..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

الإلحاح على الله تعالى بالدعاء

طه محمد فارس

٣ نوفمبر ٢٠١٢ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 11650

الإلحاح على الله تعالى بالدعاء
1.jpg

شـــــارك المادة

مما لا شك فيه أن أمتنا اليوم هي بأمس الحاجة إلى الدعاء واللجوء إلى الله تعالى، والإلحاح عليه بالاستجابة تجاه ما تلقاه من شدائد ومحن، بلغت فيها القلوب الحناجر، وضاقت فيها الأرض بما رحبت، وتيقن الناس بأن لا ملجئ ولا منجى مما هم فيه إلا باللجوء إلى الله، والإلحاح عليه. والإلحاح على الله بالدعاء هي حالة الراغبين الراهبين، الخائفين الطامعين، الراجين السائلين، التي تجعلهم في دائرة الرضا، وتدخلهم في جملة المحبوبين لرب العالمين.

 

 

ويقصد بالإلحاح بالدعاء: الإقبال على الله وملازمة بابه بدون فتور، إما بتوحيده والثناء عليه، وإما باستغفاره والتوبة إليه، وإما برجائه والسؤال منه.

وقد تَمَثَّل بهذه الحالة الإيمانية الحبيبُ الأعظم صلى الله عليه وسلم في غزوة بدر، عندما أقبل المشركون من مكة بخيلائهم وفخرهم وعتوهم ووصلوا إلى بدر، وكانت القافلة التي خرج المسلمون من أجلها قد أفلتت ونجت، فلم يبق أمامهم إلا أن يلاقوا جيش المشركين من مكة، الذي جاء مدججاً بالسلاح والعتاد، يزيد عدد مقاتليه على ضعفي عدد المسلمين، ولم يكن المسلمون قد تأهبوا لهذا اللقاء، فلما عزم النبي صلى الله عليه وسلم مع من معه من المؤمنين على مواجهة المشركين في بدر، دخل قبته وعريشه الذي أقيم له، واستقبل القبلة النبي صلى الله عليه وسلم ثم مد يديه داعياً ملحاً على الله تعالى يهتف بربه: « اللَّهُمَّ إِنِّي أَنْشُدُكَ عَهْدَكَ وَوَعْدَكَ، اللَّهُمَّ إِنْ شِئْتَ لَمْ تُعْبَدْ بَعْدَ الْيَوْمِ»، فَأَخَذَ أَبُو بَكْرٍ بِيَدِهِ فَقَالَ: حَسْبُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَدْ أَلْحَحْتَ عَلَى رَبِّكَ، وَهُوَ فِي الدِّرْعِ فَخَرَجَ وَهُوَ يَقُولُ:) سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ بَلْ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ(»[ أخرجه البخاري في الجهاد والسير برقم 2758 عن ابن عباس رضي الله عنهما]، وفي رواية مسلم: جعل يهتف بربه ويقول: «...اللَّهُمَّ أَنْجِزْ لِي مَا وَعَدْتَنِي، اللَّهُمَّ آتِ مَا وَعَدْتَنِي، اللَّهُمَّ إِنْ تُهْلِكْ هَذِهِ الْعِصَابَةَ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ لَا تُعْبَدْ فِي الْأَرْضِ..» فَمَا زَالَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ مَادًّا يَدَيْهِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ حَتَّى سَقَطَ رِدَاؤُهُ عَنْ مَنْكِبَيْهِ، فَأَتَاهُ أَبُو بَكْرٍ فَأَخَذَ رِدَاءَهُ فَأَلْقَاهُ عَلَى مَنْكِبَيْهِ ثُمَّ الْتَزَمَهُ مِنْ وَرَائِهِ وَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ كَفَاكَ مُنَاشَدَتُكَ رَبَّكَ فَإِنَّهُ سَيُنْجِزُ لَكَ مَا وَعَدَكَ.. فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ:« )إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنْ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ(..»[ أخرجه مسلم في الجهاد والسير برقم 1763 عن ابن عباس رضي الله عنهما].

ولعلنا نقف عند هذه الآية الكريمة أمام جملة من اللفتات الرائعة، فالله عز وجل أراد بقوله أن يذكر المؤمنين حال استمدادهم منه سبحانه، والتجائهم إليه حين ضاقت عليهم الحيل وعيت بهم العلل[انظر: تفسير أبي السعود 4/7]، واشتد بهم الخوف، فجاءت عندئذ النصرة الربانية ليتغلبوا على عدوهم رغم قلة العَدد، وضعف العُدد، وقد عبر الله تعالى في جواب الشرط بالماضي للتنبيه على تحقق الاستجابة وحصول النصر الموعود [انظر: تفسير التحرير والتنوير9/300].

 

 

كما أن الله عز وجل استعمل واو الجمع في فعل الاستغاثة، مع العلم أن الروايات تذكر استغاثة النبي صلى الله عليه وسلم فحسب، والجواب: بأن الدعاء والتضرع كان من النبي صلى الله عليه وسلم والتأمين كان من الصحابة، فكان كلهم في حالة استغاثة وتوسل ودعاء[انظر: اللباب في علوم الكتاب لابن عادل 9/460]، وهذا ما ينبغي أن يكون عليه المؤمنون في حال الشدائد والمحن.

وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم بيان بحب الله تعالى لهذه الحالة التي يتمثلها العبد بين يدي ربه، فعن أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه عَن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:« إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُحِبُّ ثَلَاثَةً وَيُبْغِضُ ثَلَاثَةً: يُبْغِضُ الشَّيْخَ الزَّانِيَ، وَالْفَقِيرَ الْمُخْتَالَ، وَالْمُكْثِرَ الْبَخِيلَ. وَيُحِبُّ ثَلَاثَةً: رَجُلٌ كَانَ فِي كَتِيبَةٍ فَكَرَّ يَحْمِيهِمْ حَتَّى قُتِلَ أَوْ يَفْتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ، وَرَجُلٌ كَانَ فِي قَوْمٍ فَأَدْلَجُوا فَنَزَلُوا مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ وَكَانَ النَّوْمُ أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِمَّا يُعْدَلُ بِهِ فَنَامُوا وَقَامَ يَتْلُو آيَاتِي وَيَتَمَلَّقُنِي، وَرَجُلٌ كَانَ فِي قَوْمٍ فَأَتَاهُمْ رَجُلٌ يَسْأَلُهُمْ بِقَرَابَةٍ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ فَبَخِلُوا عَنْهُ وَخَلَفَ بِأَعْقَابِهِمْ فَأَعْطَاهُ حَيْثُ لَا يَرَاهُ إِلَّا اللَّهُ وَمَنْ أَعْطَاهُ»[ أخرجه أحمد في مسنده 35/286، وهو حديث صحيح، رجاله رجال الشيخين كما قال الشيخ شعيب الأرناؤوط]. [والملق: هو التودد واللطف الشديد، ويأتي بمعنى الدعاء والتضرع. انظر: تهذيب اللغة للأزهري، ومختار الصحاح، ولسان العرب: مادة ملق].

فحب الله تعالى لهذا المؤمن إنما كان لتملقه بين يديه، بالتضرع والدعاء مقروناً بالتلطف والتودد إليه سبحانه.

ولذلك نجد أن الله تعالى أمر نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم أن يجالس المؤمنين الذين يذكرون الله ويهللونه، ويحمدونه ويسبحونه ويكبرونه، ويسألونه بكرة وعشيًا، دائبين على الدعاء في كل وقت.[انظر: تفسير الكشاف للزمخشري 4/9 ، وتفسير ابن كثير 5/152].

وإنما خص الله تعالى هذين الوقتين بالذكر لشرفهما، قال تعالى:( وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ )[الكهف: ٢٨]؛ ونهى نبيه صلى الله عليه وسلم كذلك عن إبعاد هؤلاء المؤمنين وطردهم بسبب فقرهم وضعفهم لمَّا طلب زعماء المشركين منه ذلك، فقال: (وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ ) [الأنعام: ٥٢].

والدعاء من أعظم أشكال العبادة لله تعالى، بل هو العبادة بعينها، وهو صلاح الناس في دنياهم وأخراهم، ولذلك ندب الله تعالى إليه، ووعد باستجابته، وحذر من تركه في آية واحدة، فقال: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ)  [غافر: 60].

قال الإمام ابن كثير: (يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي) أي: عن دعائي وتوحيدي، (سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) أي: صاغرين حقيرين. [انظر: تفسير ابن كثير 7/155]

وقد جاء تفسير العبادة في هذه الآية بالدعاء عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فعَن النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:« الدُّعَاءُ هُوَ الْعِبَادَةُ» ثُمَّ قَرَأَ:)وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ..(» [أخرجه أبو داود في الصلاة برقم 1479؛ والترمذي في تفسير القرآن برقم 3247 وقال: حديث حسن صحيح واللفظ له؛ وابن ماجه في الدعاء برقم 3828].

كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الله يغضب على من لا يدعوه، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم :« مَنْ لَمْ يَدْعُ اللَّهَ سُبْحَانَهُ غَضِبَ عَلَيْهِ»[ أخرجه أحمد في المسند 2/443 برقم 9717؛ والبخاري في الأدب المفرد ص229؛ والترمذي في الدعوات برقم 3373؛ وابن ماجه في الدعاء برقم 3827.]، وفي رواية:« من لا يدعو الله يغضب عليه» [أخرجه أحمد في المسند 2/443؛ والحاكم في مستدركه 1/668 وقال: هذا حديث صحيح الإسناد، فإن أبا صالح الخوزي و أبا المليح الفارسي لم يذكرا بالجرح إنما هما في عداد المجهولين لقلة الحديث، وسكت عنه الذهبي؛ قال ابن كثير في التفسير 7/154: إسناده لا بأس به].

 

وأخبر بأن أعجز الناس ذلك الذي يهجر الدعاء، فقال صلى الله عليه وسلم :« أعجز الناس من عجز في الدعاء، وأبخل الناس من بخل بالسلام»[ ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد 8/67 عن أبي هريرة رضي الله عنه، وقال: رواه الطبراني في الأوسط وقال: لا يروى عن النبي صلى الله عليه و سلم إلا بهذا الإسناد، ورجاله رجال الصحيح غير مسروق ابن المرزبان وهو ثقة].

كيف لا؟ وقد ترك أكرم شيء على الله وهو الدعاء، ففيه إظهار الفقر والعجز والتذلل والاعتراف بقوة الله وقدرته، وهو أسرع قبولاً وأنفع تأثيراً، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:« لَيْسَ شَيْءٌ أَكْرَمَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْ الدُّعَاءِ» [أخرجه الترمذي في الدعوات برقم 3370 وقال: حسن غريب؛ وابن ماجه في الدعاء برقم 3829].

وقد ورد عن سفيان الثوري رحمه الله أنه كان يقول: « يا مَنْ أحبُّ عباده إليه مَنْ سأله فأكثرَ سؤاله، ويا من أبغض عباده إليه من لم يسأله، وليس كذلك غيرك يا رب» [انظر: تفسير ابن كثير 7/153 وقد عزاه لابن أبي حاتم].

فينبغي للمؤمن أن يلزم باب ربه في أحواله كلها، فيدعوه في كل أموره، ويرفع حوائجه إليه، ويسأله من فضله، فهو الكريم الذي لا يرد سائلاً.

وقد علمنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نلجئ إلى الله تعالى ونسأله حاجاتنا كلها، فعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :« ليسأل أحدكم ربه حاجته أو حوائجه كلها، حتى يسأله شسع نعله إذا انقطع، وحتى يسأله الملح» [مجمع الزوائد 10 / 228، وقال: رواه البزار ورجاله رجال الصحيح غير سيار بن حاتم وهو ثقة، وأخرجه الترمذي بلفظ آخر في الدعوات برقم: 3537].

وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:« سَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ، فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُحِبُّ أَنْ يُسْأَلَ، وَأَفْضَلُ الْعِبَادَةِ انْتِظَارُ الْفَرَجِ» [أخرجه الترمذي في الدعوات برقم 3494، والحديث فيه ضعف].

وللدعاء أثر عظيم في رد المكاره المقدرة على العبد، وذلك فيما علق الله وقوعه بالدعاء، فإن دعا العبد ربه دفع الله عنه تلك المكاره المقدَّرة، وإن لم يدع وقع المكروه المقدَّرُ، فعن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :« لا يرد القدر إلا الدعاء، ولا يزيد في العمر إلا البر،  وإن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه» [أخرجه الحاكم في المستدرك 1/493، وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي].

وورد هذا المعنى بلفظ آخر عَن سَلْمَانَ الفارسي رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:« لَا يَرُدُّ الْقَضَاءَ إِلَّا الدُّعَاءُ، وَلَا يَزِيدُ فِي الْعُمْرِ إِلَّا الْبِرُّ»[ أخرجه الترمذي في القدر برقم 2139 وقال: حسن غريب؛ والحاكم في المستدرك 1/670 برقم 1814 في كتاب الدعاء والتكبير والتهليل عن ثوبان، بلفظ: لا يرد القدر إلا الدعاء، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه]، والقضاء هنا بمعنى:  الأمر المقدر.

ولا يتنافى هذا التصور مع الاعتقاد بأن ما قدره الله تعالى كائن، لأن العباد لا يعلمون ما قدره الله وجوداً أو عدماً إلا بعد وقوعه، وقد أمرنا الشرع بالتدواي والدعاء مع أن المرض مقدور كائن، وقد قيل: الدعاء كالترس والبلاء كالسهم، والقضاء أمر مبهم مقدر في الأزل.

وكلنا يقرأ في سيرة الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما بلغ الشام وقيل له: إن بها طاعوناً، فعزم على الرجوع إلى المدينة، فقال له أبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنه:  أتفر من القضاء يا أمير المؤمنين؟ فقال: لو غيرك قالها يا أبا عبيدة، نعم نفر من قضاء الله إلى قضاء الله .[انظر: تحفة الأحوذي 6/289].

 

ـ شروط وآداب الدعاء:

وللدعاء جملة من الشروط الآداب التي ينبغي على الداعي أن يتأدب بها، ويتحلى بحليتها، فمن ذلك:

  •  الاستكانة والتذلل لله مع خشوع القلب أثناء الدعاء: فقد قال تعالى:( ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً) [الأعراف : 55].
  • قال ابن جرير الطبري: (تضَرُّعًا) تذللاً واستكانة لطاعته، (وَخُفْيَةً) بخشوع قلوبكم وصحة اليقين بوحدانيته وربوبيته فيما بينكم وبينه، لا جهاراً ومراءاة .[ينظر: تفسير ابن كثير 3/428]. أما الدعاء مع غفلة القلب عن الله فهو أبعد ما يكون عن الاستجابة والقبول، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن عَمْرٍو رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:« الْقُلُوبُ أَوْعِيَةٌ، وَبَعْضُهَا أَوْعَى مِنْ بَعْضٍ، فَإِذَا سَأَلْتُمْ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَيُّهَا النَّاسُ فَاسْأَلُوهُ وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالْإِجَابَةِ، فَإِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَجِيبُ لِعَبْدٍ دَعَاهُ عَنْ ظَهْرِ قَلْبٍ غَافِلٍ» [أخرجه أحمد في مسنده 2/177؛ وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد 10/222 وقال: رواه أحمد وإسناده حسن].

     وجوب الإخلاص لله تعالى في الدعاء: قال تعالى: ( فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ) [غافر : 14]

  •  البدء بحمد الله تعالى والثناء عليه، ثم الصلاة على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وختم الدعاء بهما: فالحمد لله من أفضل الدعاء فعن جَابِر بْن عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:« أَفْضَلُ الذِّكْرِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَفْضَلُ الدُّعَاءِ الْحَمْدُ لِلَّهِ» [أخرجه الترمذي في الدعوات برقم 3383 وقال: حسن غريب؛ وابن ماجه في الأدب برقم 3800؛ والنسائي في السنن الكبرى 6/208 برقم 10667؛ وابن حبان في صحيحه 3/126 وأشار الشيخ أرناؤوط إلى حسنه؛ والحاكم في المستدرك 1/676 برقم 1834 وقال: صحيح الإسناد ]. وقد افتتح الله تعالى كتابه بالفاتحة وجعل مطلعها حمداً لله وثناء عليه، قبل أن يذكر الدعاء والسؤال ليعلمنا حمده والثناء عليه قبل سؤاله والطلب منه، وقد وردت الآثار بذلك، منها ما روي عن فَضَالَةَ بْنَ عُبَيْدٍ رضي الله عنه قال: سَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَجُلًا يَدْعُو فِي صَلَاتِهِ لَمْ يُمَجِّدْ اللَّهَ تَعَالَى وَلَمْ يُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:« عَجِلَ هَذَا»، ثُمَّ دَعَاهُ فَقَالَ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ:« إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَبْدَأْ بِتَمْجِيدِ رَبِّهِ جَلَّ وَعَزَّ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ، ثُمَّ يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ يَدْعُو بَعْدُ بِمَا شَاءَ» [أخرجه أبو داود في الصلاة برقم 1481؛ والترمذي في الدعوات برقم 3477 وقال: حديث حسن صحيح؛ والنسائي في السهو برقم 1284]، وروي موقوفاً عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه أنه قَالَ:« إِنَّ الدُّعَاءَ مَوْقُوفٌ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا يَصْعَدُ مِنْهُ شَيْءٌ حَتَّى تُصَلِّيَ عَلَى نَبِيِّكَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» [أخرجه الترمذي في الصلاة 2/356 برقم 486 موقوفاً على سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه؛ وقال الحافظ العراقي في شرحه : وهو وإن كان موقوفاً عليه فمثله لا يقال من قبل الرأي، وإنما هو أمر توقيفي فحكمه حكم المرفوع كما صرح به جماعة من الأئمة أهل الحديث والأصول؛ وقد استشهد به ابن حجر في الفتح 5/279، ونقل كلام ابن العربي: «ومثل هذا لا يقال من قبل الرأي فيكون له حكم المرفوع». وحسنه الألباني مرة وضعفه أخرى]. قال الإمام النووي رحمه الله:« أجمع العلماء على استحباب ابتداء الدعاء بالحمد للّه تعالى والثناء عليه، ثم الصلاة على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وكذلك يختم الدعاء بهما، والآثار في هذا الباب كثيرة معروفة...» [الأذكار 1/129].
  •  العزم على الله بالدعاء وعدم تعليقه بالمشيئة، فإرادة الله نافذة ولا مُكْرِه له، وإذا أراد شيئاً كان، وقد وعد الله عباده بالإجابة عند الدعاء فقال تعالى: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) [غافر :60]، وقال: ( وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ)[البقرة : 186]، وعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم :« إِذَا دَعَوْتُمْ اللَّهَ فَاعْزِمُوا فِي الدُّعَاءِ، ولا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ: إِنْ شِئْتَ فَأَعْطِنِي، فَإِنَّ اللَّهَ لَا مُسْتَكْرِهَ لَهُ» [أخرجه البخاري في التوحيد برقم 7026؛ ومسلم في الذكر والدعاء برقم 2678]، وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:« لَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي إِنْ شِئْتَ، اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي إِنْ شِئْتَ، لِيَعْزِمْ فِي الدُّعَاءِ فَإِنَّ اللَّهَ صَانِعٌ مَا شَاءَ لَا مُكْرِهَ لَهُ» [أخرجه البخاري في الدعوات برقم 5980؛ ومسلم في الذكر والدعاء برقم 2679].
  •  رفع اليدين للدعاء ثم مسح الوجه بهما عند ختمه فعَن عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:«كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا رَفَعَ يَدَيْهِ فِي الدُّعَاءِ لَمْ يَحُطَّهُمَا حَتَّى يَمْسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ» [أخرجه الترمذي في الدعوات برقم 3386 وقال: حديث غريب، وفي بعض النسخ: صحيح غريب؛ والحاكم في المستدرك 1/719 برقم 1967 ولم يعلق عليه؛ قال ابن حجر في بلوغ المرام: له شواهد منها حديث ابن عباس عن أبي داود، ومجموعها يقتضي أنه حديث حسن. ونقل الزيلعي في نصب الراية 3/52 قول الإمام النووي: وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ عليه السلام رَفَعَ يَدَيْهِ فِي الدُّعَاءِ، ذَكَرْت مِنْ ذَلِكَ نَحْوَ عِشْرِينَ حَدِيثًا فِي "شَرْحِ الْمُهَذَّبِ"، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ]، ولا بأس بأن يبالغ في بعض الأحيان برفع اليدين فعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي الدُّعَاءِ حَتَّى يُرَى بَيَاضُ إِبْطَيْهِ [ أخرجه البخاري في الجمعة برقم 984؛ ومسلم في الاستسقاء برقم 895]، كما أن رفع اليدين بالدعاء مظنة للاستجابة، فعَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:« إِنَّ اللَّهَ حَيِيٌّ كَرِيمٌ يَسْتَحْيِي إِذَا رَفَعَ الرَّجُلُ إِلَيْهِ يَدَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُمَا صِفْرًا خَائِبَتَيْنِ » [أخرجه أحمد في مسنده 5/438؛ وأبو داود في الصلاة برقم 1488؛ والترمذي في الدعوات برقم 3556 وقال: هذا حديث حسن غريب؛ وابن ماجه في الدعاء برقم 3865؛ وابن حبان في صحيحه 3/160 برقم 876؛ والحاكم في المستدرك 1/675 وقال: إسناده صحيح على شرط الشيخين].

  • فإن لم يرفع يديه عند الدعاء فله أن يشير بأصبع السبابة إلى السماء فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: أَنَّ رَجُلًا كَانَ يَدْعُو بِإِصْبَعَيْهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:« أَحِّدْ أَحِّدْ» [أخرجه الترمذي في الدعوات برقم 3557 وقال: حسن صحيح غريب؛ والنسائي في السهو برقم 1272؛ ورواه عن سعد بن أبي وقاص أبو داود في الصلاة 1499؛ والنسائي في السهو برقم 1273].
  •  عدم التكلف في الدعاء وتجنب السجع، فلم يكن ذلك من هدي النبي صلى الله عليه وسلم ولا من هدي من بعده، فعَنِ الشَّعْبِيِّ رحمه الله قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ لِابْنِ أَبِي السَّائِبِ قَاصِّ أَهْلِ الْمَدِينَةِ: ثَلَاثًا لَتُبَايِعَنِّي عَلَيْهِنَّ أَوْ لَأُنَاجِزَنَّكَ، فَقَالَ: مَا هُنَّ؟ بَلْ أَنَا أُبَايِعُكِ يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، قَالَتْ: اجْتَنِبْ السَّجْعَ مِنْ الدُّعَاءِ، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ r وَأَصْحَابَهُ كَانُوا لَا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ ..[ أخرجه أحمد في المسند 6/217 برقم 25862؛ وذكره الهيثمي في المجمع 1/453برقم 915 وقال: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح ورواه أبو يعلى بنحوه].

  •  عدم رفع البصر إلى السماء عند الدعاء، فقد ورد النهي والتحذير عن هذا الفعل، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:« لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ عَنْ رَفْعِهِمْ أَبْصَارَهُمْ عِنْدَ الدُّعَاءِ فِي الصَّلَاةِ إِلَى السَّمَاءِ أَوْ لَتُخْطَفَنَّ أَبْصَارُهُمْ» [أخرجه البخاري في الأذان برقم 717؛ ومسلم في الصلاة 429واللفظ له].
  •  عدم استعجال الداعي لاستجابة الدعاء، فما من دعوة يدعوها العبد إلا ويستجيبها الله تعالى مالم تكن بطلب إثم أو قطيعة رحم، ولكن صور الاستجابة ووقتها مرهون بحكمة الله تعالى وعلمه، فهو تعالى يجيب العبد في الوقت الذي يريد لا في الوقت الذي نريد، وعلى الوجه الذي يريد لا على الوجه الذي نريد، وقد بين لنا ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم أجلى بيان، فعن أبي سعيد رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:« ما من مسلم يدعو الله بدعوة ليس فيها مأثم و لا قطيعة رحم إلا أعطاه إحدى ثلاث: إما أن يستجيب له دعوته، أو يصرف عنه من السوء مثلها، أو يدخر له من الأجر مثلها، قالوا: يا رسول الله إذا نكثر، قال: الله أكثر» [أخرجه الحاكم في المستدرك 1/493، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد إلا أن الشيخين لم يخرجاه عن علي بن علي الرفاعي، ووافقه الذهبي]، فلا ينبغي للعبد أن يترك الدعاء لعدم تحقق مطلوبه على الوجه الذي سأل، فقد تكون إجابة دعائه قد تحققت بوجوه أخرى هي أنفع له، فعَن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ:« لَا يَزَالُ يُسْتَجَابُ لِلْعَبْدِ مَا لَمْ يَدْعُ بِإِثْمٍ أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ مَا لَمْ يَسْتَعْجِلْ»، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الِاسْتِعْجَالُ؟ قَالَ:« يَقُولُ: قَدْ دَعَوْتُ وَقَدْ دَعَوْتُ فَلَمْ أَرَ يَسْتَجِيبُ لِي، فَيَسْتَحْسِرُ عِنْدَ ذَلِكَ وَيَدَعُ الدُّعَاءَ» [أخرجه مسلم في الذكر والدعاء برقم 2735]، بل إن استجابة الدعاء مرهونة بتسليم العبد أمره لله، وتحسين الظن بمولاه، وهو عند حسن ظن عبده به، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:« يُسْتَجَابُ لِأَحَدِكُمْ مَا لَمْ يَعْجَلْ، يَقُولُ: دَعَوْتُ فَلَمْ يُسْتَجَبْ لِي» [أخرجه البخاري في الدعوات برقم 5981؛ ومسلم في الذكر والدعاء برقم 2735].

  •  لزوم الدعاء في كل الأوقات والأحوال، لأن من لزم طرقَ بابِ مولاه في الرخاء والنعماء، عجل الله له الاستجابة في الشدائد والبأساء، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: « مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَسْتَجِيبَ اللَّهُ لَهُ عِنْدَ الشَّدَائِدِ وَالْكَرْبِ فَلْيُكْثِرْ الدُّعَاءَ فِي الرَّخَاءِ» [أخرجه الترمذي في الدعوات برقم 3382 وقال حديث غريب؛ والحاكم في المستدرك في كتاب الدعاء والتكبير 1/729 برقم 1997 وقال: صحيح الإسناد؛ وأبو يعلى في المسند 11/284 وقال محققه حسين أسد عن الحديث: حسن].
  •  أن يدعو الله تعالى دعاء مضطر ملهوف مفتقر لفضل الله وعطائه، فهو أجدر بالإجابة والعطاء، وهذا ما أشار الله تعالى إليه بقوله: ( أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ) [النمل : 62].

  •  تجنب رفع الصوت في الدعاء لأنه مكروه، والله سميع لدعائه وأقواله، يعلم سره ونجواه، قال ابن جُرَيْج: « يكره رفع الصوت والنداء والصياحُ في الدعاء، ويؤمر بالتضرع والاستكانة» [تفسير ابن كثير 3/428]، وعَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَكُنَّا إِذَا أَشْرَفْنَا عَلَى وَادٍ هَلَّلْنَا وَكَبَّرْنَا ارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُنَا فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:« يَا أَيُّهَا النَّاسُ ارْبَعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ فَإِنَّكُمْ لَا تَدْعُونَ أَصَمَّ وَلَا غَائِبًا إِنَّهُ مَعَكُمْ إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ تَبَارَكَ اسْمُهُ وَتَعَالَى جَدُّهُ» [أخرجه البخاري في الجهاد والسير برقم 2830؛ ومسلم في الذكر والدعاء برقم 2704].
  •  عدم التعدي في الدعاء، وذلك بأن يحدد تفاصيل مسألته ودعائه، أو يرفع صوته به، فقد حذر الله تعالى من ذلك في سياق الأمر بالدعاء فقال: ( ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) [الأعراف : 55]، وورد أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مُغَفَّلٍ رضي الله عنه سَمِعَ ابْنَهُ يَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْقَصْرَ الْأَبْيَضَ عَنْ يَمِينِ الْجَنَّةِ إِذَا دَخَلْتُهَا، فَقَالَ: أَيْ بُنَيَّ؛ سَلْ اللَّهَ الْجَنَّةَ وَعُذْ بِهِ مِنْ النَّارِ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:« سَيَكُونُ قَوْمٌ يَعْتَدُونَ فِي الدُّعَاءِ» [أخرجه أحمد في المسند 4/87 برقم 16847؛ وابن ماجه في الدعاء برقم 3864؛ والحاكم في المستدرك 1/724 برقم 1979 وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه؛ وابن حبان في صحيحه 15/166 بإسناد صحيح على شرط مسلم]. وورد مثل ذلك عن ابن لسعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أنه قال: سمعني أبي وأنا أقول اللهم إني أسألك الجنة ونعيمها وبهجتها وكذا وكذا، وأعوذ بك من النار وسلاسلها وأغلالها وكذا وكذا، فقال: يا بني إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:« سيكون قوم يعتدون في الدعاء» فإياك أن تكون منهم، إن أعطيت الجنة أعطيتها وما فيها، وإن أعذت من النار أعذت منها وما فيها من الشر.[ أخرجه أبو داود في باب الدعاء 1/466 برقم 1480؛ وابن ماجه في الدعاء 2/1271 برقم 3864، وهو صحيح].

     تخير جوامع الأدعية من المأثور وغيره، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يستحب ذلك، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستحب الجوامع من الدعاء ويدع ما سوى ذلك.[ أخرجه أبو داود في الدعاء 1/467 برقم 1482؛ وابن ماجه 2/1263؛ وأخرجه الحاكم في المستدرك 1/723 بلفظ: أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يعجبه الجوامع من الدعاء و يترك ما بين ذلك]. والأدعية الجامعة: هي التي تجمع مع وجازتها وقصرها خير الدنيا والآخرة، أو تجمع الأغراض الصالحة والمقاصد الصحيحة، نحو قوله تعالى:( رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ )[البقرة : 201] فقد كانت من أكثر دعاء نبينا صلى الله عليه وسلم، وروي عن عائشة رضي الله عنها قالت: دخل عليّ النبي صلى الله عليه و سلم وأنا أصلي وله حاجة فأبطأت عليه، قال:« يا عائشة عليك بجمل الدعاء وجوامعه»، فلما انصرفت، قلت: يا رسول الله وما جمل الدعاء وجوامعه؟ قال: « قولي اللهم إني أسألك من الخير كله عاجله وآجله ما علمت منه وما لم أعلم، وأعوذ بك من الشر كله عاجله وآجله ما علمت منه وما لم أعلم، وأسألك الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل، وأعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول أو عمل، وأسألك مما سألك به محمد، وأعوذ بك مما تعوذ منه محمد، وما قضيت لي من قضاء فاجعل عاقبته رشدا» [أخرجه البخاري في الأدب المفرد 1/222 برقم 639، وهو صحيح].

     البدء بالدعاء لنفسه عند الدعاء لغيره، فقد كان ذلك من هدي النبي صلى الله عليه وسلم، فعَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رضي الله عنه:« أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا ذَكَرَ أَحَدًا فَدَعَا لَهُ بَدَأَ بِنَفْسِهِ» [أخرجه أحمد في المسند 5/121 بإسناد صحيح على شرط مسلم؛ وأبو داود في كتاب الحروف والقراءات برقم 3984؛ والترمذي في الدعوات برقم 3385 وقال: حديث حسن غريب صحيح؛ والنسائي في السنن الكبرى 6/391 برقم 11310؛ وذكره الهيثمي في المجمع عن أبي أيوب 10/233 وقال: رواه الطبراني  وإسناده حسن].

  •  الإكثار من سؤال الله تعالى العافية والمعافاة في الدنيا والآخرة فهي من أفضل الدعاء، فعَنْ أَنَسِ ابنِ مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الدُّعَاءِ أَفْضَلُ؟ قَالَ:«سَلْ رَبَّكَ الْعَافِيَةَ وَالْمُعَافَاةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ»، ثُمَّ أَتَاهُ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الدُّعَاءِ أَفْضَلُ؟ فَقَالَ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ أَتَاهُ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ فَقَالَ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ، قَالَ:« فَإِذَا أُعْطِيتَ الْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَأُعْطِيتَهَا فِي الْآخِرَةِ فَقَدْ أَفْلَحْتَ» [أخرجه الترمذي في الدعوات برقم 3512 وقال: حديث حسن غريب؛ وابن ماجه  2/1265 برقم 3848. والحديث حسن بشواهده].

 إحسان الظن بالله وسؤاله أعظم الأماني، فالله كريم جواد، يحب أن يسأل، فعَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِيهِ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:« لِيَنْظُرَنَّ أَحَدُكُمْ مَا الَّذِي يَتَمَنَّى، فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي مَا يُكْتَبُ لَهُ مِنْ أُمْنِيَّتِهِ» [أخرجه أحمد في المسند 2/387 برقم 9012؛ والترمذي في الدعوات برقم 3971 وقال: هذا حديث حسن؛ وذكره الهيثمي في المجمع 10/230 برقم 17226 وقال: رواه أحمد وأبو يعلى وإسناد أحمد رجاله رجال الصحيح]، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:« إن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيل الله، ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض، فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس فإنه أوسط الجنة، وأعلى الجنة» [أخرجه البخاري 3/1028 برقم 2637]، وروي بلفظ: « الجنة مائة درجة، بين كل درجتين كما بين السماء و الأرض، و الفردوس من أعلاها درجة، ومنها تفجر أنهار الجنة، فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس» [أخرجه الحاكم في المستدرك 1/153 وقال: صحيح على شرطهما ووافقه الذهبي].

ـ الظروف المستحبة للدعاء:

لا شك أن الدعاء في كل الأماكن والأوقات عمل مستحب مبرور، إلا أن الله تعالى اختص بعضها على بعض بمزيد من الفضل والمزية، فمن ذلك:

  •  الدعاء عند الأذان وعند نزول الغيث وعند لقاء العدو فإنه لا يرد، فعن سهل بن سعد رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « ثنتان ما تردان: الدعاء عند النداء وتحت المطر» [أخرجه أبو داود في الجهاد برقم 2540؛ والحاكم في المستدرك في الجهاد 2/124 برقم 2534وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي؛ البيهقي في السنن الكبرى 3/360 برقم 6251]، وعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:« إذا نادى المنادي فتحت أبواب السماء واستجيب الدعاء» [أخرجه الحاكم في المستدرك 1/731 برقم 2004 وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه]، وعن سَهْل بن سَعْدٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:« ثِنْتَانِ لا تُرَدَّانِ، أَوْ قَلَّ مَا تُرَدَّانِ، الدُّعَاءُ عِنْدَ النِّدَاءِ، وَعِنْدَ الْبَأْسِ حِينَ يُلْحِمُ بَعْضُهُ بَعْضًا» [ أخرجه أبو داود في الجهاد برقم 2540؛ والدارمي في الصلاة برقم 1200؛ والحاكم في المستدرك في الجهاد 2/124 برقم 2534وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي؛ البيهقي في السنن الكبرى 3/360 برقم 6251].
  •  الدعاء بين الأذان والإقامة لا يرد، فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:« الدُّعَاءُ لَا يُرَدُّ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ» [أخرجه الترمذي في الصلاة برقم 212 وقال: حديث حسن صحيح].
  •  الدعاء في السجود حيث القرب والتجلي، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:« أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ فَأَكْثِرُوا الدُّعَاءَ» [أخرجه مسلم في الصلاة برقم 482؛ وأبو داود في الصلاة برقم 875؛ والنسائي في التطبيق برقم 1137]، وعن ابن عباس رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:« إني نهيت أن اقرأ راكعاً أو ساجداً، فأما الركوع فعظموا الرب فيه، وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء فقمن (حقيق وجدير) أن يستجاب لكم» [أخرجه مسلم في صحيحه في باب النهي عن قراءة القرآن في الركوع والسجود 1/348 برقم 479].
  •  الدعاء في جوف الليل وبعد الصلوات المكتوبة حيث صفاء النفس والروح والتجلي الإلهي، فعَنْ أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنه قَالَ: قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم  أَيُّ الدُّعَاءِ أَسْمَعُ؟ قَال:« جَوْفَ اللَّيْلِ الْآخِرِ وَدُبُرَ الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَاتِ» [أخرجه الترمذي في الدعوات برقم 3499 وقال: حديث حسن، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي ذَرٍّ وَابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ:« جَوْفُ اللَّيْلِ الْآخِرُ الدُّعَاءُ فِيهِ أَفْضَلُ أَوْ أَرْجَى» أَوْ نَحْوَ هَذَا ؛ والنسائي في السنن الكبرى 6/322برقم 9936]، وعن عَمرو بن عَبَسَةَ رضي الله عنه قال: سَمِعت النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:«أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الرَّبُّ مِنْ الْعَبْدِ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ الْآخِرِ، فَإِنْ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَكُونَ مِمَّنْ يَذْكُرُ اللَّهَ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ فَكُنْ» [أخرجه أبو داود في الصلاة  برقم 1277؛ والترمذي في الدعوات برقم 3579 وقال: حديث حسن صحيح واللفظ له؛ والنسائي في المواقيت برقم 572؛ والحاكم في المستدرك 1/453 برقم 116 وقال: حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه]، وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:« يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الْآخِرُ فَيَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ، وَمَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ، وَمَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ»[ أخرجه البخاري في الجمعة برقم 1094؛ ومسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها برقم 758].
  •  الإكثار من الدعاء يوم الجمعة خصوصاً بين يدي الخطيب ومن بعد صلاة العصر إلى المغرب، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ذَكَرَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَقَالَ:« فِيهِ سَاعَةٌ لَا يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي يَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى شَيْئًا إِلَّا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ» وَأَشَارَ بِيَدِهِ يُقَلِّلُهَا. وفي رواية لمسلم: « وهي ساعة خفيفة».[أخرجه البخاري في الجمعة برقم 893؛ ومسلم في الجمعة برقم 852].
  • وعَنْ أَبِي بُرْدَةَ عن أبيه أبي موسى الأشعري رضي الله عنهما قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:« هِيَ مَا بَيْنَ أَنْ يَجْلِسَ الْإِمَامُ إِلَى أَنْ تُقْضَى الصَّلَاةُ» [أخرجه مسلم في الجمعة برقم 853]. وفي سنن الترمذي ذكر أن أبا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال: فَلَقِيتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلَامٍ فَذَكَرْتُ لَهُ هَذَا الْحَدِيثَ، فَقَالَ: أَنَا أَعْلَمُ بِتِلْكَ السَّاعَةِ، فَقُلْتُ: أَخْبِرْنِي بِهَا وَلَا تَضْنَنْ بِهَا عَلَيَّ، قَالَ: هِيَ بَعْدَ الْعَصْرِ إِلَى أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ، فَقُلْتُ: كَيْفَ تَكُونُ بَعْدَ الْعَصْرِ؟! وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: « لا يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ وَهُوَ يُصَلِّي..»، وَتِلْكَ السَّاعَةُ لَا يُصَلَّى فِيهَا؟ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ: أَلَيْسَ قَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم :«مَنْ جَلَسَ مَجْلِسًا يَنْتَظِرُ الصَّلَاةَ فَهُوَ فِي صَلَاةٍ»، قُلْتُ: بَلَى، قَالَ: فَهُوَ ذَاكَ . [الترمذي: 491؛ وقال: حديث حسن صحيح]. فيستحب الإكثار من الدعاء يوم الجمعة عموماً، لفضيلة هذا اليوم وعظم مكانته عند الله تعالى، رجاء إدراك الساعة التي أخبر عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والتي يستجيب الله تعالى فيها دعاء من دعاه وسأله، ما لم يكن في الدعاء تعد، أو إثم أو قطيعة رحم. وقد ذكر ابن حجر في شرحه للحديث في فتح الباري أكثر من أربعين قولاً، وأصح ما قيل في تحديد هذه الساعة هو ما صح مرفوعاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهما وقتان: الأول: من صعود الإمام على المنبر إلى انصرافه من الصلاة، لحديث أبي موسى في مسلم. قال الإمام النووي: « وَالصَّحِيح بَلْ الصَّوَاب مَا رَوَاهُ مُسْلِم مِنْ حَدِيث أَبِي مُوسَى» [شرح صحيح مسلم 6/141]. الثاني: من بعد صلاة العصر إلى المغرب لحديث عبد الله بن سلام وجابر بن عبد الله. قال أبو عيسى الترمذي في سننه: « وَرَأَى بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرِهِمْ أَنَّ السَّاعَةَ الَّتِي تُرْجَى فِيهَا بَعْدَ الْعَصْرِ إِلَى أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ، وَبِهِ يَقُولُ أَحْمَدُ وَإِسْحَقُ، وقَالَ أَحْمَدُ: أَكْثَرُ الْأَحَادِيثِ فِي السَّاعَةِ الَّتِي تُرْجَى فِيهَا إِجَابَةُ الدَّعْوَةِ أَنَّهَا بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ وَتُرْجَى بَعْدَ زَوَالِ الشَّمْسِ» .[ ينظر سنن الترمذي 2/361].
  •  الإكثار من الدعاء يوم عرفة، فخير الدعاء دعاؤها، حيث يحتشد حجاج بيت الله الحرام في صعيد عرفات في موقف مهيب عظيم، مهللين ومكبرين وملبين جاؤوا من كل فج عميق، فعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:« خَيْرُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَخَيْرُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» [أخرجه الترمذي  في الدعوات برقم 3585 وقال: حديث حسن غريب.  قلت: هو حسن بشواهده].
  •  الإكثار من الدعاء في وقت الرخاء، فهو ضمانة الاستجابة في وقت الشدة، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: « مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَسْتَجِيبَ اللَّهُ لَهُ عِنْدَ الشَّدَائِدِ وَالْكَرْبِ فَلْيُكْثِرْ الدُّعَاءَ فِي الرَّخَاءِ».[ أخرجه الترمذي في الدعوات برقم 3382 وقال حديث غريب؛ والحاكم في المستدرك في كتاب الدعاء والتكبير 1/729 برقم 1997 وقال: صحيح الإسناد؛ وأبو يعلى في المسند 11/284 وقال محققه حسين أسد عن الحديث: حسن].
  •  الدعاء عند صياح الديكة، لأنها لا تصيح إلا إذا رأت ملكاً، وقد حثنا النبي صلى الله عليه وسلم على أن نسأل الله من فضله، فعن أبي هريرةَ رضي اللّه عنه، عن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم قال: « إذَا سَمِعْتُمْ نُهَاقَ الحَمِيرِ فَتَعَوَّذُوا باللّه مِنَ الشَّيْطانِ، فإنَّهَا رأتْ شَيْطاناً؛ وَإذا سَمِعْتُمْ صِياحَ الدّيَكَةِ فاسْأَلُوا اللّه مِنْ فَضْلِهِ فإنَّها رأتْ مَلَكاً » [أخرجه البخاري في باب: خير مال المسلم 3/1202 برقم 3127؛ ومسلم في باب: استحباب الدعاء عند صياح الديكة 4/2092 برقم 2729].

ـ دعوات مستجابات:

سبق أن قلنا بأنه ما من دعوة يدعوها عبد إلا ويستجيبها الله تعالى له ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم، ولكن تتعدد صور الاستجابة من الله تعالى كما ورد في الحديث عن عُبَادَةَ بْن الصَّامِتِ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:« مَا عَلَى الْأَرْضِ مُسْلِمٌ يَدْعُو اللَّهَ بِدَعْوَةٍ إِلَّا آتَاهُ اللَّهُ إِيَّاهَا، أَوْ صَرَفَ عَنْهُ مِنْ السُّوءِ مِثْلَهَا، مَا لَمْ يَدْعُ بِإِثْمٍ أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ»، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ: إِذًا نُكْثِرُ، قَالَ:« اللَّهُ أَكْثَرُ» [أخرجه أحمد في المسند 1/381 برقم 3618؛ والترمذي في الدعوات برقم 3573؛ والحاكم في المستدرك 3/354 برقم 5368 وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي؛ وقد صححه ابن حجر في الفتح 5/159].

أما هذه الدعوات التي نحن بصدد الحديث عنها هي أسرع إجابة، وتأتي على وفق ما يسأل العبد ربه مالم يدع بإثم أو قطيعة رحم، من ذلك:

  •  دعوة المظلوم، ودعوة المسافر، ودعوة الوالد على ولده، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:« ثَلَاثُ دَعَوَاتٍ مُسْتَجَابَاتٌ: دَعْوَةُ الْمَظْلُومِ، وَدَعْوَةُ الْمُسَافِرِ، وَدَعْوَةُ الْوَالِدِ عَلَى وَلَدِهِ» [أخرجه البخاري في الأدب المفرد ص25ـ169؛ وأحمد في المسند 2/258 برقم 7501؛ وأبو داود في الصلاة برقم 1536؛ والترمذي في الدعوات برقم 3448 وقال: حديث حسن؛ وابن ماجه في الدعاء برقم 3862]، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:« ودعوة المظلوم يرفعها الله فوق الغمام ويفتح لها أبواب السماء، ويقول الرب: وعزتي لأنصرنك ولو بعد حين»[أخرجه أحمد في المسند 2/445؛ والترمذي في باب العفو والعافية 5/578 برقم 3598 وقال: حديث حسن].
  •  دعوة الصائم حين يفطر، ودعوة الإمام العادل، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: « ثلاثة لا ترد دعوتهم: الصائم حتى يفطر، والإمام العادل، ودعوة المظلوم يرفعها الله فوق الغمام ويفتح لها أبواب السماء ويقول الرب: وعزتي لأنصرنك ولو بعد حين» [أخرجه أحمد في المسند 2/445؛ والترمذي في باب العفو والعافية 5/578 برقم 3598 وقال: حديث حسن].
  •  دعوة الوالد على ولده، ودعوة المسافر، فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:« ثَلاَثُ دَعَوَاتٍ لاَ تُرَدُّ: دَعْوَةُ الْوَالِدِ، وَدَعْوَةُ الصَّائِمِ، وَدَعْوَةُ الْمُسَافِرِ» [أخرجه البيهقي في السنن الكبرى 3/345 برقم 6619؛ وفي شعب الإيمان 3/300 ].
  •  دعاء الحجاج والعمار لبيت الله الحرام، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ:« الْحُجَّاجُ وَالْعُمَّارُ وَفْدُ اللَّهِ إِنْ دَعَوْهُ أَجَابَهُمْ وَإِنْ اسْتَغْفَرُوهُ غَفرَ لَهُمْ» [أخرجه ابن ماجه في المناسك برقم 2892؛ وذكره المنذري في الترغيب والترهيب 2/107 وقال: رواته ثقات؛ وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد 3/484 وقال: رواه البزار ورجاله ثقات عن جابر].
  •  دعاء الأخ لأخيه بظهر الغيب، فعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « دَعْوَةُ الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ لِأَخِيهِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ مُسْتَجَابَةٌ، عِنْدَ رَأْسِهِ مَلَكٌ مُوَكَّلٌ، كُلَّمَا دَعَا لِأَخِيهِ بِخَيْرٍ قَالَ الْمَلَكُ الْمُوَكَّلُ بِهِ، آمِينَ، وَلَكَ بِمِثْلٍ» [أخرجه مسلم في الذكر والدعاء برقم 2733ْ.
  •  الإكثار من دعاء ذي النون وهو في بطن الحوت، فعَنْ سَعْدٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:« دَعْوَةُ ذِي النُّونِ إِذْ دَعَا وَهُوَ فِي بَطْنِ الْحُوتِ: )لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنْ الظَّالِمِينَ(، فَإِنَّهُ لَمْ يَدْعُ بِهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ فِي شَيْءٍ قَطُّ إِلَّا اسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ » [أخرجه أحمد في المسند 1/170؛ و الترمذي في الدعوات5/529 برقم 3505؛ والنسائي في السنن الكبرى 6/152؛ والحاكم في المستدرك 2/637 برقم 4121 وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي], وذكر ابن السني في عمل اليوم والليلة عن سعد بن أبي وقاص رضي اللّه عنه قال: سمعتُ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول : « إِني لأَعْلَمُ كَلِمَةً لا يَقُولُهَا مَكْرُوبٌ إِلاَّ فُرِّجَ عَنْهُ : كَلِمَةَ أخي يُونُسَ صَلَّى اللّه عليه وسلَّمَ ) فنَادَى فِي الظُّلُماتِ أنْ لا إِلهَ إِلاَّ أنْتَ سُبْحانَكَ إني كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ( [الأنبياء: 87 ] [انظر: الأذكار للإمام النووي ص 134].

 

فاللهم وفقنا لحسن التوجه إليك، واهدنا لأحب الأعمال إليك، ولا تجعل حاجتنا وافتقارنا إلا إليك، واقض لعبادك حوائج وهموماً رفعت إليك، لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك...

 

المصدر : الهيئة العامة لعلماء المسلمين في سوريا

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع