..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

وجاء دور العلماء

غازي التوبة

١٧ ٢٠١٣ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 7635

وجاء دور العلماء
d2f6592d-d07a-497c-a374-fcc9953241bf.jpg

شـــــارك المادة

تعاني ساحات الثورة السورية اضطرابا وتوترا وانقساما على مختلف الأصعدة، العسكرية والسياسية، والإعلامية، والمالية، والإدارية. وهذا الأمر يشكل تهديدا حقيقيا لمآلاتها، ولحجم المكاسب التي يمكن أن تحققها قيادة الثورة لصالح الشعب السوري.

 

 

وكان دور العلماء بارزا وفاعلا في كل الثورات التي قامت على مدار التاريخ الحديث في كل البلدان العربية، ومن ضمنها سوريا وفلسطين والعراق ومصر والجزائر، وغيرها.
ولا يحتاج هذا الدور إلى استعراض الوقائع، فهي أكثر وأوسع من أن يحاط بها، ولكن نكتفي في هذا المجال بذكر بعض أسماء العلماء والمشايخ الذين لعبوا دورا في إذكاء الثورات العربية في مختلف البلدان وقيادتها، من مثل الحاج أمين الحسيني، وعز الدين القسام، وعبد العزيز الجاويش، وحسن البنا، ومحمد بهجة البيطار، وجمال الدين القاسمي، ومصطفى السباعي، وصدقي الزهاوي، وعبد الحميد بن باديس، وعلال الفاسي، وغيرهم.
وقد واكب العلماء السوريون الثورة منذ بداية انطلاقتها، فقام علماء الداخل بالدعوة إلى التظاهر، وتحشيد الجهود من أجل إزالة حكم الطاغية بشار الأسد، واستفادوا في ذلك من المساجد ومن جموع صلاة الجمعة، ودعوا إلى التضحية والبذل والفداء.

أما علماء الخارج فعقدوا عدة مؤتمرات واجتماعات من أجل تأييد العمل الثوري والتظاهري الذي تقوم به جموع الشعب السوري في الداخل، فكان أول هذه المؤتمرات "مؤتمر العلماء لنصرة الشعب السوري" الذي انعقد في الشهر السابع من عام 2011، وهذا يعني أن هذا المؤتمر انعقد بعد ثلاثة أشهر من بداية الثورة، وهو موعد مبكر يدل على تفاعل العلماء مع الثورة، وهو أمر طبيعي.
ثم تطورت أمور الثورة، فنشأت فصائل متعددة ذات مرجعيات إسلامية مختلفة من سلفية ومذهبية وصوفية وحزبية، وأصبح هذا الوضع يستدعي مرجعية واحدة توحّد الجهود، وتقلل الاحتكاك والتناقض، وتقوّي الثورة، وتسرّع في إسقاط النظام، لذلك تداعى العلماء من أجل تحقيق ذلك الهدف، واجتمع الشمل في منتصف يناير/كانون الثاني من عام 2012 في إسطنبول، وانبثق عن الاجتماع "الملتقى الإسلامي السوري" الذي جمع عدة روابط وعدة شخصيات.
ثم تطورت الأمور في ساحة الثورة السورية على مستوى الداخل والخارج، وتشكلت قيادة سياسية من "المجلس الوطني" أولا، ثم "الائتلاف السوري لقوى الثورة والمعارضة" ثانيا، وتعقدت ساحة الثورة السورية بدخول "جبهة النصرة" و"دولة العراق والشام الإسلامية"، وأصبحت الأمور أكثر إلحاحا لتشكيل مرجعية إسلامية أقوى لمواجهة الأخطار المختلفة، والتي تجلت في بطء وتلكؤ المجتمع الدولي في دعم الثورة السورية فتشكل "مكتب التنسيق بين الروابط والهيئات الإسلامية" الذي اجتمعت تحت رايته عدة روابط أبرزها: "رابطة العلماء السوريين"، "رابطة علماء الشام"، "مؤسسة دعاة وعلماء الثورة"، "هيئة الشام الإسلامية".

لكن ساحة الثورة السورية مازالت بحاجة إلى مرجعية علمائية تظلل كل الأرض السورية، فقد نما إلى علمي أن هناك جهودا تبذل الآن من أجل تحقيق هذا الهدف، وتقوم بهذه الجهود كبرى روابط العلماء السوريين من مثل: "رابطة علماء الشام" و"رابطة العلماء السوريين"، وستستفيد هذه المرجعية العلمائية من التجارب السابقة: تبني على إيجابياتها، وتتجنب سلبياتها.
وسيكون علماء المرجعية -إن شاء الله- ربانيين، يعملون على معالجة كل المشاكل التي تواجهها الثورة السورية من خلال ميثاق شرعي علمي منهجي واعٍ لكل مكوناتها.

وأعتقد أن الثورة السورية عطشى لمثل هذه المرجعية العلمائية التي ستلبي عدة احتياجات في مسيرة الثورة السورية، وستحل مشاكل متعددة تواجهها هذه الثورة، ومنها:
1- تجميع الفصائل والكتائب والقوى والروابط والهيئات والشخصيات الإسلامية تحت قيادة واحدة من أجل تبادل الآراء، وتسديد الأقوال، وتوحيد الجهود، وبناء الوحدة، وإبعاد الاختلاف والتمزق والتشرذم، وتحقيق النصر.
2- التشاور مع القيادتين السياسية والعسكرية في الثورة السورية، والتفاهم معهما على خطوات موحدة تعود بالنفع والقوة والتقدم على الثورة السورية، من أجل دحر النظام وإنهاء معاناة الشعب السوري، وإيقاف تدمير سوريا.
3- ستقوم المرجعية العلمائية بعد بلورة المواقف المناسبة مع القيادتين السياسية والعسكرية للثورة السورية، بترويج هذه المواقف ودعوة جماهير الشعب السوري إلى مساندتها، والالتفاف حولها، وتأييدها.
4- العمل على وضع خطة لتوحيد المعطيات الإعلامية والمالية والإدارية والعسكرية في ساحات الثورة السورية، تبدأ من الحد الأدنى متدرجة إلى الحد الأعلى.
5- التوجه بخطاب شرعي إيماني إلى جماهير الشعب السوري لتوضيح حقائق الإيمان والإسلام، ودعوته إلى الصبر والتضحية والإيثار والفداء، ودعوته أيضا إلى التمسّك بالأخلاق الفاضلة التي دعا إليها الإسلام من رحمة وحب وتعاون.
6- التواصل مع الشعب السوري في كل ما يواجهه من آلام وصعوبات ومشاكل، والاجتهاد في وضع حلول لهذه الآلام والصعوبات والمشاكل مع الأطراف المعنية ذات العلاقة بالموضوع.
7- التخطيط لمعالجة مشكلة تيار الغلو الذي طرأ على الساحة السورية والمتمثل في "جبهة النصرة" و "دولة العراق والشام الإسلامية".
وستبدأ المعالجة بترشيد جماهير الشعب السوري بضوابط أحكام التكفير والدماء في الشريعة الإسلامية، وتبيين شروط إقامة الحدود الشرعية، وبث الوعي الديني الوسطي السليم وتعميقه في كل أوساط الشعب السوري من أجل ألا تصبح جماهير الشعب السوري فريسة خطاب الغلو، بل تكون عندها القدرة على تفنيد خطاب الغلو وغيره من الخطابات المنحرفة.
كما ستتوجه المعالجة بعد ذلك إلى مخاطبة المنضوين تحت لواء "داعش" (الدولة الإسلامية في العراق والشام) ودعوتهم ليكونوا عونا لإخوانهم المسلمين في مواجهة النظام الأسدي المجرم، وليس عونا للنظام.
من الواضح أن تكوين مرجعية علمائية هو الآن واجب الوقت، وأعتقد أن علماءنا واعون ومتنبهون لهذا الواجب، وأن أعمالا ضخمة تنتظر هذه المرجعية، ذكرت بعضها سابقا، وستتفتق أذهان علمائنا عن أعمال أخرى لم أذكرها.
والخلاصة هي أن العلماء شكلوا قيادة فاعلة على مدار التاريخ الماضي والحاضر، والثورة السورية الآن أحوج ما تكون إلى مرجعية علمائية ربانية، توحد الجهود، وتبث الخطاب الإيماني الذي يدعو إلى الصبر والتضحية والإيثار، وتسدد توجهات القيادات السياسية والعسكرية، وتزيد اللحمة بين أبناء الشعب الواحد، وتواجه خطاب الغلو والخطابات المنحرفة بخطاب شرعي وسطي سليم، وهو ما نتوقع أن نراه قريبا بإذن الله.

 

الجزيرة

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع