هيئة الشام الإسلامية
تصدير المادة
المشاهدات : 3811
شـــــارك المادة
السؤال: سبق أن قلتم أن تنظيم الدولة خوارج، فهل الخوارج كفار، وهل يجوز لعنهم والدعاء عليهم؟ وهل يبدؤون بالقتال؟ وما حكم أسيرهم، وما حكم الأسلحة والأموال التي نغنمها منهم؟ الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد: فإن الخوارج من أهل البدع والضلال، وأرباب الفسق والانحراف، وهم مع ذلك مِن أهل الملة الإسلامية في الجملة، فلا يُحكَم بخروجهم من الدين بإطلاق، ويجوز الدعاء عليهم، ولعنهم على سبيل العموم، واتباع مدبرهم، والإجهاز على جريحهم، وقتل أسيرهم في حال المصلحة.
أولًا: الذي عليه عامة العلماء من السلف والخلف:
عدم تكفير الخوارج، ويدل على ذلك أن الصحابة رضي الله عنهم لم يَحكموا بكفر الخوارج مع قتالهم لهم، كما روى ابن أبي شيبة في "المصنف" بإسناد صحيح عن طارق بن شهاب، قال: "كُنْتُ عِنْدَ عَلِيٍّ، فَسُئِلَ عَنْ أَهْلِ النَّهْروان (يعني: الخوارج) ، أَهُمْ مُشْرِكُونَ؟ قَالَ: مِنَ الشِّرْكِ فَرُّوا . قِيلَ: فَمُنَافِقُونَ هُمْ؟ . قَالَ: إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا . قِيلَ لَهُ: فَمَا هُمْ؟ قَالَ: قَوْمٌ بَغَوْا عَلَيْنَا ". قال ابن تيمية في "مجموع الفتاوى": "وَلَمْ يُكَفِّرْهُمْ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ وَغَيْرُهُمَا مِنْ الصَّحَابَةِ، بَلْ جَعَلُوهُمْ مُسْلِمِينَ مَعَ قِتَالِهِمْ، وَلَمْ يُقَاتِلْهُمْ عَلِيٌّ حَتَّى سَفَكُوا الدَّمَ الْحَرَامَ وَأَغَارُوا عَلَى أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ، فَقَاتَلَهُمْ لِدَفْعِ ظُلْمِهِمْ وَبَغْيِهِمْ، لَا لِأَنَّهُمْ كُفَّارٌ". وقَالَ الخَطَّابي، كما نقله عنه الحافظ في الفتح: "أَجْمَعَ عُلَمَاء الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَنَّ الْخَوَارِج مَعَ ضَلَالَتهمْ فِرْقَةٌ مِنْ فِرَقِ الْمُسْلِمِينَ، وَأَجَازُوا مُنَاكَحَتهمْ وَأَكْل ذَبَائِحهمْ، وَأَنَّهُمْ لَا يُكَفَّرُونَ مَا دَامُوا مُتَمَسِّكِينَ بِأَصْلِ الْإِسْلَام".
وقال ابن تيمية في "منهاج السنة النبوية" :"بل كانت سيرةُ علي والصحابة في الخوارج مخالفةً لسيرة الصحابة في أهل الردة، ولم يُنكر أحدٌ على عليٍّ ذلك، فعُلِمَ اتفاق الصحابة على أنهم لم يكونوا مرتدين عن دين الإسلام". وقال النووي في "شرح صحيح مسلم": "الْمَذْهَب الصَّحِيح الْمُخْتَار الَّذِي قَالَهُ الْأَكْثَرُونَ وَالْمُحَقِّقُونَ: أَنَّ الْخَوَارِجَ لَا يُكَفَّرُونَ كَسَائِرِ أَهْل الْبِدَعِ". وقال ابن حجر في "فتح الباري": "وَذَهَبَ أَكْثَرُ أَهْل الْأُصُول مِنْ أَهْل السُّنَّة إِلَى أَنَّ الْخَوَارِج فُسَّاق، وَأَنَّ حُكْم الْإِسْلَام يَجْرِي عَلَيْهِمْ لِتَلَفُّظِهِمْ بِالشَّهَادَتَيْنِ وَمُوَاظَبَتِهِمْ عَلَى أَرْكَان الْإِسْلَام، وَإِنَّمَا فُسِّقُوا بِتَكْفِيرِهِمْ الْمُسْلِمِينَ مُسْتَنِدِينَ إِلَى تَأْوِيل فَاسِد، وَجَرَّهُمْ ذَلِكَ إِلَى اِسْتِبَاحَة دِمَاء مُخَالِفِيهِمْ وَأَمْوَالهمْ وَالشَّهَادَة عَلَيْهِمْ بِالْكُفْرِ وَالشِّرْك". وعليه: فلا يصح إطلاق القول بكفر "تنظيم الدولة"، ولا يمنع ذلك من وقوع بعض أفرادهم في الكفر؛ لارتكابه ناقضًا من نواقض الإسلام، أو كونه من غير المسلمين المندسين في صفوفهم، أو غير ذلك، لكن لا يكون الحكم عليه إلا ببينةٍ شرعيةٍ، بعد استيفاء الشروط، وانتفاء الموانع.
وإنَّما يُحكم عليهم بالبدعة والضلالة، كما قال الإمام الآجري في كتابه "الشريعة": "لَمْ يَخْتَلِفِ الْعُلَمَاءُ قَدِيمًا وَحَدِيثًا أَنَّ الْخَوَارِجَ قَوْمُ سُوءٍ، عُصَاةٌ لِلَّهِ تَعَالَى وَلِرَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِنْ صَلَّوْا وَصَامُوا وَاجْتَهَدُوا فِي الْعِبَادَةِ، فَلَيْسَ ذَلِكَ بِنَافِعٍ لَهُمْ". ثانياً: يعامل قتلاهم وموتاهم كموتى بقية المسلمين:
من التغسيل، والتكفين، والصلاة عليهم، فما زال المسلمون يصلون على كل من أظهر الإسلام ما لم يُعْلَم عنه نفاق أو ردَّة.
قال إبراهيم النخعي: "لم يكونوا يَحجبون الصلاةَ عن أحدٍ من أهل القبلة " رواه اللالكائي في "شرح أصول اعتقاد أهل السنة". وقال الإمام مالك: "لا تُتْرَكُ الصلاةُ على أحد مات ممن يصلي إلى القبلة". قال ابن عبد البر في "الاستذكار": "وهو قول الشافعي وجماعة الفقهاء يُصلَّى على كلِّ من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم". ولكن يُشرع لأهل المكانة والعلم عدم الصلاة عليهم عقوبةً ونكالاً لهم، وزجراً عن أفعالهم؛ فقد ترك النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة على قاتل نفسه، وعلى الغالِّ من الغنيمة، وعلى المدين، مع أمره للصحابة بالصلاة عليهم.
قال ابن تيمية في "منهاج السنة": "وإذا كان في ترك الصلاة على الداعي إلى البدعة والمظهر للفجور مصلحةٌ من جهة انزجار النَّاس، فالكف عن الصلاة كان مشروعًا لمن يُؤَثِّرُ ترك صلاته في الزجر بأن لا يصلى عليه". ثالثاً: ذهب فريق من أهل العلم إلى أن حكم الخوارج كحكم البغاة من حيث إنهم:
لا يبدؤون بقتال، ولا يجهز على جريحهم، ولا يُتبع مدبرهم، ولا يقتل أسيرهم.
والصواب الذي عليه كثير من المحققين أن حكم الخوارج يختلف عن حكم البغاة؛ لأنَّ البغاة هم الخارجون على جماعة المسلمين أو إمامهم لشبهةٍ عرضت لهم، لكنهم لا يكفرون المسلمين ولا يستحلون دماءهم، ولذلك لا يقاتلون إلا لرد بغيهم وعدوانهم؛ خلافًا للخوارج الذي يكفرون المسلمين ويستحلون دماءهم، ولهم طائفة ممتنعة، فيُقاتلون لأجل بدعتهم وضلالهم وكفِّ شرهم عن الأمة، كما ورد الأمر النبوي بذلك.
ويدل على ذلك أن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب لم يعامل الخوارج كما عامل البغاة من أهل الجمل وصفين . قال ابن قدامة المقدسي في "المغني": " وَالصَّحِيحُ إنْ شَاءَ اللَّهُ: أَنَّ الْخَوَارِجَ يَجُوزُ قَتْلُهُمْ ابْتِدَاءً، وَالْإِجْهَازُ عَلَى جَرِيحِهِمْ؛ لِأَمْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَتْلِهِمْ وَوَعْدِهِ بِالثَّوَابِ مَنْ قَتَلَهُمْ. فَإِنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: لَوْلَا أَنْ تَبْطَروا، لَحَدَّثْتُكُمْ بِمَا وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ يَقْتُلُونَهُمْ عَلَى لِسَانِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَلِأَنَّ بِدْعَتَهُمْ وَسُوءَ فِعْلِهِمْ، يَقْتَضِي حِلَّ دِمَائِهِمْ؛ بِدَلِيلِ مَا أَخْبَرَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ عِظَمِ ذَنْبِهِمْ، وَأَنَّهُمْ شَرُّ الْخَلْقِ وَالْخَلِيقَةِ، وَأَنَّهُمْ يَمْرُقُونَ مِنْ الدِّينِ، وَأَنَّهُمْ كِلَابُ النَّارِ، وَحَثِّهِ عَلَى قَتْلِهِمْ، وَإِخْبَارِهِ بِأَنَّهُ لَوْ أَدْرَكَهُمْ لَقَتَلَهُمْ قَتْلَ عَادٍ.
فَلَا يَجُوزُ إلْحَاقُهُمْ بِمَنْ أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْكَفِّ عَنْهُمْ، وَتَوَرَّعَ كَثِيرٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قِتَالِهِمْ، وَلَا بِدْعَةَ فِيهِمْ". وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى": " وَأَمَّا جُمْهُورُ أَهْلِ الْعِلْمِ فَيُفَرِّقُونَ بَيْنَ (الْخَوَارِجِ الْمَارِقِينَ) وَبَيْنَ (أَهْلِ الْجَمَلِ وصفين) مِمَّنْ يُعَدُّ مِنْ الْبُغَاةِ الْمُتَأَوِّلِينَ، وَهَذَا هُوَ الْمَعْرُوفُ عَنْ الصَّحَابَةِ، وَعَلَيْهِ عَامَّةُ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَالْفُقَهَاءِ وَالْمُتَكَلِّمِين، وَعَلَيْهِ نُصُوصُ أَكْثَرِ الْأَئِمَّةِ وَأَتْبَاعِهِمْ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَأَحْمَد وَالشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِمْ".
وعليه: فالخوارج يقتل أسيرهم، ويجهز على جريحهم، ويتبع مدبرهم، ويجوز ابتداؤهم بالقتال. قال ابن تيمية في "الفتاوى": "وَهَؤُلَاءِ إذَا كَانَ لَهُمْ طَائِفَةٌ مُمْتَنِعَةٌ فَلَا رَيْبَ أَنَّهُ يَجُوزُ قَتْلُ أَسِيرِهِمْ وَيجوز اتِّبَاعُ مُدْبِرِهِمْ، وَالْإِجْهَازُ عَلَى جَرِيحِهِمْ؛ فَإِنَّ هَؤُلَاءِ إذَا كَانُوا مُقِيمِينَ بِبِلَادِهِمْ عَلَى مَا هُمْ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَقْصِدُوهُمْ فِي بِلَادِهِمْ لِقِتَالِهِمْ حَتَّى يَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ". وهذا هو الأليق بهذه الفئة؛ قطعاً لإفسادهم، وهو يتناسب مع مكرهم وغدرهم المتكرر وامتناعهم من النزول على حكم الله تعالى، وإجرامهم في خاصة المسلمين وقادتهم وفضلائهم.
بل إنه يجوز قتل الفرد الواحد منهم وإن لم يكن له جماعةٌ أو فئة، إن كان من الدعاة لهذه البدعة لما في بقاءه من ضرر على المسلمين. قال ابن تيمية في "الفتاوى": "فأما قتل الواحد المقدور عليه من الخوارج؛ كالحرورية والرافضة ونحوهم: فهذا فيه قولان للفقهاء هما روايتان عن الإمام أحمد، والصحيح: أنه يجوز قتل الواحد منهم؛ كالداعية إلى مذهبه ونحو ذلك ممن فيه فساد". كما يجوز حبسهم لمفاداة أسرى المسلمين منهم، أو محاولة ثنيهم عن بدعتهم. رابعًا: أما الأموال التي تحت أيديهم: فما كان منها من الأموال العامة: كالأسلحة، وآبار النفط، والمباني الحكومية، والمصانع وغيرها: فلا تُغنم ولا تُقسم، بل يُحافظ على عملها قدر المستطاع لتبقى منفعتها العامة؛ مع توفير الحراسة والحماية لها، كما سبق في فتوانا (حكم الاستيلاء على الأموال العامة وآبار النفط وإدارتها). وما كان من أموال اغتصبوها أو أخذوها من أهلها بسبب أحكامهم الجائرة: فإنها تُعاد لأصحابها. وأما الأموال الخاصة بهم: فمذهب كثير من العلماء أنها لا تُغنم، وإنما تُدفع لذويهم، فبغيهم وخروجهم يحل قتالهم ولا يحل أموالهم، إلا أن يستعينوا بهذا المال على قتال المسلمين، فمثل هذا يحبس عنهم حتى تنتهي فتنتهم، ويجوز أن يؤخذ منهم إن كان في ذلك مصلحة للمسلمين، وبحكم شرعي. قال ابن المناصف في كتابه " الإنجاد في أبواب الجهاد ": "الصحيح: أنه لا يُستباح منهم مالٌ بِحال، إلا ما استُهلك في حومة القتال لضرورة دفاعهم، والنظر في استصلاحهم المأمور به شرعاً، لأن الله تعالى يقول: {وَلاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ}، وهؤلاء إنما أبيح قتالهم لاستصلاح فاسدهم، وردعهم عن الإقبال على باطلهم، حتى يفيئوا إلى أمر الله، فلم يُؤذن في أموالهم؛ ولا في سِبائهم بالوجه الذي أُذن به في الكفار، بل كلُّ ذلك منهم معصومٌ بحرمة الإسلام، إلا المقدار الذي شُرع من قتالهم فقط، وليس كل من وجَبَ قتله أو قتاله يُستباح لذلك ماله ". وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في "منهاج السنة النبوية: " وشرُّ من قاتلهم علي: هم الخوارج، ومع هذا فلم يحكم فيهم بحكم الكفار، بل حرَّم أموالهم وسبيهم". وقال في "مجموع الفتاوى": "فَهَؤُلَاءِ يُقَاتَلُونَ مَا دَامُوا مُمْتَنِعِينَ، وَلَا تُسْبَى ذَرَارِيُّهُمْ، وَلَا تُغْنَمُ أَمْوَالُهُمْ الَّتِي لَمْ يَسْتَعِينُوا بِهَا عَلَى الْقِتَالِ، وَأَمَّا مَا اسْتَعَانُوا بِهِ عَلَى قِتَالِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ خَيْلٍ وَسِلَاحٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ، فَفِي أَخْذِهِ نِزَاعٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ نَهَبَ عَسْكَرُهُ مَا فِي عَسْكَرِ الْخَوَارِجِ، فَإِنْ رَأَى وَلِيُّ الْأَمْرِ أَنْ يَسْتَبِيحَ مَا فِي عَسْكَرِهِمْ مِنْ الْمَالِ كَانَ هَذَا سَائِغًا". خامساً: وأما لعن الخوارج ففيه تفصيل: 1- فإن كان ذلك على سبيل العموم، كما لو قال: لعن الله أهل البدع، أو: لعنة الله على الخوارج، أو: لعن الله الظالمين المجرمين، أو: لعن الله هذا التنظيم المجرم: فهذا اللعن جائز ولا بأس به.
فقد لعن الله تعالى الظالمين: (أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ) [هود:18 ]، والكاذبين: (ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ) [آل عمران: 61]. ولعن رسول الله صلى الله عليه وسلم: من لعن والديه، وآكل الربا، والسارق، وغير ذلك. وقد انعقد الإجماع على ذلك، قال ابن العربي في "أحكام القرآن: " وأما لعن العاصي مطلقاً؛ فيجوز إجماعاً". وعلى هذا فيجوز لعن الخوارج جملة، فيقال: اللهم العن الخوارج؛ لعظم إفسادهم، وقتلهم المسلمين، وتكفيرهم، والغدر بهم، وقد ورد عن بعض الصحابة: لعن الأزارقة (وهم فرقة من الخوارج). 2- أما لعن الشخص المعيَّن منهم، كما لو قال: لعنة الله على فلان، أو : فلان لعنه الله. فمثل هذا اللَّعن محرم ولا يجوز عند جمهور العلماء؛ لأن مقتضى هذا اللعن الدعاء عليه بأن يُطرد ويُبعَد من رحمة الله، ونحن لا نعلم الحال التي يختم له بها. قال أبو حامد الغزالي في "إحياء علوم الدين": "إنَّ لعنَ فاسقٍ بعينه: غيرُ جائز، وعلى الجملة ففي لعن الأشخاص خطرٌ فليُجتَنَب". قال الإمام النووي في "شرح صحيح مسلم": "لَا يَجُوزُ لَعْنُ أحدٍ بعينه، مسلمًا كان، أو كافرًا، أَوْ دَابَّةً، إِلَّا مَنْ عَلِمْنَا بِنَصٍّ شَرْعِيٍّ أَنَّهُ مَاتَ عَلَى الْكُفْرِ أَوْ يَمُوتُ عَلَيْهِ كَأَبِي جَهْلٍ وَإِبْلِيسَ".
وروى البخاري في صحيحه عن عمر أن رجلاً على عهد النبي صلى الله عليه وسلم كان اسمه عبد الله، وكان يُضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد جلده في الشراب، فأتي به يوماً فأمر به فجُلد، قال رجل من القوم: اللهم العنه، ما أكثرَ ما يُؤتى به، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( لا تلعنوه، فو الله ما علمتُ، إلا أنَّه يحبُ الله ورسولَه).
قال ابن تيمية في "منهاج السنة": " قد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن لعنةِ هذا المعيَّن الذي كان يكثر شرب الخمر، معللًا ذلك بأنه يحب الله ورسوله، مع أنه صلى الله عليه وسلم لعن شارب الخمر مطلقاً، فدل ذلك على أنه يجوز أن يُلعن المطلق، ولا تجوز لعنة المعيَّن الذي يحب الله ورسوله، ومن المعلوم أن كلَّ مؤمنٍ فلا بد أن يحب الله ورسوله".
وقد ورد عن بعض السلف الترخيص في لعن رؤوس أهل البدع والضلال ممن اشتد أذاهم للمسلمين، كالمختار بن أبي عبيد، وبشر المريسي، والجهم بن صفوان، ونحوهم. وعلى أي حال لا ينبغي أن يكون اللعن والسب ديدنًا للمسلم، لقوله صلى الله عليه وسلم: (لَيْسَ الْمُؤْمِنُ بِالطَّعَّانِ، وَلا اللَّعَّانِ، وَلا الْفَاحِشِ، وَلا الْبَذِيءِ) رواه الترمذي.
فالمسلم عَفُّ اللِّسان، طيِّب القول، لا يشتُمُّ ولا يسُبُّ ولا يطعَن؛ قال الله تعالى : ( وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ). وقال أنسٌ رضي الله عنه: (لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاحِشًا، وَلاَ لَعَّانًا، وَلاَ سَبَّابًا) رواه البخاري. ثم إن اللعن يقتضي الدعاء على الإنسان بالطرد والإبعاد من رحمة الله، والأولى الدعاء له بالهداية والإنابة، كما قيل للنبي صلى الله عليه وسلم: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ دَوْسًا عَصَتْ وَأَبَتْ، فَادْعُ اللَّهَ عَلَيْهَا.
فقَالَ: (اللَّهُمَّ اهْدِ دَوْسًا، وَأْتِ بِهِمْ). سادساً: أما الدعاء على الخوارج بسبب ظلمهم وبغيهم وإفسادهم: فهذا جائز، قال الله جل وعلا: {لاَّ يُحِبُّ ٱللَّهُ ٱلْجَهْرَ بِٱلسُّوء مِنَ ٱلْقَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ وَكَانَ ٱللَّهُ سَمِيعاً عَلِيماً} [النساء:148].
عن ابن عباس قال: "لَا يُحِبُّ اللَّهُ أَنْ يَدْعُوَ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَظْلُومًا، فَإِنَّهُ قَدْ أُرْخِصَ لَهُ أَنْ يَدْعُوَ عَلَى مَنْ ظَلَمَهُ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ: {إِلا مَنْ ظُلِمَ} وَإِنْ صَبَرَ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ" أخرجه الطبري في تفسيره. وقد دعى النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته على عدد من الظلمة. لكن لا يجوز التعدي في الدعاء عليهم، كالدعاء بموتهم على الكفر، أو الدعاء على من لا يستحق كالذرية والأهل، أو سبهم وشتمهم بما يتضمن قذف أعراضهم، أو السخرية بخِلقتهم، ونحو ذلك. ومع كل ما تقدم: فينبغي عدم اليأس من دعوة هؤلاء إلى الحق، وتبصيرهم به، والرَّد على شبههم، فقد عاد على يدي ابن عباس من الخوارج الأول أكثر من ثلثهم. نسأل الله تعالى أن يهدي منهم من كان في هدايته خير للإسلام والمسلمين، وأن يرد كيدهم، ويكف بأسهم، وأن يُعلي راية الجهاد في بلاد الشام وسائر بلاد المسلمين، وأن يرد عنها ما يكاد بها. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
رابطة خطباء الشام
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة