يحيى العريضي
تصدير المادة
المشاهدات : 3019
شـــــارك المادة
هكذا بنى الأسد الأب نظامه. إنه نمط اللباس الموحد. وهكذا تماماً كان نهج الابن تجاه ما حدث ويحدث في سورية… مطبخ ينسج الرسالة، يتم الالتزام بها تفكيراً ونهجاً وتنفيذاً بالمطلق؛ ومن يحيد، ينتهي. مرتكزات الرسالة ومنهجيتها ثوابت أربعة لم يحد عنها النظام قيد أنملة:
الثورة: الثائرون أو المنتفضون أو المعارضون ليسوا إلا عبارة عن عناصر مندسّة طائفية رخيصة جاهلة متآمرة خائنة … عصابات مسلحة إرهابية تعمل بأجندات خارجية. المؤامرة: هناك مؤامرة كونية تقودها الصهيونية والإمبريالية وتمولها الوهابية هدفها النيل من الموقف العربي السوري الممانع المقاوم؛ وهناك مطامع إقليمية تقسيمية تركية هدفها الاستيلاء على زراعة ونفط الجزيرة السورية. العنف: وهو الفعل الأمضى في إخضاع الخصم ( الأسد أو نحرق البلد )؛ من هنا كانت إدارة الظهر لتجارب تونس ومصر واليمن. ولتبرير ذلك كان لا بد من تصنيع عنف مضاد؛ فكان التسليح وإطلاق السجناء المجرمين والمبرمجين على الإجرام؛ فتم إلصاق أفعاله الإجرامية الإرهابية بمن يعارضه؛ فغدى الإرهاب – العبارة السحرية رائجة السوق عالمياً- عنوان الثابت الثالث، حيث جرى تسويق النظام عالمياً بأنه يقاوم الإرهاب ؛ ومن هنا إصراره على مناقشة مسألة مقاومة الإرهاب فقط في جنيف. الخارج: الدعم الظاهر والدعم الخفي؛ وتمثل الأول بدعم روسيا وإيران والثاني بالدعم الأمريكي؛ وكان الأهم من خلال ارتباطه واستخدامه للأول. الأول ظاهر ودعمه المادي والعسكري والسياسي معروف للجميع. والثاني لا يعرفه إلا الدائرة الضيقة؛ وأهم ما فيه قبوله لعب دور الخصم وقائد المؤامرة الكونية التي تعطي ” مصداقية ” لنظام الممانعة والمقاومة المستَهدَفة بمؤامرة كونية.
يتضح من خلال امتداد المأساة السورية أن النظام اعتبر أي خلل في المعادلات أو الثوابت السابقة مسألة وجودية بالنسبة له.
لقد كان الالتزام المطلق بها شرط بقائه الأساسي. كانت الثلاث الأولى بيده وصناعته؛ يتحكم بها خطاباً وفعلاً. أما العنصر أو المعادلة الرابعة، فلم تكن بتصرفه بالمطلق . كان جهده الأكبر منصباً عليها؛ وأتى الخطر منها فعلاً. ومن هنا نراه الآن في أسوأ ورطة يقع فيها. فما الذي حصل؟
* يستطيع النظام تحمل جفاء وغضب وقطيعة روسيا أو إيران أو أي جهة أخرى؛ ولكن لايمكنه احتمال جفاء أو غضب أو قطيعة حقيقية جادة لا استعراضية إعلامية من أمريكا.
* لأول مرة منذ نشأ؛ يستشعر النظام في سورية خطراً وجودياً حقيقياً. كل ماجرى من مناكفات وتعكر أجواء بينه وبين أمريكا خلال أربعة عقود لم يكن إلا سُحب صيف تهدف في كثير من الأحيان إلى تعزيز موقفه في ” الممانعة والمقاومة “.
أقصى درجات الجدية بينهما كانت طلباً في تغيير لسلوك النظام عندما كان يرسل إرهابيين إلى العراق. كان هدفه ابتزازي، فطلبت منه أمريكا تغيير ذلك السلوك الابتزازي. وكان لها ما أرادت؛ فأصبح السلوك الإرهابي يُوجَّه حسب إرادة الإدارة الأمريكية.
خلال سنوات الدم السورية مررت له أمريكا كل شيء حتى استخدام السلاح الكيماوي على شعبه. كبّلت وخنقت المعارضة التي تريد إسقاطه. استخدمت روسيا لتحميه في مجلس الأمن، ولعبت دور المعنّف له، أن استخدامها للفيتو في مجلس الأمن سيفضحها بالمطلق؛ فكان تكليف روسيا بوتين بالمهمة.
* هذه المرة، وبعد القرار 2170؛ يبدو أن الأمور جادة أكثر من أي مرة في تاريخ العلاقات الأمريكية-السورية. حتى روسيا لم تستشعر خطر القرار المذكور؛ وما التقطت أبعاده.؛ وكأنها صدّقت كذبتها بأن النظام يقاوم الإرهاب. وكأن النظام ذاته أيضاً قد صدّق كذبته بأنه يقاوم الإرهاب؛ وأن الأمريكيين قد اشتروا قصته. لم يدرك أن أمريكا تعرف وبجد أنه منبع تصنيغ الإرهاب.
* تصرف النظام بداية وكأنه لا يصدّق ما يحدث؛ واعتقد أن مسألة التنسيق معه أمر مفروغ منه، وخاصة أن العراق وداعشه كانا في الواجهة، معتقداً أن ذلك سيكون فرصة لإعادة تأهيله، وأن المجمع الدولي أخيراً اشترى قصته؛ فهو كاتم أسرار داعش وعارف بخباياها، وفي جزء كبير منها صناعته بامتياز؛ ولا بد لأصحاب القرار من أن يعودوا إليه في التنفيذ.
* استشعرت إيران خطر القرار، وأدركت تفلت بعض الخيوط من يدها؛ وكان أولها رأس المالكي الذي أضحى زواله ضرورياً؛ لتجد إيران نفسها تقتلع أصابع يدها بيدها. وفي الحال أيضاً، وجدت اللهيب يمتد إلى أصابعها الأخرى في دمشق.
* نظام دمشق استدرك المخاطر المحدقة به بجدية لأول مرة؛ فسعى أن يدحش نفسه في مهمة محاربة داعش بأي طريقة. وكان لا بد من افتعال مواجهة ما معها. وصلت طائراته إلى الداخل العراقي. لم يشفع له ذلك، بل كانت المفاعيل عكسية. فكان عليه أن يشتبك مع داعش محلياً – الأمر الذي لم يفعله من قبل – وكان لا بد من أن يظهر نفسه ضحية لإرهابها؛ فهندس تلك المواجهة التي قدمت لداعش الفرقة 17 واللواء 93 ومطار الطبقة وآلاف الضحايا من جيشه متحملاً غضب مناصريه.
* دخل أوباما مرحلة جد غير مسبوقة. زاد استشعار نظام دمشق للخطر. دق باب الروس، فوجدهم في ورطة أوكرانيا. تمسك بثوب الخامنائي، فوجده يلطم على عراق المالكي ومشروعه النووي المحاصر ويفكر بالانتقام في صنعاء.
* لم يصدق النظام ما يحدث. لجأ إلى التذكير بسيادته ثم إلى التلويح بالمخاطر التي قد تواجه قوات التحالف إذا ما اخترقت سيادته. قيل له ” اخرس “. عاد إلى الاستجداء والرجاء عبر تقديم مغريات معلوماتية عن داعش. رماها التحالف في وجهه. لجأ إلى الكذب فادعى أنه أُحيط علماً بما يقوم به التحالف. كُذَّب. لجأ إلى تقارير إعلامية غربية اشترى صانعيها كي يقدموه كعامل مساعد على إنجاح مهمة التحالف. لم يعر أحد اهتماماً لذلك.
* وجد النظام نفسه في الزاوية القاتلة، أخرج رئيسه ليصرّح بأن التحالف مرحباً به؛ وهو والتحالف في خندق واحد، ناسفاً بذلك ما قامت عليه إستراتيجيته الأساسية في قتل مَن ثار عليه والمتمثلة بأنه يواجه مؤامرة دولية.
* هنا وقع في المحظور فعلاً. سقط كما لم يسقط من قبل. فجأة وفي الأمم المتحدة تعود الحياة لبعض خطاب موسكو على لسان لافروف الذي تحدث عن انتهاك السيادة السورية.
وقع النظام في أزمة جديدة أكثر تعقيداً. تمزق بين الاستفادة من خطاب لافروف في السيادة وبين السيادة التي باعها بالأمس من خلال الترحيب بالتحالف والخندقة في صفه. يضاف إلى ذلك تلك الأصوات والرؤوس التي صُدمت بخطابه المتلوّن: البارحة (أمريكا قائدة المؤامرة الكونية ونقاومها ونقاوم أرهابها ) واليوم (نرحب بها ومعها في خندق واحد.) البارحة (لا مساس بالسيادة،) واليوم صباحاً (طز بالسيادة،) واليوم مساءً (ياغيرة دين السيادة،) وغداً (لاندري مانفعل.)
* هذا هو حال النظام الذي يستشعر أنه في ورطة لم يسبق له أن وقع فيها بسبب تماسكه وتماسك خطابه وإستراتيجية من اللحظة الأولى لتعرضه للخطر. فجأة يجد أن كل منظومته تتساقط أمامه وبفعل يده.
إنها النهاية التي لا بد منها.
كلنا شركاء
زهير سالم
أمير سعيد
ياسر الزعاترة
أحمد عمرو
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة