ياسر الزعاترة
تصدير المادة
المشاهدات : 3035
شـــــارك المادة
يحتار الغرب والشرق في تفاصيل هذه الحرب على تنظيم الدولة، ويحتار أيضاً في المدى الذي ستستغرقه، ونتائجها على مجمل الأوضاع الإقليمية والعربية، وربما الدولية أيضا.
لا أحد يملك إجاباتٍ شافية على هذه الأسئلة، ربما باستثناء قناعة الغالبية بأنّ الدولة ستُمنى بخسارة في نهاية المعركة.
وقد يكون ذلك صحيحاً، فما من دولة يمكنها إعلان الحرب على العالم أجمع، ثم تنتصر، والقياس على الزمن القديم لا يبدو واقعياً هنا، ليس فقط لأنّ الأمة ليست مع تلك الدولة وحسب، بل أيضاً لأنّ العالم يبدو مختلفاً تمام الاختلاف عن العالم القديم لجهة الحدود والتداخل ووجود المؤسسات الدولية التي لا بدّ من التعاطي معها لكي تقام مؤسسات يمكن توصيفها بأنها دولة من الناحية العملية.
وإذا كانت دولة بحجم ووزن إيران قد تعرضت للإنهاك بسبب الحصار رغم أنّ جزءاً لا بأس به من العالم كان في صفها، بل يتعاون معها في مواجهة الحصار، فإنّ دولة تقف قبالة العالم أجمع لن تتمكن من الانتصار، وإن تمكنت من إطالة أمد المعركة وتكبيد الأعداء الكثير الكثير من الخسائر.
على أنّ الوجه المقابل للصورة يتمثل في أنّ التحالف إياه لا يواجه تنظيماً عادياً ولا دولة ضعيفة في واقع الحال، بل يواجه دولة تتحكم بمساحة بحجم بريطانيا، وتملك من الإمكانات العسكرية والمالية الكثير، في ذات الوقت الذي تملك جيشاً من المقاتلين العقائديين الذين سيخوضون معركتهم حتى الرمق الأخير دون خوفٍ ولا وجل.
ولأنّ سوريا بتعقيداتها تحضر هنا، فإنّ المشهد يغدو أكثر تعقيداً، إذ كيف سيواجه الطرف المهاجم مواقع الدولة هناك، وهل سيعني ذلك تحالفاً مع بشار، وماذا يبقى من الشعارات الأخلاقية التي يرفعها في هذه الحالة، وهو يتحالف مع نظام لا تقارن دمويته بدموية التنظيم، لاسيما أنّه من العبث المقارنة فقط في أدوات القتل، إذ إنّ القتل بالبراميل المتفجرة ولعشرات الآلاف من الناس (دعك من الكيماوي) لا يقل بشاعة عن ذبح المئات. وإذا قيل إنهم لن يدعموا بشار بل المعارضة المعتدلة، فما جدوى مساعدتها ضد تنظيم، وتركها وحيدة في مواجهة النظام الأكثر شراسة بكثير؟!
في امتحان سوريا يسقط البعد الأخلاقي للمعركة، بل يسقط سقوطاً مدويّاً، إذ يعلم الجميع أنّ ما منح الدفعة الأكبر لتنظيم الدولة إنما هو الصراع في سوريا.
صحيح أنّ للصراع في العراق دوراً مهماً، لكن الأهم منه بكل المقاييس هو الصراع في سوريا الذي أعاد الاعتبار لبرنامج السلفية الجهادية برمّته، والذي ورثه، بل تسيده تنظيم الدولة خلال العامين الأخيرين.
لا يتوقف الأمر عند سوريا، بل يشمل العراق أيضاً، فهنا ثمة دولة لا تبدو خائفة على مؤسساتها من القصف حتى تضعف وتستسلم بسهولة، بل يمكنها مواصلة المعركة ولو جرى تدمير كل شيء، فمقاتلوها لا يعودون إلى بيوتهم مساءً لكي يتناولوا طعام العشاء، ويأخذوا قسطاً من الراحة، بل بوسعهم مواصلة القتال، ولو في الجبال والوديان.
وما سيجري عملياً تبعاً لذلك هو معاقبة المدنيين الذين يعيشون في المساحات التي تسيطر عليها الدولة أكثر من معاقبة عناصرها الذين يبدون استعداداً للقتال في كل الحالات، فهل سيتجاهل الغرب ومن سيهاجمون معه حقيقة وجود أولئك المدنيين، ويواصلون القصف بصرف النظر عن عدد الضحايا؟!
مع ذلك لن تنتهي المعركة عند هذا الحد، إذ بوسع التنظيم ولو فقد دولته أن يضرب في أماكن أخرى، فمريدوه لن يترددوا عند بداية المعركة في توجيه ضربات في أكثر من مكان، بما في ذلك في الغرب والشرق، وسائر المناطق التي يتواجدون فيها، ولن يتركوا مشروعهم (بل حلمهم) ينهار أمام أعينهم وهم يتفرجون.
لذلك كله ستكون المعركة طويلة ومنهكة، لكن النهاية، بل حتى التحجيم الحقيقي لن يتم من دون إنهاء الحاضنة الشعبية للتنظيم، وقبل ذلك أسباب نشأته وصعوده، ولن يحدث ذلك من دون عدالةٍ للعرب السنّة في العراق، ومن دون عدالة للغالبية السنّية في سوريا.
لن يكون العالم في خدمة إيران (راعية بشار) الأكثر تضرراً من التنظيم، إذ ثمة حلفاء كثيرون يعتبرون أنهم يلتقون مع التنظيم في حربه عليه (بشار)، وعليها (إيران)، وإن خافوا من أسئلة المستقبل، وما لم تعد إلى رشدها، فإنّ خسائرها ونزيفها سيتواصل، بل قد يزداد أكثر فأكثر، لأنّ التنظيم من دون دولة سيكون أكثر شراسة منه بوجود ما يرى أنه دولة ينبغي الدفاع عن وجودها، فضلاً عن حلم إكمالها بـ «خلافة على منهاج النبوة» كما يردد قادته وأتباعه.
العرب
مجاهد مأمون ديرانية
عبد الوهاب بدرخان
المصادر:
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة