..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

ماذا يحدث في سوريا والعراق؟ (1) كلمة السر هي داعش

مجاهد مأمون ديرانية

١ يوليو ٢٠١٤ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 3970

ماذا يحدث في سوريا والعراق؟ (1) كلمة السر هي داعش
مأمون00.jpg

شـــــارك المادة

تعوم حوادث العراق فوق بحر من الألغاز والمجاهيل التي لا نرى منها -نحن عامّةَ الناس- إلا ما يراه ربابنةُ السفن وركّابها من رؤوس جبال الجليد في بحار الشمال، ومَن كان يقود السفينةَ ولم يَقْدِر تلك الجبال حَقّ قَدْرها فإنها توشك أن تصنع بسفينته ما صنعه جبلٌ منها ببعضٍ من أعظم السفن التي بناها البشر في التاريخ.

 

 

 

فمَن اطمأنّ إلى ما يراه من ظواهر الحوادث وظن أنه الحقيقة الكاملة فإنه يخادع نفسه إن كان فرداً ويغامر بمستقبل قومه إن كان قائداً، وأرجو أن لا يكون قادة وأحرار العراق والشام من ذلك الصنف من المغامرين الأغرار.

-1-

تقتسم المشهدَ المعقد المتداخل في سوريا والعراق مجموعةٌ من القُوى التي تحدد طبيعةَ الصراع الحاضر وترسم مستقبله في الآتي من الأيام، ومن بينها سأختار "داعش" لأبدأ منها محاولة فهم حاضر البلدين ومحاولة استقراء مستقبلهما، فهي اللاعب المشترك الأعظم خطورةً في الساحتين، ولا يمكن لأي واحد أن يجيب عن السؤال الذي ورد في رأس المقالة إلا بفهم حقيقة داعش ومعرفة دورها في الحوادث السورية والعراقية.
سوف أبدأ "محاولة الفهم" بالمقدمات الآتية:
(1) إن داعش سوريا وداعش العراق كيان واحد له قيادة واحدة ورؤية واحدة وسياسة واحدة وأهداف واحدة.
(2) إن داعش كيان مخترَق أو مصنوع، وإن الذين يملكون قرار داعش ويتحكمون بحركتها على الأرض أعداء للإسلام والمسلمين.

(3) إن من أهداف داعش الكبرى إعاقة مشروع الإحياء السنّي وتدمير المشروعات الجهادية المستقلّة، وقد رأينا مصداق ذلك في العراق أولاً، ورأيناه في سوريا ثانياً، ونوشك أن نراه في العراق وسوريا معاً من جديد لا قدّر الله.
أرجو من الذين يختلفون معي في الفرضيات الثلاث السابقة، ولا سيما الأخيرة منها، أن يوفّروا على أنفسهم عناء قراءة ما تبقى من هذه المقالة، فإنها بناءٌ بَنَيتُه على هذا الأساس، وإذا سقط الأساس انهار البناء.

-2-

إن داعش من ألدّ أعداء الأمة وجهادها ومشروع نهضتها الجديدة، ورغم ذلك فإنها تتمتع بمزية ليست لغيرها من أعداء الأمة الكثيرين، وهي أنها قادرة على تدمير الجسم الإسلامي من داخله، لأن أبواب الحصن الإسلامي التي يتعاون المسلمون كلهم على إغلاقها بإحكام في وجه الأعداء والغزاة يفتحها لداعش بأيديهم جماعةٌ مغفلون منّا، فقدوا القدرة على التمييز ورفضوا كل مساعدة من شأنها أن تعينهم على الفهم، فخيّلَ إليهم خيالُهم السقيم أن داعش تناصر الإسلام وأصرّوا على تجاهل الحقيقة، وهي أنها عدو فاجر غادر يعمل على تدمير المشروع الإسلامي وإضعاف شوكة المسلمين.
هؤلاء ليسوا جَهَلة فحسب، بل إنهم مجرمون أيضاً، لأن أذاهم لم يقتصر على أنفسهم حينما فتحوا لأعداء الأمة أبوابَ الحصن الإسلامي، بل امتدّ أذاهم ليشمل الأمة كلها.
وإن هؤلاء المجرمين (وفيهم من يقرأ مقالتي الآن) سيُحاسَبون على كل قطرة دم أُريقت بغير حق على أرض العراق قديماً، وتُراق اليوم على أرض سوريا، وستُراق غداً على الأراضي العراقية والسورية من جديد، وإني لأرجو أن لا يرحمهم الله ولا يعفو عنهم يوم الحساب الأكبر، لأنهم ساهموا في ارتكاب الجريمة رغم ألف إنذار وألف تحذير.
نعم، إن داعش أسوأ وأخطر من نظام بشار ونظام المالكي ومن مليشيات إيران وحالش ومن كل عدو ظاهر، لأنها عدو خفي مستتر. إنها تتسلل كالحية الرقطاء من تحت فتحة الباب، أو تتسرب كالغاز السام من الشقوق الضيقة في الشبابيك والحيطان، وأولئك يأتون بحشودهم وجيوشهم في نور النهار فنستعد لهم ونحشد لهم الحشود والجيوش.

-3-

أدرك السوريون منذ وقت طويل أن داعش كيان غريب عن سوريا، وأنه عدو للإسلام والمسلمين، وأنه يريد تدمير جهاد وثورة أهل الشام، ولكنهم لم يستطعيوا الجزم بحقيقة هذا الكيان الغريب على وجه الدقة.
قال قوم إنه صناعة إيرانية وقال آخرون إنه عميل للنظام السوري، ولكن تلك الأقاويل كلها توقعات بلا دليل.
ثم جَدّ جديد؛ لقد نطق الصامتون الذين يعلمون، وبدأت تخرج من داخل التيار السلفي الجهادي شهاداتٌ مذهلة عن العلاقة الخفية بين داعش والبعث العراقي.
لقد اتضح الآن أن البعثيين اختطفوا داعش منذ أربع سنوات على الأقل، وأنها صارت منذ ذلك الحين "مؤسسة" خاضعة لحزب البعث، يسيطر عليها ويقودها عدد من كبار الضباط البعثيين.
ليس هذا ما أقوله أنا أو غيري من الغرباء عن التنظيم، وإنما هو ما يقوله في شهادات مفصّلة عشراتٌ من السلفيين الجهاديين الذين عاشوا مع تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق" قبل أن يصل إلى الشام ويتطور إلى "داعش"، وقد عرفنا من أولئك الشهود أن مفاصل داعش الكبرى تقع تحت سيطرة ضباط بعثيين، على الأقل منذ اغتيال قادة التنظيم السابقين وعلى رأسهم أبو عمر البغدادي وأبو حمزة المهاجر (أبو أيوب المصري) في الثامن عشر من نيسان عام 2010، ومن أشهر أولئك الضباط الذين عرفنا أسماءهم: العقيد حجي بكر (واسمه الحقيقي سمير الخليفاوي) والعقيد أبو عبد الرحمن البيلاوي (واسمه الحقيقي عدنان إسماعيل نجم) والعميد محمد الندى الجبوري (الملقب بالراعي) والعميد إبراهيم الجنابي والعقيد عدنان لطيف السويداوي (أبو مهند) والعقيد فاضل عبد الله العفري (أبو مسلم) والعقيد فاضل العيثاوي (أبو إلياس) والعقيد عاصي العبيدي والعقيد مازن نهير والمقدم نبيل عريبي المعيني (أبو عفيف) والمقدم محمد محمود الحيالي (أبو بلال).
هذا يعني -ببساطة وباختصار- أن داعش كيان بعثي، أو أنها آلة "صنعها" حزب البعث أو "اختطفها" من أصحابها الذين صنعوها، وأن المغفلين الذين استقطبَتهم داعش لينضموا إلى صفوفها ويحرقوا أنفسهم في سبيل تحقيق مشروعها إنما هم مسامير وصواميل في تلك الآلة الشريرة، علموا أو لم يعلموا. إنهم الحطب الذي يحترق لتوليد دولة البعث الجديدة في العراق والشام.
قد يبدو هذا الاستنتاج غريباً أو صادماً للكثيرين، ولكنه النتيجة الحتمية التي لا بد أن نصل إليها عندما ندرس الشهادات والشواهد التي اجتمعت بين أيدينا خلال الأشهر القليلة الماضية، والتي تتسق مع كل ما نشاهده في سوريا والعراق من تطورات غريبة متلاحقة، وتنسجم أيضاً مع ردود الأفعال المحلية والدولية التي صدرت حتى الآن.

(للحديث صلة في المقالة الآتية: "البعث يحكم من جديد")

 

 

الزلزال السوري

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع