أبو مضر
تصدير المادة
المشاهدات : 4142
شـــــارك المادة
تأتي المنحة أحياناً من قلب المحنة، ومن المنح العظيمة التي أفرزتها ثورة الحرية السورية أنها كشفت معادن كثير من العلماء والعامة. والناس كما يقول المعصوم عليه الصلاة السلام في الحديث الذي في الصحيحين: ((الناس معادن، خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا)). وكما أن النار تظهر نقاء المعدن أو خبثه، فإن نار المحنة التي نحن فيها أفرزت لنا أقساماً من العلماء ثلاثة:
القسم الأول: هم الذين وصفهم النبي صلى الله عليه وسلم بقوله في الحديث كما في الصحيحين (( لا تزال طائفةٌ من أمتي ظاهرين على الحق، لا يضرهم من خذلهم ، حتى يأتي أمر الله وهم كذلك )).
هؤلاء وضعوا نصب أعينهم قول الحبيب المحبوب كما في مسند أحمد وقال الحاكم صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه: (( إذا رَأَيْتُمْ أمتي تَهَابُ الْظَالِمَ ان تَقُولَ له إنك أنت ظَالِمٌ فَقَدْ تُوُدِّعَ منهم )).
ونحن نشهد لهم أن صدعوا بقول الحق على مواقعهم أو على منابرهم أو في منازلهم أمثال راجح رجح الله حسناته، والرفاعيين رفعهما الله في الدنيا والآخرة، والكثير من علماء المسلمين نفعنا الله بعلمهم ...
والقسم الثاني: هم الذين أفتوا لأنفسهم بالتزام بيوتهم وأن يكونوا كخيري ولد آدم، ونسبوا إلى أنفسهم الخوف – وأضيف إليه الجبن – من بطش الحاقدين الظالمين الذين قتلوا الصغار والكبار والشباب والشبان.
هتكوا الأعراض ومثلوا بالشهداء ودنسوا المساجد وهدموا المآذن ومزقوا المصاحف.
قتلوا حتى البقر والحمير وسرقوا حتى الخبز والشعير... فالتزموا الصمت على أنه أضعف الإيمان.
والقسم الثالث: منهم الذين قال فيهم رب العزة جل جلاله: { وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِىءاتَيْنَاهُ ءَايَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الاٌّ رْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ }.
هؤلاء هم من أعني بعنوان المقال، وهم الذي أعانوا الطاغية على سفك الدماء الزكية الطاهرة وهدم البيوت العامرة واغتصاب الفتيات الزاهرة وقصف المساجد النيرة، وذلك إما بعدم نصحهم للسلطان واستنكارهم لجرائمه مع قربهم منه أو بفتياهم له بجواز قتل المندسين والمجرمين الذين ما عرفت جباهم السجود للواحد المعبود ...
وبالرغم من المقالات الكثيرة التي تنصحهم بالوقوف مع الحق، إلا أنهم أبوا وأغمضوا أبصارهم عن الحق و((جَعَلُواْ أَصَابِعَهُمْ فِىءَاذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْاْ ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّواْ وَاسْتَكْبَرُواْ اسْتِكْبَاراً))، والأفظع من ذلك أن تجد لهم أذناباً يتبعونهم على عمى، ويدافعون عنهم على هوى، ومع ذلك فهم يدعون حب الشام وعلماء الشام !!!!.
عجب والله ... كيف يدعي حب الشام من يقف مع جلاد أبناء الشام؟؟؟
كيف يدعي حب الشام من يساند من يغتصب بنات الشام ؟؟؟
كيف يدعي حب الشام من يدعو لأهل النفاق من علماء الشام ؟؟؟
كيف وكيف وكيف يحب الشام من يدافع عن أعظم مجرم عرفته الشام؟!!
وهل بعد ما حدث مع زينب الحصني من إجرام ، إن أبا جهل لم يأمر باعتقال بنات محمد حتى يسلم محمد نفسه، ولم يسمح للقوات التي أرسلها للتخلص من محمد أن تقتحم البيت كي لا يتكلم العرب أن أبا جهل روع بنيات محمد!!
تعال أبا جهل لتعلم سفاح الشام وفرعون سورية مكارم الأخلاق!!.
أفتى أحد علماء الشام – د. توفيق البوطي - لشاب من أتباع قائد الوطن المفدى- كما يقول عن نفسه- بجواز الجلوس في البيت وعدم الذهاب لأداء فريضة الجمعة لأن المسجد القريب فيه مشاكل (ويقصد بها المظاهرات) وذلك بعذر الخوف على النفس.
ولما أراد أحد طلاب العلم الرد على هذه الفتوى المفصلة على مقاسٍ يرضي السلطان وأتباع الهوى – للمزيد راجع الرابط (http://www.arflon.net/2011/08/blog-post_9273.html#axzz1V82einKD)- قامت الدنيا ولم تقعد وكيلت له الاتهامات من كل جانب بأنه لا يعرف من العلم إلا اسمه وكيف يتجرأ بالرد على العلماء الأجلاء الذين لا يأتي الباطل إلى أقوالهم ولا إلى أفعالهم ومع أنهم وإن لم يدّعوا العصمة إلا أن أذنابهم ادعوها لهم فعلاً لا قولاً ....
وكأن ديننا الحنيف فيه من الأحبار والرهبان من ينطقون عن الله تعالى فلا يجوز لأحد المساس بجنابهم والرد عليهم .. مع أن الشيخ السوري العادي حفظه الله لم يقل أن الخائف تجب عليه صلاة الجمعة ولو أدى ذلك إلى موته .. ولم يقل بذلك أحداً من الفقهاء الأربعة ولا غيرهم – حسب علمي المتواضع- ولكنه وبكل وضوح قصد التعليق على طبيعة الخوف الذي يجيز عدم الذهاب إلى فريضة الجمعة ...
وذلك واضح لكل من لم يضع على بصره غشاوة ولم يعل الران على قلبه ..فالتعليق كان على الأحداث وليس على حكم فقهي مبسوط في كتب الفقه، فأراد أتباع الشيخ البوطي الصغير تجاهل الموضوع الأساسي وراحوا يعلقون على حكم ترك الجمعة من الخوف ليشغلوا القراء عن الحدث الأهم وهو التقاعس عن نصرة المتظاهرين الذين يقول في نصرتهم العلامة القرضاوي حفظه الله تعالى وأطال عمره: "النزول إلى الشارع - خصوصا يوم الجمعة- للمشاركة في الاحتجاجات واجب شرعي على كل قادر على الوصول إلى أماكن التجمع، وليس له عذر يمنعه..."
إن انحياز علماء السلطة للظالم ولوي أعناق آيات القرآن الكريم وأحاديث النبي الرحيم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم كي توافق ما يتمناه النظام المجرم من محاولات يائسة لإخماد المظاهرات المطالبة بالحرية والكرامة، هو من باب نصرة الظالم على المظلوم ناسين أو متناسين أن من أعان ظالماً بشطر كلمة كان شريكا له في ظلمه.
وأعتقد أن مواقف البوطي وحسون والسيد والباري ... ومن شاكلهم لا تخفى على أحد وهي مبسوطة في مواقع كثيرة من الشبكة العنكبوتية، وكأن الدموع التي سفحوها في دروس الوعظ والإرشاد ما كانت إلا دموع تماسيح لغش الناظرين... وإلا فمناظر إجرام القائد المفدى هي أعظم من كل أنواع وعظهم ، فعليها ينبغي أن تسفح الدموع ولأجلها يجب أن ترفع الأيادي بالتضرع والدعاء أن يخلص الله الأمة من الطاغية وأعوانه.
ولكن بفضل الله ورحمته لم يخل عصر من عصور الإسلام من العلماء الدعاة الذين يأخذون بيد الأمة في ظلام الليل البهيم، وعند اشتداد الخطب واضطراب الأمور، يقومون بواجبهم المقدس في أداء الأمانة ونشر العلم، وتقويم الاعوجاج، ومواجهة الظلم، وتصويب الخطأ،استشعارًا منهم للمسئولية، وتقديرًا للأمانة، وإدراكًا لعظم دورهم باعتبارهم طليعة الأمة، ولسان حالهم يقول : إن الرائد لا يكذب أهله. وفي الشام التي غدت اليوم مسرحاً لعلماء السلطان، نشأ وتعلم سلطان العلماء – كما لقبه بذلك ابن دقيق العيد- العز بن عبد السلام، أحد هؤلاء الرواد الصادقين.
ولقد ترجمت له كتب كثيرة منها:سير أعلام النبلاء، ووفيات الأعيان، والطبقات وغيرها.
كان سلطان العلماء خطيب المسجد الأموي، وشتان بين خطيب الماضي والحاضر. ولما غضب عليه الصالح إسماعيل حاكم دمشق وذلك لصدعه بالحق ولإفتائه بعدم جواز بيع السلاح للفرنجة أصدقاء الملك، فنفاه هذا الأخير إلى فلسطين ولما زارها أرسل رسولاً إلى الشيخ فعرض عليه صفح الملك عنه والعودة لبلده ومنصبه مقابل تقبيل يد الملك، فقال قولته العظيمة للساعي إلى الصلح: "يا مسكين ما أرضاه أن يقبّل يدي، فضلاً أن أقبل يده، يا قوم أنتم في واد، وأنا في واد، والحمد لله الذي عافاني مما ابتلاكم به".
ذاك الفرق بين علماء السلطان وسلطان العلماء .. من يقبل يد من !!!!!!!!!.
ولما ذهب إلى مصر وتسلم منصب قاضي القضاة، لم يغره المنصب بالنفاق للماليك بل باعهم في سوق النخاسة إرضاء لملك الملوك والمماليك.
غضب عليه المماليك وأرادوا قتله ولما طوقوا باب منزله وأخبره ولده عبداللطيف أن القوم يريدون قتله قال لولده: يا بني إن أباك أهون على الله من أن يقتل شهيداً في سبيل الله !!!! وليس لمثلي أن يعلق على هذه الجملة ... وحين استدعى الظاهر بيبرس الأمراء والعلماء لبيعته، وكان من بينهم الشيخ العز بن عبدالسلام، الذي فاجأ الظاهر بيبرس والحاضرين بقوله: يا ركن الدين أنا أعرفك مملوك البندقدار -أي لا تصح بيعته؛ لأنه ليس أهلا للتصرف- فما كان من الظاهر بيبرس إلا أن أحضر ما يثبت أن البندقدار قد وهبه للملك الصالح أيوب الذي أعتقه، وهنا تقدَّم الشيخ فبايع بيبرس على الملك.
ذهب ذات مرة إلى السلطان في يوم عيد إلى القلعة، فشاهد الأمراء والخدم والحشم يقبلون الأرض أمام السلطان، وشاهد الجند صفوفًا أمامه، ورأى الأبهة والعظمة تحيط به من كل جانب، فتقدم الشيخ إلى السلطان، وناداه باسمه مجردًا، وقال: يا أيوب، ما حجتك عند الله إذا قال لك: ألم أبوئ لك مصر، ثم تبيح الخمور؟
فقال السلطان نجم الدين أيوب: هل جرى هذا؟
قال الشيخ: نعم تباع الخمور في الحانات وغيرها من المنكرات، وأنت تتقلب في نعمة هذه المملكة، وأخذ الشيخ يناديه بأعلى صوته والعساكر واقفون.
فقال السلطان: يا سيدي هذا أنا ما عملته، هذا من زمان أبي.
فقال الشيخ: أنت من الذين يقولون: إنا وجدنا آباءنا على أمة... فأصدر السلطان أوامره بإغلاق تلك الحانات، ومنع تلك المفاسد، وشاع الخبر بين جمهور المسلمين وأهل القاهرة، فسأله أحد تلاميذه عن السبب الذي جعله ينصح السلطان أمام خدمه وعساكره في مثل هذا اليوم الكريم؟
فقال الشيخ: يا بني، رأيتُ السلطان في تلك العظمة، فأردتُ أن أذكره لئلا تكبر عليه نفسه فتؤذيه..
قال التلميذ: أما خفته؟
قال عز الدين: والله يا بني، استحضرتُ هيبة الله تعالى فرأيته أمامي كالهرّ.
تلك هي كلمة الحق عند سلطان جائر ، فهل من أهل الشام من يقولها؟
فاطمة ياسين
طارق الحميد
عبد العزيز الحاج مصطفى
غسان شربل
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة