أبو يزن الشامي
تصدير المادة
المشاهدات : 4676
شـــــارك المادة
أفكار ومحاور هذا النص الذي يناقش مفاهيم في الشهادة من آخر ما كتبه الشيخ الشهيد أبو يزن الشامي للبرنامج الذي كان يعمل عليه، وصيغ بعد استشهاده تقبله الله:
في أيام حركة الفجر الأولى كان معنا أخٌ مجاهدٌ اسمه بلال، معظم كتيبته استشهدت في المعارك. كان كثيرًا ما يقول: يا شيخي ما ظل غير أنا وأنت.
سألت عنه بعد تحرير منطقة الشقيف بحلب، فقالوا استشهد. كان شوقه لإخوانه أثقل عليه من أن يعيش طويلًا بعدهم. أذكر أيضًا شابًّا صغيرًا اسمه يعقوب، كان ثقيل الوزن لا يصلح للمعارك فكنا نعينه في الحراسة بينما يصر هو على أن نرسله ليجاهد في حلب. من إصراره اشترط عليه قائد الكتيبة أن يصعد جبلًا عاليًا ويعود ركضًا قبل أن يأخذه، رغم صعوبة ذلك على مثله لكنه فعل، واستشهد في المعركة التالية. أبو مصعب عبد الله كرز من إخواننا، قبل استشهاده بيومين حاولت إيقاظه لصلاة الفجر ما استيقظ معي، جاء في الصباح يعتذر مني، وقال: "أحكيلك منامًا يا شيخ؟ شفت حالي متصاوب وأنزف بعد معركة، فقلت لهم لا تسعفوني بدي أروح شهيد" وبعد يومين راح شهيد.
الشيخ أبو خالد السوري- تقبله الله- استشهد معظم جيله الذين كانوا معه في الجهاد، كان لمّا يجلس وينظر يجد من حوله الشباب الذين في أول اشتدادهم، وهو الشيخ المتقدم في التجربة والعمر يتذكر إخوانه ويتحسر يقول: ما بيستشهد غير الكويسين، أما العاطل مثلي هو اللي بظل. بعدها بأيام استشهد بين يدي.
لا أجمل من حديث الشهادة والشهداء الذين يمضون مخلصين في سبيل الله يسرعون صاعدين إلى الله على دمائهم. والفضائل العاجلة والمكنوزة للشهيد عند الله لا تخفى على مجاهد في سبيل الله، أأعظم من أن يضحك إليهم ربهم، كما في الحديث عن الذين إن لقوا في الصف يلفتون وجوههم حتى يقتلوا؟!
ظلت الشهادة أمنية الصالحين، ودعاء العباد والزاهدين، وسعي المجاهدين، يقينًا بوجوب ولزوم البذل وبعظيم الأجر. بمقابل ذلك، هناك فرق بين طلب الشهادة والسعي إليها في جهاد الطلب وبينه في جهاد الدفع، على اعتبار أن الغنيمة في جهاد الطلب {وَأَرْضًا لَمْ تَطَؤُوهَا}، أما في الدفع فهي المحافظة على أرض المسلمين من العدو الصائل، وأن رأس مال هذه المحافظة هم المجاهدون المدافعون أنفسهم، لذلك يُشدد عليهم بالحذر وأخذ السبب حتى يصطفيهم الله إن شاء وقدر، وقد بذلوا السبب في الحماية والدفاع.
من أخطاء الجماعات تهاونها في أرواح شبابها واستسهالها ذهابهم وهم مادة الجهاد، إما بنقص الإعداد والتدريب، أو بضعف التحصينات الدفاعية اللازمة، أو بزجهم في معارك عبثية معلومٌ يقينًا نتيجتها وعدم جدواها، أو بعدم التخطيط الجيد للمعارك، أو بالانسحاب منها بعد تقدمهم بلا ضرورة ميدانية لازمة، أو بالسماح لهم الدخول في العمليات الاستشهادية دون حرص وعناية في اختيار الاستشهادي، وفي اختيار مكان تنفيذه أو العناية بالضوابط المشددة التي وضعها الفقهاء للعمليات الاستشهادية. والعمليات الاستشهادية مسألةٌ فقهية اجتهادية، لا يقدم عليها إلا من علم ضوابطها واستبصر بالواقع، أي أنه أدرك الشرع والواقع، وإلا كانت مثل الانتحار. وفي ذلك يمكن تقييد قاعدة: "أن الأمر إذا أجيز بضوابط لا يُترك لعامة الناس قياده". ومن أخطاء الشباب- حديثي التجربة- قلة صبرهم على متاعب الطريق واستعجال نهايته والنظر للشهادة أنها الخلاص من الدنيا وشقائها وإنقاذٌ منها إلى الجنة من غير تحصيل لوازم وشروط ذلك. الشهادة أرقى صور الإخلاص وأصعبها؛ لا تجعلها قناعًا للانتحار والهروب السهل مما أوجب الله على عبده أن يخوضه ويصبر عليه في الحياة. الشهادة قمةٌ في الوعي، هي إدراكٌ لفلسفة الحياة وفكٌ لعقدتها؛ فلا نسمح لمن يشوهها بالعدمية والعبثية، وهي في امتدادها حياة. {أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ}.
اللهم ألحقنا بالأحياء عندك يرزقون، نستبشر بإخواننا الذين لم يلحقوا بنا ألا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون، وثبتنا في سبيلك حتى نلقاك شهداء لم يُفتنوا أو يستعجلوا.
الدرر الشامية
مجاهد مأمون ديرانية
أحمد موفق زيدان
زهير سالم
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة