدرك 3/354 برقم 5368 وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي؛ وقد صححه ابن حجر في الفتح 5/159].
أما هذه الدعوات التي نحن بصدد الحديث عنها هي أسرع إجابة، وتأتي على وفق ما يسأل العبد ربه مالم يدع بإثم أو قطيعة رحم، من ذلك:
فاللهم وفقنا لحسن التوجه إليك، واهدنا لأحب الأعمال إليك، ولا تجعل حاجتنا وافتقارنا إلا إليك، واقض لعبادك حوائج وهموماً رفعت إليك، لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك...
المصدر : الهيئة العامة لعلماء المسلمين في سوريا
محمد عبد الله الدويش
فايز الصلاح
الألوكة
محمد فريد فرج فراج
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة