غازي دحمان
تصدير المادة
المشاهدات : 3917
شـــــارك المادة
المرحلة مرحلة الغاز بكل امتياز، من يتحكم بجيو استراتيجية الغاز، حقول إنتاجه وخطوط نقله، يصبح لاعباً دولياً على درجة عالية من الأهمية، ويضمن إمكان أن يكون له دور تقريري في القضايا الدولية الكبرى، بل حتى يتحكم بتوجهات السياسة والنمو الدوليين في المرحلة المقبلة. هي ذات قصة الفحم الحجري، ثم النفط، فقط تعيد إنتاج لاعبيها، وصياغة قواعد اللعبة وشروطها.
نحن إذن في مرحلة انتقالية، النفط يودع عوالم الإنتاج والاستهلاك شيئا فشيئا وينذر بأن يتحول إلى مادة عزيزة، وحتى لو لم يجف نهائياً، سيتحول إلى نمط تشغيل قديم. ثمة مؤشرات باتت تدل على إحلال الغاز مكانه في كثير من صناعات الدول، وسيتبع ذلك تغيير في المكائن والآلات وخطوط الإنتاج، بحيث يجري تكييفها بما يتفق والعمل وفق طبيعة الغاز، بعد ان صار منافسا كبيرا للنفط لما يتميز به من مزايا بيئية وتقنية. تقف الأزمة السورية على خط فالق بين هاتين المرحلتين وهي لا بد أنها تكتسب أهمية كبرى بحكم موقعها الجغرافي، فهي تقع بين مواقع الإنتاج ومواقع الاستهلاك، ما يعطيها أهمية كبرى في الصراع الدائر بين القوى التي تريد التحكم والسيطرة على الغاز، إذ تشير خريطة توزع مواقع الغاز في العالم إلى تركزها في روسيا وغرب آسيا ومناطق الخليج العربي وشواطئ المتوسط الجنوبية. وتندفع روسيا في هذا المجال بقوة لذا فهي تبني مجالها الجيو استراتيجي بما يتوافق وانتشار حقول الغاز الكبرى وطرق نقلها، فهي تمد بظلالها على مناطق كازاخستان وتركمانستان شرقا وإيران والبحر المتوسط في الوسط، بقصد تشكيل قوس غازي يهيمن على هذه المنطقة ويلغي أو يقلل التأثير من أهمية مواقع الإنتاج الأخرى في مناطق شمال أفريقيا وغربها ومنطقة الخليج العربي، أو على الأقل يجعل الغاز الخارج عن اليد الروسية خاضعاً لشروط الكارتل الكبير الذي تسعى موسكو لتأسيسه والهيمنة عليه. يشكل الغاز أحد الرهانات الروسية الكبرى للحصول على دور عالمي مهم، ويكشف السلوك الروسي تجاه أوروبا الكثير من خفايا ارتكاز إستراتيجيتها على دور الغاز وأهميته، حيث يتحول إلى السلاح الأقوى والأهم، وقد جربت روسيا مرارا استخدام هذا السلاح وعرفت أهميته. لذا فهي تتطلع إلى الاستحواذ على الكميات الأكبر منه في العالم من أجل ترسيخ وجودها، إذ تدرك روسيا أن لا شيء آخر تملكه قد يشكل عنصر تأثير مهم على مستوى العالم، فهي دولة غير رائدة في التصنيع وليس لديها نموذج ثقافي قابل للتصدير. في الموضوع السوري، تقاتل روسيا بلا هوادة من أجل إبقاء بشار الأسد، فهو الضامن لترسيخ سيطرتها على الغاز الشرق أوسطي، وهو الذي يضمن لها احتكار الجغرافية السورية في وجه أي مشاريع لمد خطوط الغاز وخاصة الغاز الخليجي باتجاه أوروبا. بالأصل بشار الأسد هو الذي طرح في فترة سابقة فكرة البحار الخمسة التي تقوم على ربط خطوط الغاز والنفط بين مناطق روسيا وإيران وأوروبا، بحيث تكون سورية جسراً لعبور جزء من خطوط النقل، واللافت انه طرح أفكاره تلك بعد تحسن علاقاته مع روسيا وإعادة تفعيلها، وحصل بعدها أن قامت روسيا بإعادة ثقلها الاستثماري في مجال التنقيب عن النفط والغاز وبخاصة في منطقة الساحل السوري. من السذاجة بمكان تصور أن سياسة روسيا تجاه الملف السوري منفصلة عن مشروعها الكبير في مجال الهيمنة على مواقع إنتاج ونقل الغاز، لم يكن ثمة مبرر مهم لاستمرار دعم نظام بشار الأسد. ليست القضية كما يتصورها الآخرون نوعاً من المناكفة للغرب، أو مجرد إثبات حضور على قائمة القضايا الدولية، ولا حتى مجرد الدفاع عن محطة بحرية في الشرق الأوسط. كل هذه قضايا قد يكون لها أهمية في قائمة المصالح الأمنية والسياسية الروسية، لكن ما لم يدعمها محرك اقتصادي فهي تصبح قضايا مكلفة لا يمكن أن تلاقي دعما من قبل مراكز القوى الروسية ذات الطبيعة الرأسمالية. من يراقب خطوط القتال الروسية وحالة الاستنفار والاهتمام العسكري والسياسي سيجد أنها تنطبق مع خارطة خطوط الغاز بدرجة كبيرة، من كازاخستان إلى جورجيا وأوكرانيا وسورية، ففي كل تلك المساحة كان الغاز هو المحرك الأكبر، وكانت ردة الفعل الروسية دائما عنيفة ومن دون أي حساب للعواقب التي قد تحدثها، والأزمة مع أوكرانيا خير مثال على هذه الحقيقة حيث ذهبت روسيا بعيدا في تعريض علاقاتها للخطر، مقابل استمرار مشروعها. اللافت أن روسيا هنا تطرح مشروع هيمنتها على الغاز ضمن إطار هيمنة ولا تتعاطى معه باعتباره قضية اقتصادية يمكن التعاطي معها بالقوة الناعمة، ما يعكس مدى رهان روسيا على الغاز لعودتها إلى الساحة الدولية كقوة سياسية كبرى. على حوافي حقول الغاز وخطوط إمداده سيسيل دم سوري كثيف. لن تقبل روسيا بأي ضمانات سوى من بشار الأسد أو من ينوب عنه من دائرته، ولن تقبل بأي بدائل أخرى، فليس ثمة خيارات كثيرة أمام روسيا. هذه الحقيقة أكدها الوفد السوري المفاوض في جولة جنيف2 عندما أكد أن الروس كانوا أكثر تشددا في المفاوضات من وفد النظام. إنهم يقاتلون من أجل ضمان فرص حضورهم العالمي، تماما بنفس الشراسة التي قاتل بها الأميركيون في حرب الخليج الأولى. ألم يقولوا إنهم يقاتلون من أجل فرص عمل أبنائهم؟ الحياة
طارق الحميد
فايز سارة
محمد عياش الكبيسي
برهان غليون
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة