برهان غليون
تصدير المادة
المشاهدات : 3038
شـــــارك المادة
أثار المبعوث الدولي دي مستيرا بفكرة المناطق المجمدة آمال الكثير من السوريين بإمكانية فتح ثغرة في جدار الحرب الوحشية والتقدم ولو خطوة صغيرة في اتجاه التهدئة، على طريق ايجاد حل سياسي للمحنة السورية المستعصية.
ومن الطبيعي أن يثير هذا العرض خيال أبنائنا الذين يتعرضون في المناطق المحاصرة أو الخارجة عن سلطة نظام الأسد، بمقدار ما يلوح لهم بالخلاص، على الأقل من حرب الجوع ومن البراميل المتفجرة والحارقة ومن القنص والتشبيح من كل الأشكال. لكن ليس في مخطط وقف إطلاق النار بدءاً من حلب أي مشروع حل سياسي. بالعكس إن هدفه هو مساعدة النظام من قبل حلفائه، الروس والإيرانيين، على قطف ثمار حرب التجويع والتركيع والقتل العشوائي والتهجير المنهجي للسكان، وقتل أي حياة مدنية طبيعية في المناطق التي يسيطر عليها المقاتلون المعارضون. ولا يعني في النهاية إلا قبول السوريين بوضع حد للصراع من دون أن يضمنوا أي تغيير أو تحول في نظام الحكم وفي الحاكمين، بل فقط لقاء السماح لهم بعدم الموت تحت البراميل المتفجرة، وبتلقي المعونات الغذائية الدولية، أي الاعتراف في النهاية والإقرار بالأمر الواقع.
يعرف الإيرانيون الذين يقودون العمليات العسكرية والسياسية في سورية أن الاستنزاف قد أصاب جميع القوى وفي مقدمتها النظام، وأن الأسد ليس بحاجة إلى أكثر من تجميد المواقع ووقف إطلاق النار حتى يستمر ويوقف تدهور موقفه العسكري والسياسي. فوقف إطلاق النار، من دون شروط سوى تأمين الغذاء للمناطق المحاصرة يعني ببساطة تحرير الأسد من كل الضغوط العسكرية والدولية، وتكريس سلطته من جديد في المناطق التي يسيطر عليها، وهي الأهم سياسياً في سورية، وتركه المناطق الأخرى الخاضعة للمعارضة تكتوي بنار الفوضى والصراعات الداخلية والتسول على المساعدات الدولية. مثل هذا الوضع لا يشكل ضماناً لبقاء الأسد كما يريد الإيرانيون فحسب وإنما يريح أيضاً المجتمع الدولي الذي يريد أن يتخلص من عبء المأساة السورية، ولا يبقي من القضية السورية، أعني قضية تغيير نظام حكم جائر وقاتل، إلا بعدها الإنساني. سيقدم المجتمع الدولي المساعدات لمناطق المعارضة حتى تستمر في الحياة لكنه شيئاً فشيئاً سوف يتعامل مع دمشق كعاصمة للدولة السورية المتبقية، في حين سينظر إلى مناطق المعارضة المتفرقة كفراطة وفرق حساب. من الطبيعي أن يتحمس الأسد لمثل هذا المخطط الذي يأتي ليكمل عمله التدميري وينهيه ويؤمن استمراره من خلال تكريس تقسيم الأمر الواقع للبلاد بينه وبين المعارضة، مع احتفاظه بالجزء الأساسي من الدولة ومواردها ورموزها، وتركه بقية المناطق هدية مسمومة للمعارضة تتنازع عليها مع داعش والقوى المتطرفة الأخرى وتأكل بعضها فيها. وليس من قبيل الصدفة أن يختار دي مستيرا مدينة حلب والتركيز عليها. فبتجميد القتال في حلب يسمح لنظام الأسد الإيراني أن يستجمع قواه من أجل القضاء على معاقل الثوار في الغوطة الشامية وينظف منطقته من المعارضة نهائياً. هذا أفضل تتويج يمكن أن يحلم به الأسد لسياسة عقد الهدن الكثيرة التي وقعها مع مقاتلي الأحياء والقرى التي حيّد من خلالها آلاف المقاتلين، وخفف العبء عنه ليعزز مواقعه في دمشق والوسط والساحل، ويجعل منها دولته الخاصة المعترف بها. مشروع دي مستيرا هو طوق النجاة لنظام الأسد المتهاوي والمهدد، الذي يأتي في اللحظة المناسبة، وهو الضربة القاضية التي يريدها حلفاؤه للثورة وأهدافها. سيتمترس الأسد والإيرانيون في دمشق وملحقاتها، وهذا يكفيهم، ويتحدوا المعارضة في إقامة النظام التعددي الديمقراطي الذي قامت من أجله الثورة في مناطقها المبعثرة. بعكس ما يشاع تماماً، لا يفتح مشروع دي مستيرا أي أفق للحل أو للتسوية أو للمفاوضات، ولا للانتقال السياسي، ولا لحكومة شراكة حتى من نوع لا وطني، ولكنه بتقسيمه سورية بين المعارضة وداعش والنظام، يلغي الحاجة إلى المفاوضات والتسويات والمطالب الديمقراطية من الأساس، ويمكن كل طرف من تطبيق النظام الذي يريده في منطقته. وفي الحقيقة ينهي وجود سورية نفسها كدولة. ولا أعتقد أن الدول ستعارض ذلك، بل ربما وجد الكثير منها، بما فيها من يدعي الصداقة للشعب السوري حتى الآن، أفضل وسيلة للتملص من المسؤولية، كما سيجد في وجود دولة إسلامية متطرفة في شرق سورية أفضل وسيلة لدفع المسلمين السنة وإغراقهم في شلالات دماء حرب أهلية داخلية.
حسن البراري
سلوى الوفائي
حسن أبو هنية
عبد الوهاب بدرخان
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة