محمد حسن العلي
تصدير المادة
المشاهدات : 7149
شـــــارك المادة
" ومن ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة " كانت هذه هي العبارة الثانية التي أجاب بها ذلك القائد الرباني ربعي قائد الفرس رستم، فالدنيا ضيقة و هي جاثمة على صدور عبّادها و اللاهثين وراءها ، فكل من ملك من الدنيا ما يتمناه المتمنون وتمكن حبها من قلوبهم، هؤلاء كلهم تجثم الدنيا على صدورهم و تضيق عليهم أنفاسهم و هذا قول ربنا الذي لا تخفى عليه خافية {فَمَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ} (125) سورة الأنعام.
هي من معجزات القرآن الذي نزل قبل أن يعرف العلم الحديث طبقات الجو وأن الأكسجين الضروري لحياة الإنسان ينقص كلما ارتفعنا و ابتعدنا عن الأرض وعندها يشعر الإنسان بضيق الصدر والاختناق بسبب نقص الأكسجين، فكل الإنسان سجين مكبل بقيود الشهوات والمغريات التي سُلطت عليه، عندما يتحرر قلبه من تلك الأثقال و يراها بعين اليقين أنها كجناح بعوضة كما وصفها النبي الكريم -عليه الصلاة و السلام- عندها تنطلق تلك الروح و هذا القلب ليسرح و يفرح و يسعد بلذة القرب والأنس من ربه عز و جل {قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ} (58) سورة يونس. فابن القيم ذلك الإمام الجليل -رحمه الله- قال: "لقد خرج أهل الدنيا من الدنيا و لم يتذوقوا ألذ ما فيها، قالوا: و ما ألذ ما فيها يا إمام. قال: قال لذة القرب و الاستئناس بالله عز وجل " و قد جاء يهودي إلى الشيخ الرباني عبد القادر الجيلاني -رحمه الله- فقال اليهودي: يقول رسولكم إن "الدنيا سجن المؤمن و جنة الكافر"، فهل النعمة التي أراها عليك سجن لك والفقر المدقع الذي أعيشه أنا هو نعمة علي، فنطق ذلك الإمام الرباني الذي ألهمه الله الحجة قال: نعم ، هذا النعيم الذي تراني فيه هو سجن بالنسبة لما أعده الله للصالحين من عباده من النعيم الذي لا عين رأت و لا أذن سمعت بمثله ، و أما هذا الفقر الذي تعانيه أنت فهو النعيم بالنسبة للجحيم المقيم الذي ينتظرك إذا لم تتب إلى ربك" فكانت تلك العبارة سببا لإسلام ذلك اليهودي. ولذلك كان ذلك الجيل الذي تربى و تخرج من مدرسة النبوة المحمدية على صاحبها أفضل الصلاة و السلام قد تحررت قلوبهم من شهوات الدنيا و سمت أرواحهم فعاشوا لله و بالله و لم تعد الدنيا عندهم سوى ظل شجرة استظل بها راكب ثم راح و تركها . ففي غزوة بدر و عندما تقابل الجمعان سأل أحد الصحابة و هو عمير بن الحمام -رضي الله عنه- النبي عليه الصلاة السلام قال يا رسول الله : أرأيت إن قُتلت هل أدخل الجنة قال عليه السلام : إن قُتلت مقبل غير مدبر فستدخل الجنة ، فقال عمير -رضي الله عنه- و كانت بيده تمرات يأكل منها ليتقوى على القتال : بخ بخ ، فقال النبي -صلى الله عليه و سلم- : ما ألجأك لهذا يا عمير ، فقال : إنها لحياة طويلة إذا انتظرت حتى آكل كل هذه التمرات فألقاها من يده و اندفع نحو العدو و قاتل حتى قتل و استشهد في سبيل الله و كان له ما أراد -رضي الله عنه-. و في زمننا هذا، هل أبطال حماس وغيرهم من الشباب الذين باعوا أنفسهم لله و خرجوا بأحزمتهم الناسفة ليفتكوا بالعدو فهل هم كما قال طغاة هذا العصر يتناولون حبوب الهلوسة أم أنهم تحرروا من رق الشهوات الدنيوية فانطلقوا مسرعين للقاء الله و ليفوزوا برضوانه و رضاه بإذن الله. نعم إنها الدنيا التي غرت مواليها فقد روى أبو مسلم الخولاني عن سيدنا علي -رضي الله عنه- قال : لقد رأيت الإمام عليا بن أبي طالب يوما جالسا في محرابه و قد أرخى الليل سدوله و غارت نجومه وهو يتململ تملل السليم و يئن أنين الحزين ماسكا بلحيته و يقول آه يا دنيا غرّي غيري، أبي تشوفت أم إلي تشوقت فعيشك حقير وعمرك قصير و خطرك كبير فاه ثم آه من بعد السفر و قلة الزاد و وحشة الطريق. فهؤلاء هم طلاب و خريجوا المدرسة المحمدية -صلى الله عليه و سلم- و رضي عنهم و أرضاهم. فأسأله تعالى أن يجمعنا ممن يسير على نهجهم و يترسم خطاهم آمين آمين يا رب العالمين.
و إلى معلم آخر من معالم على طريق الثورة بإذن الله.
مجاهد مأمون ديرانية
مهدي الحموي
أبو طلحة الحولي
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة