عبد الرحمن عبد الله الجميلي
تصدير المادة
المشاهدات : 10362
شـــــارك المادة
الساعة الأولى: في جبل الزاوية: حدثني الشيخ أبو إسلام الزينو، وهو من أهالي مدينة حلب الشهباء، حدثني، ونحن جلوس في ثغر من ثغور حلب، حيث يتمركز هؤلاء الشباب المجاهدون، في حي كرم حومد، قال: حدثني شاب شهد إحدى المعارك الطاحنة في جبل الزاوية (الإدلبية) الأبية قال: جاءتنا مداهمة من عصابات الأسد المجرمة، لا تقل عن 300 مسلحاً، يقودهم عميد نصيري، بينما لا يزيد عدد شبابنا المدافعين عن أعراضهم وكرامتهم عن عشرة شباب، ينقصهم الكثير من التدريب ومعرفة أمور القتال، ولا يوجد بينهم أحد يملك مخزناً مليئاً بالرصاص، ولديهم قاذف (ار بي جي) مع حشوتين فقط...
نشبت المعركة، وانطلق الرصاص دون توقفٍ من الطرفين، وتجاوز زمن المعركة أربع ساعات، ولا يشعر أحد منا أن رصاصات بندقيته قليلة، بل يرمي، ويقاتل، وهو متوكِّل على الله عز وجل. يقول الشاب: اقتربنا من العميد النصيري، حتى لم يبق بيننا وبينه إلا ثلاثون متراً تقريباً، حتى صرنا نسمع اتصالاته ونداءاته لمن وراءه من عصابات هذا النظام، وهو يقول: أمدُّونا بالرجال، أمدُّونا بالذخيرة، أمدُّونا بالطيران، أمامنا أكثر من ألف شخص من الإرهابيين!.... الله أكبر! الله أكبر! يتابع الشاب: واستطعنا-بقدرة الله ومدده- هزيمة هؤلاء المجرمين، فَقُتِل منهم الكثير، وانشق ثلاثة منهم وانضموا إلى صفوف المجاهدين، وهرب من استطاع إلى ذلك سبيلاً. أما العميد النصيري الغادر فقد وقع صريعاً برصاص الشباب العشرة، وعُدنا إلى مواقعنا، ولم يُصب أحد منا بأذى، إلا أشياء طفيفة، ورضوضاً خفيفة، وهذا من فضل الله علينا، فالحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات. أما الثلاثة المنشقون فقد رووا لنا دواعي انشقاقهم وانضمامهم إلى الثوار، فقالوا: لم ننشق إلا لمشهد رأيناه، رأينا شباباً يلبسون ثياباً بيضاً، وعلى جياد بيض... فعلمنا أن الله معكم، وأن هذا من توفيق الله لكم، فإنا إليكم منضمون، وعلى دين الإسلام سائرون!! الساعة الثانية: الثلاثة المحاصرون: بعد إفطار حلبي شهي، اقتربت مرة أخرى من أخينا الشيخ أبي إسلام الزينو، وهمست إليه: هل لديكم أشياء أخرى لفتت انتباهكم، وإلى الثبات على الجهاد حثتكم؟! قال: أخي أبا عبدالله، كلَّ يوم نرى آية بل آيات من آيات الله تدعونا إلى الجهاد، وتحثنا على المضي في طرد هذه العصابة المجرمة: ثبات الشباب وطلبهم للشهادة آية، إقدام الأخوة دون خوف من القناصين المجرمين أو من قذائف الآثمين آية أخرى، ترى الشباب حين تمشيط بناء، تمَّ طرد النظام المجرم منه، تراهم يختلفون، كلُّ يريد أن يدخل أولاً!! كلٌّ يخاف على إخوانه من قنبلة موقوتة أو قناص مختفٍ... فلله درهم جمعياً!! ولكن اسمع هذه القصة، التي تلقيتها من مصدر صدق: في مدينة الأتارب أو تل رفعت انسحب المجاهدون بعد قصف شديد من عصابات النظام، جواً وبراً، انسحبوا، حيث نفذت الذخيرة، وهُدم البناء من حولهم، ولم يبق لهم إلا التسلسل بخفاء، خوفاً من القذائف التي تنزل عليهم كالمطر. إلا أن ثلاثة من الشبان حُوصروا في غرفة، وهم لا يملكون إلا بضعة رصاصات، التفتوا يميناً وشمالاً، نظروا في الأمر، فوجدوا أنفسهم أمواتاً لا محالة، قالوا: الأفضل ألا نموت في هذه الغرفة، إنما نخرج ونموت في سبيل الله مقبلين غير مدبرين... اتفقوا على ذلك، وأجمعوا أمرهم على الخروج. فلما هموا بالخروج إلى الأعداء سمعوا طرقة تدق باب غرفتهم... استغربوا وتعجبوا ! تقدم أحدهم وفتح الباب، فإذا برجل ضابط برتبة نقيب، سلَّم عليهم، ووضع أمامهم صندوق ذخيرة، مع عدة قنابل يدوية، وعدد من قذائف (ار بي جي(، وقبل أن يمشي قال لهم: اخرجوا من هذا المكان، فإن الكتيبة ستبيد هذه المنطقة، واسلكوا الطريق الفلاني (فحدد لهم طريقاً أكثر أمناً) فخرجوا وهم مسلحون، ونجوا بفضل من الله ورحمته!! الساعة الثالثة: إنهم في ذمة الله: قبل المغرب بنصف ساعة تقريباً زرت مدينة دير حافر شرقي حلب الشهباء، والتي تبعد عنها حوالي خمسين كيلو متراً، وهي من المدن التي تحررت-بفضل من الله ونعمته- من إجرام وسيطرة النظام الأسدي المجرم. زرتها، وزرت المدرسة التي فيها مقر الشباب المجاهدين، والعاملين على حفظ المدينة من الفوضى والفساد، والقائمين على تسيير أمورها المادية وتأمين حوائجها الاقتصادية. زرتهم، وهم ثلة من الشباب، كباراً وصغاراً، ترتسم في محياهم محبة الخير والإصلاح، والرحمة والأنس والإخلاص. قلت لهم: أين كنتم حينما قُصفتم بالطيران؟! قالوا: تفضل، وانظر بعينيك ما فعله النصيرية اللئام؟! فما الحدث؟ وما الخبر؟ هيا تأملوا ما جرى: كان مجموعة من الأخوة ( حوالي 40 شخصاً) يؤدون صلاة الفجر في الدور السفلي (القبو) من المدرسة، ولما انتهوا من صلاتهم، فتحوا كتاب الله العظيم، وشرعوا في درس قرآني، قراءة... تفسير...تجويد، وهم في هذه الحال، حال الاجتماع على ذكر الله، حال المعية لله تبارك وتعالى، كان الطيران البعثي الرافضي يحوم فوق المدينة، يريد هؤلاء الصالحين، يسعى لقتل أولئك الطيبين، فأنزل حمولته من المتفجرات، على جهة جلوس الأخوة الشباب! اهتزَّ البناء، ونزل سقف الدور الأول، وسقف الدور السفلي(القبو)، وذلك جهة وجود الشباب المجتمعين على تلاوة كتاب الله وتدارسه، الشباب جلوس، وظهورهم مسندة إلى الجدار الجنوبي والغربي، والسقف نزل وسطهم، دخلت بنفسي، نظرت وشاهدت المبنى من الخارج ومن الداخل، وكل من يشاهده، ويعلم عدد الموجودين فيه، سيقول: هل نجا منهم من أحد؟! نعم نجوا ونجوا جميعاً، ولم يُصب أحد منهم بجرح! نجوا بقدرة الله! نجوا بفضل من الله، نجوا برحمة من الرحمن الرحيم، خرجوا، وهم لا يرون شيئاً بسبب الغبار الذي غطَّاهم وغطى عيونهم، خرجوا، وهم يحمدون، ويسبحون، ويثنون على الله خيراً. الله أكبر! الله أكبر! إنهم خرجوا من صلاة الفجر جماعة، والرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- يقول:"من صلى الصبح فهو في ذمة الله". رواه مسلم، والمراد بذمة الله: الضمان والأمان، كما قال الإمام النووي -رحمه الله-. ثم جلسوا حول كتاب الله، ونبي الله -عليه الصلاة والسلام- يقول:" وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله، يتلون كتاب الله تعالى، ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عندهم". رواه مسلم والترمذي وأبو داود. فالحمد لله الذي أنجى هذه الثلة الطيبة، التي راحت تنشر العدل والخير والأمان في المدينة، التي أفسدها النظام البعثي بشبيحته ومخبريه وعصاباته الأمنية. الساعة الرابعة: دخلت سورية ، وما أدراكم ما سورية؟! وما شعب سورية؟! الذي رأى المدارس وما يُلقَّن فيها الطلاب من دعوات التأييد والتمجيد والثناء لبطولات حافظ الأسد ثم بشار الأسد... لا يخطر بباله أن يخرج من هؤلاء الأطفال مَنْ ينفع أمته، أو يضحي في سبيل عزتها وكرامتها ونصرة دينها. ولكنني وجدتها وجهاً آخر، وصورة جديدة، وجدتها تُقبل على الله العظيم، وتنفض عن كاهلها غبار الرَّفض والبعث الأثيم، وتفِرُّ إلى الله طلباً للشهادة والنصر المبين: في شارع من شوارع دارة عزة، استوقف سيارتنا رجلٌ متوسطُ العمر، وجهه مشربٌ بحمرة، ظاهر البشر، قال: أبا أحمد! كيف حالك؟ هذا ولدي، عمره اثنتا عشرة سنة، أريد ضمَّه إلى المجاهدين، وهو متشوق جداً، فهلا دللتموني على مكان لتدريبه وإعداده؟! الله أكبر! الله أكبر! ماذا حصل؟ ماذا جرى؟ أين الخوف من عصابات بشار؟! أين قولهم: لا تتكلم، فللجدران آذان! لقد كنا نحبس الأطفال ولا نتكلم أمامهم كلمة مهما سُحقنا وظُلمنا وأُهنِّا حتى لا تصل مسامع عملاء النظام ومخبريه. وصلنا مكاناً آخر، جلسنا نتناول وجبة من الطعام، وكان صبي صغير (اسمه أحمد) يسعى دون كلل على خدمتنا، فلما جلس، وفُسح له الكلام، راح يتحدث بكلام بليغ جريء، يتحدث عن المؤامرات الدولية والمحلية ضد المسلمين، بل ضد أبناء السنة على وجه الخصوص، يتحدث، وهو واثق مما يقول، ثقة أثرت في نفسي كثيراً، وجعلتني أحب بلدي أكثر، وأشتاق إليه أكثر، وأتفاعل معه أكثر... فقد عادت الشام شام الرسول -صلى الله عليه وسلم-... عادت كما يريدها أحباؤها، تصدح بذكر الله، وتشدو بالصلاة على رسول الله، كيف لا وهي أرض البركة وأرض الرباط!!
المصدر: الشام اليوم
شمس الدين الكيلاني
ﻣﺤﻤﺪ المختار ﺍﻟﺸﻨﻘﻴﻄﻲ
عبد الكريم بكار
أحمد عبد الرحمن القاضي
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة