سعد محيو
تصدير المادة
المشاهدات : 6884
شـــــارك المادة
ليس من المبالغة في شيء القول أن مرحلة مابعد الأسد في سورية بدأت بالفعل. والمؤشرات على ذلك عديدة، دولياً ومحليا. نقطة البداية، دولياً، كانت في واشنطن. ففي اللحظة التي اعترف بها الرئيس أوباما، "شخصيا"، بالائتلاف الوطني السوري المعارض كممثل شرعي للشعب السوري، انقلب الوضع الدولي رأساً على عقب. إذ أنهى هذا الاعتراف عملياً دور مجلس الأمن الدولي في تقرير التدخل أو لا التدخل الدوليين في الأزمة السورية، بعد أن بات في وسع الولايات المتحدة، وفق مدرجات القانون الدولي، الحق بالتدخل بناء على طلب طرف شرعي تعترف به هو الائتلاف الوطني.
وهذه رسالة يبدو أن موسكو فهمتها سريعاً، كما سنرى بعد قليل. ثم جاء اعتراف 114 دولة بالائتلاف الوطني خلال مؤتمر أصدقاء سورية في المغرب قبل أيام، ليستكمل عملياً إسقاط الشرعية الدولية بشكل شبه كامل عن نظام الأسد، وليفتح الباب على مصراعيه إما أمام تسوية دولية تحدث اليوم لا غدا، أو أمام انتصار كامل للمعارضة السورية بدعم كاسح من المجتمع الدولي. جرس إنذار: كل هذه التطورات، خاصة منها خطوة أوباما، كانت بمثابة جرس إنذار قوي بالنسبة إلى موسكو. ويبدو أنه هو الذي حثّها على الاعتراف للمرة الأولى بأن "انتصار المعارضة السورية ممكن، وأن النظام السوري يخسر بشكل متزايد سيطرته على الجغرافيا السورية". لكن، هل يعني ذلك أن موسكو باتت مستعدة للتخلي عن نظام الأسد، أو على الأقل للسعي إلى إبرام تسوية مع واشنطن حول نظام ما بعد الأسد؟ الولايات المتحدة، من جهتها، تبدو أكثر من مستعدة لإبرام مثل هذه الصفقة مع روسيا. وهي لم تدعُها علناً إلى ذلك وحسب، بل قدّمت لها ضمناً أيضاً عرضاً مغرياً يهم كثيراً استراتيجية الأمن القومي الروسي في مثلث الشرق الأوسط- آسيا الوسطى- القوقاز: العمل معاً لمنع الأصوليين الإسلاميين من الوصول إلى السلطة في دمشق. ومعروف هنا أن أحد الأسباب الرئيسة لدعم موسكو للأسد بكل قوتها، هو أنها تخشى بروز ما يسميه الروس "الخلافة الإسلامية الجديدة" في الشرق الأوسط التي قد تلعب دوراً خطيراً ضد مصالحهم في آسيا الوسطى وشمال القوقاز. العرض الأميركي جاء في صيغة وضع جبهة النصرة الإسلامية السورية المتطرفة على لائحة الإرهاب، مشفوعاً برسائل في كل الاتجاهات بأنها لن تقبل أي دور للجماعات الجهادية المتهمة بالارتباط بتنظيم القاعدة في سورية الغد. موسكو لاشك ستفهم هذه الرسالة على ما هي عليه حقا: أي أنها بمثابة دعوة من واشنطن لكي تنضم إليها في الجهود لتشكيل البديل السوري بشكل مشترك. لكن، هل هذا سيكون كافياً كي ينقلب الموقف الروسي من النظام السوري رأساً على عقب؟ فلننتظر قليلا لنر. إذ أن بعض المحللين الروس، وفي مقدمهم جيورجي ميرسكي، الخبير بشؤون الشرق الأوسط في مؤسسة موسكو للاقتصاد والعلاقات الدولية، يعتقدون أن موسكو لن تغيِّر موقفها حتى لو تأكدت بأن الأسد سيسقط. لماذا؟ لاعتبارات محلية روسية يوضحها ميرسكي كالتالي: " إذا ما خسر الأسد السلطة في المعركة، فسيكون في وسع الرئيس بوتين حينها أن يقول: حسنا، لقد حاولنا، لكننا لم نكن أقوياء بما فيه الكفاية لإلحاق الهزيمة بالغرب. لكن، إذا ما بدا بوتين أنه يسلِّم رأس الأسد، فسيبدو حينها خاسرا. وهو لا يستطيع أن يبدو خاسرا". محصلات خطيرة: منطق غريب؟ حتما. لا بل هو يبدو منطقاً "لا سياسيا" أو منافياً لمفاهيم السياسة التي هي ممارسة فن الممكن. لكن، وفي حال صحّت توقعات ميرسكي، فإنها ستسفر عن محصلات خطيرة، لأنها ستعني أن موسكو قد تواصل تشجيع نظام الأسد على مواصلة الصلف والتصلب، وربما تدعم أيضاً تراجعه إلى المناطق العلوية على الساحل الذي ما فقد السيطرة على دمشق، الأمر الذي سيطيل أمد الحرب السورية المُدمِّرة. بيد أن هذا في الواقع لن يغيّر المحصلات المتوقعة للصراع، وهذا باعتراف نائب وزير الخارجية الروسي بوغدانوف نفسه، الذي أكد قبل يومين أن المعارضة السورية باتت قادرة بالفعل على حسم الصراع لصالحها من دون دعم خارجي (عدا تزويدها بالأسلحة المتطورة المضادة للطائرات والدروع). فقد دلّت الانجازات العسكرية الأخيرة التي حققتها المعارضة، من اجتياح العديد من القواعد العسكرية المهمة والاستراتيجية في الشمال والشرق، إلى تزنير دمشق بحزام من نار عبر السيطرة على الضواحي وإغلاق مطار دمشق تمهيداً على الأرجح لمعركة الحسم في العاصمة، أن النظام فقد بالفعل المبادرة القتالية. وهذا ما يدفعه إلى تحريك الأسلحة الكيمائية (سواء للتهديد بها أو حتى لاستخدامها كملاذ أخير) وإلى إطلاق صواريخ بالستية من نوع سكود. (وهو أمر يحدث للمرة الأولى في الحروب الأهلية). وإذا ما استمر الوضع على النحو من التدهور بالنسبة إلى النظام السوري، فقد تتحقق توقعات معاذ الخطيب رئيس الائتلاف الوطني حول احتمال "انفجار النظام السوري من داخله"، أو سحب قواته إلى الساحل لخوض معركة طويلة الأمد تدمَّر ما تبقى من الوطن السوري. أما السؤال حول أي من الخيارين ستقع عليه القرعة، فهذا منوط بالطائفة العلوية (وبخاصة المجلس العسكري فيها الذي يعتقد أنه يضم 60 ضابطاً كبيرا) التي عليها أن تقرر سريعاً ما إذا كانت ستواصل الوقوف وراء عائلة الأسد لتغرق معها في بحر من الدماء، أو أن تكون طرفاً مشاركاً في بناء سورية جديدة. لكن، وكيفما جرت الأمور، بات واضحاً أن اللاعبين الأساسيين في الأزمة السورية تجاوزوا بالفعل عتبة الحديث عن ضرورة إسقاط نظام الأسد، وبدأوا التحضير لـ"اليوم الذي سيلي" هذا السقوط. وهذا يشمل عشرات آلاف المواطنين الروس الذين قد يغادرون سورية قريبا.
المصدر: اليوم غدا
ليلى بيومي
أحمد بن فارس السلوم
بشير هلال
فيصل القاسم
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة