هشام خالد
تصدير المادة
المشاهدات : 3268
شـــــارك المادة
الشمس تشرق .. تغرب، الأيام تفرض مرورها فوق الساعات، تنساب بسرعة، يتناسى الناس حساباتها، متشابهة، لا تقف لأي سبب كان، لا تخضع للظروف ... هكذا حتى نهاية العمر.
تظل الأيام تتسارع.. يوما بعد يوم، لا تتناقش مع البشر، بل من يريد مواكبتها، عليه أن يركض بجوارها كي ينال ما يريد، فهي لا تنتظر أحدا.
غير ذلك، فالإنسان الخامل هو من يعلق في آخر المضمار، وتبقى الأيام تمضى دون عائق يعوقها، أو مانع يبطئ سريانها الدائم، وتبقى عزيمة المرء الساكن تضمحل وتنكمش حتى النهاية.
يمضى العمر، يولد كل يوم آلاف البشر, يطئون الحياة، ويغادرها الآلاف ممن فارقوها إما راضيين أو ساخطين، مباغتين أو مستعدين.
إلا ان الناس جميعا مشتركون في السعي في العمر القصير، إما سعيا كسولا، أو سعيا متحمسا، آملا بلا عمل، أو عاملا بلا أمل، لكنه سعي على كل حال وراء الحلم، ووراء الكمال الذي لا يُبلغ.
في أي طريق سفر، هناك قاطع طريق، و في أي مشوار نجاح هناك محبطون، وبأي مضمار سباق هناك منحنيات وعقبات، فليس غريبا أن يكون طريق الجنة مليئا بالمصاعب، أو أنها قد "حفت بالمكاره"، والساعي إليها صيد ثمين للأشرار والشياطين وقاطعي طرق النجاه.
مطاردون هم عباد الله في أرض الله في ذلك الزمان، غرباء، متخطفون بين لحظات الاطمئنان، لا يثبتهم سوى نور قلوبهم، وبوصلة دعائهم في الثلث الأخير، يذوبون في لحظات الأقدار المؤلمة، ويتوحدون على الصبر من جديد، يناوشون المعاصي بذكر الله، ويمتطون جياد الصراع مع هوى النفس والشيطان.
الصالحون لطالما أثبتوا وجودهم في حياتهم، ونقشوا عليها حروف أعمالهم، وسخّروا الصعاب أنعاما يمتطوها نحو ما يراه البعض مستحيلا.
وبالرغم من عزيمتهم الجبارة، هم أول من تكلموا عن صعوبة مجاهدة النفس، ومنزلته السامية، وهم أول من وصفوا أنفسهم بالغرباء وسط الزمان.
كل امرئ مؤمن تتبلور حياته في كلمتين، (بعد وقرب، طاعة ومعصية، ذنب وتوبة، حيدة وإنابة)، يتكرران، يتناوبان باستمرار، يسيران بمحاذاة العمر القصير، قد يطول إحدهما وينقص الآخر، ويطول الآخر وينقص الأول، ويبقى التناوب مستمرا ما حيا المرء، ويبقى المؤمن ساعيا نحو القرب والطاعة والتوبة والإنابة، حتى يلقى الله، فعلام تكون ساعة نهايته، وعلام يتوقف نبض قلبه!.
وفي الطريق إلى النجاة، تكمن المطاردة من شياطين الجن الخفيين، وشياطين الإنس المرئيين، لا يسلم إلا من أعد العدة، وتزود بزاد القوة والتقوى، ومضي في طريقه تتناغم خطواته مع إيقاع نبض قلبه، لا تتوقف إحداهما قبل الأخرى، ولا يعثر في الطريق ولا يضل، مهما كثر المطاردون، ومهما أعدت له المكائد والمصائد والمهالك.
جرائم شياطين الإنس والجن كلها تسجل ضد مجهول، كل منها يفتك بالناس فتكا عظيما، وجميعها تعد مطاردة للمؤمنين في سبيل الجنة، جرائم شنيعة، والسكوت عادة هو الجواب، والخنوع هو حال سائر الناس، والقليلون من الصالحين هم من يتمسكون بالخيط الأخير، والعروة والوثقي .
العمر لا يتوقف للبحث عن المجرمين، ولكن يمكن ان يغيب المرء بحثا عن حياته، بدلا من أن يحضر تائها مطاردا في غياهب الظلام القاتم.
أتحدث عن المؤمنين المطاردين في طريقهم نحو الطاعة، فأمام كل باب ألف قفل، وخلف كل طريق توبة وحوش ضارية.
فكم من شاب عزم التوبة ولم تستطع عزيمته هزيمة المطاردة الكبيرة، ولم يتحمل قلبه المتقلب الفتن الغزيرة، وتلجلجت عزيمته ارتخاء وخمولا، وعاد كما كان قبل التوبة بل أشد قبحا؟!.
وكم من فتاة ايقنت سر وجودها في الحياة وهدف عيشها، ورسالتها العظيمة، ولكنها أمام الأبواب المغلقة والوحوش المطاردة لم تكتسب القوة الكافية لتجتازها إلى النعيم الأبدي، بل ظلت في حيرة المجهول خلف الأبواب.. ويمضي العمر.. والموتى بعد ذلك لا يطرقون الأبواب..
مطاردون هم إذن، من الجهل المخيم في نسيج الحياة، ومائها الراكد، الذي يشن حربا أبدية بسلاح بارد على المجتمع والأجيال والعقول والأحلام، الجهل العائق في سبيل كل ما هو نافع، والقاطع لما أمر الله به أن يوصل، والمفشل لكل نجاح، فكيف لسالك طريق الهداية أن يسير دون نبراس العلم الذي يضيء مسالك الطريق الموحش الذي قل سالكوه!.
مطاردون هم من القلوب العفنه، المحيطة بكل ما هو جميل في الحياة لتمحوه أو تشوهه، تلكم القلوب الحاسدة، وكفى بوجودها يمتص الهواء الرطب من الصدر، ويعرقل إحاطتها بالنجاح كل ما له علاقه بالنجاح..
إنها القلوب السيئة التي تفتك بالسائرين في أول طريق الهداية، قد تبعدهم عنه أو تنفرهم منه، أو تخلق لهم طرقا أكثر زينة للسير بها، فتبيع لهم الوهم ملونا!.
مطاردون من راغبي إزهاق القيم، وتقزيم المبادىء، وتحجيم الدين، وإعاقة التذكرة، وإيقاف الموعظة، وخفوت النصيحة، واستنكار الأمر بالمعروف، حتى يذوب فتيل التقوى، وتخبو شظية الإحسان في الصدور ويقل التعلق بالنجاة، وتذوب القلوب في صراعات الفتن، ويختفي الكثير وسط مشاغل الحياة، ويتمخض الجيل عن مستقبل مفتت!.
مطاردون هم من أعداء الصلاح وكارهي الطاعات، يقطعون الطريق، يستنزفون الهواء، يجاهرون بالقبائح و يتبارزون بالفشل، لا ينفذ المصلحون منهم إلى عبر مسام جدرهم السميكة، فقلما ينفذ صالحا!.
مطاردون من مثيري الفتن وناشري الفحشاء وباعثيها، إذ مع كل شمس تشرق أو تغرب يرسلون فتنة تنتشر مع شعاع الصيف أو مطر الشتاء، تغمر وجه الأرض بمن عليها، يتفننون في صناعة الفتنة، وترويجها، وجعلها واقعا، ثم يحصدون ناتج عملهم مجتمعا مهلهلا مفتونا!.
سلاح المؤمنين في تلك المطاردة هو حب الخير للناس جميعا، والرغبة في نشر السلام بينهم، والأمل في مجتمعات فاضلة طاهرة، ينبذون العنف ويطردون الضرر, ويحاربون الفرقة، ويسعون لخير الاوطان.
يهدون الزهور لمن طعنهم بالأشواك، ويقدمون الندى لمن منعهم قطرة الماء، ويحملون الابتسامة لمن حمل إليهم الدمع والصرخات، ويصرون على ذلك مادام فيهم رمق الحياة.
سلاحهم هو الإيمان الراسخ بموعود الله سبحانه، وسبيلهم الحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن، وعدتهم أكف ضارعة للسماء في جوف الليل الآخر.
إنه الصراع الأبدي بين الشيطان والمؤمن، والمطاردة المقدسة، بين الخير والشر، بين الخبيث والطيب، بين العبودية والانحراف، التي من أجلها نشأت الدنيا، وأشرقت الشمس، وتفتحت الزهور، وفاضت الدموع.
لاشك إنها مطاردة محسومة النهاية مهما صعبت ابتلاءاتها، وثقلت تبعاتها، وطال ليلها، ليظل المؤمن سائرا، يواكب الأيام، شروقا بعد شروق، وربيعا تلو ربيع، يصارع الفتن، فبسمة بعد دمعة، وطمأنينة بعد خوف، والعاقبة للتقوى..
المسلم
محمد ويلالي
صفية الودغيري
خالد روشه
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة