..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

كيف استعبد الأسد العلويين وصنع منهم ميلشيات ومزق بهم المجتمع السوري؟

العصر

٢٧ ٢٠١٤ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 2889

كيف استعبد الأسد العلويين وصنع منهم ميلشيات ومزق بهم المجتمع السوري؟
00.jpg

شـــــارك المادة

نشرت صحيفة "الحياة" اللندنية دراسة استقصائية للكاتب عبد الناصر العابد عن بنية جيش الأسد، قال فيها إن النظام العلوي في سورية حكم بلدا لا يمثل فيه العلويون أكثر من 10 في المائة من عدد السكان، "فكان بذلك الأداة التي مزقت المجتمع السوري، ودفعته قسراً للوقوف على ضفتين متناقضتين".

وأضاف أنه لا يستطيع أحد اليوم أن يبرز وثائق من داخل النظام حول عدد العلويين ونسبتهم في الجيش، فذلك أحد المحظورات الكبرى لنظام الأسد، المعروف بسريته وتكتمه الشديد على تلك الموضوعات، لذلك "فقد لجأنا إلى أسلوب الاستقصاء الجزئي القابل للتعميم، وجمعنا عينة إحصائية لخريجي عدد الكليات العسكرية الذين أصبحوا ضباطاً في جيش النظام، من خلال شهادة زملاء لهم ينتمون إلى تلك الدورات بالذات، أي الذين عاشوا مع بعضهم بعضاً لثلاث سنوات، ويعرفون رفاقهم وانتماءاتهم الجغرافية والدينية بشكل جيد، وحصلنا على كم كبير من المعلومات، لكننا لم نستعمل سوى تلك الأرقام التي استطعنا أن نحصل فيها على شهادات من ثلاثة ضباط، ليسوا على صلة ببعضهم البعض حالياً".

وشملت الدراسة إحصائية تشمل 12 دورة من دورات الضباط، وتمتد من عام 1987 إلى 2009، وجاءت النتائج على الشكل الآتي:

بلغ عدد الضباط الخريجين المشمولين بالبحث 2336 ضابطاً، منهم 1786 علوياً، وبنسبة 76.5 في المائة، و368 سنياً، بنسبة 15.5 في المائة، و182 ضابطاً من الأقليات الأخرى، بنسبة 8 في المائة. ويشكل هؤلاء الضباط وزملاؤهم الكتلة الرئيسة من الضباط الميدانيين والقياديين في الجيش السوري اليوم، إذ تتراوح أعمارهم بين 27 و48 سنة، على اعتبار أن سن الالتحاق بالكليات العسكرية يبدأ من عمر 18 سنة.

وأوضح الكاتب أن هيمنة العلويين على هذا الجيش تزداد مع الترقي في الرتب، وعند تقلد المسؤوليات الحساسة، فهم يشكلون غالبية قادة أجهزة الأمن وأفرادها، ومعظم قيادات الأسلحة الاستراتيجية كالطيران والصواريخ، فيما يتولى السنة وبعض أبناء الطوائف الأخرى مناصب شكلية لإعطاء انطباع صوري بتوزيع ما للسلطة، لكن أولئك السنّة في المناصب القيادية، ليست لهم أي صلاحيات تقريرية، ويوكل أمر اتخاذ القرارات فعلياً لمعاونيهم أو نوابهم من العلويين.

وعلى سبيل المثال، حين فكر العميد مناف طلاس الذي يقود واحداً من ألوية الحرس الجمهوري، ونجل وزير الدفاع السابق، بالانشقاق عن النظام، لم يجد ضابطاً واحداً يرافقه في ذلك، وهرب من دمشق تحت جنح الظلام، ولو كان ذا سلطة فعلية في فرقته، لخرج على الأقل محمياً.

ويحاجج بعض المدافعين عن النظام عن هذه النسبة العالية من العلويين في سلك الضباط، بعزوف أبناء السنّة عن تلك المهنة، كما أورد الكاتب، وهي ذريعة لا يمكن فهمها إلا على ضوء الحقيقة السابقة، وهي طائفية هذا الجيش وتهميش السنّي فيه.

ومع ذلك، يقول الكاتب، فإننا نستطيع أن نثبت ضعف هذا الادعاء بالأرقام، وأن إقصاء السنّة عن الجيش هو قرار من أعلى سلطة فيه، ودليلنا إلى ذلك التوزيع الطائفي في سلك ضباط الشرطة، وهو ميدان لا يشكل خطورة فعلية من الناحية القتالية، إذ إنه أشبه بقطاع إداري، يهتم بتنظيم السير وضبط المخالفات الجنائية، وما إلى ذلك من أعمال الشرطة المعروفة في العالم، لذلك لم يأبه النظام لزج أعداد كبيرة من أبناء الطائفة العلوية فيه.

ففي التوزيع الطائفي للدورة 29 ضباط شرطة، على سبيل المثال، والتي تخرجت عام 2001، وهي مكونة من 147 ضابطاً، توزعوا طائفياً ودينياً كما يأتي: 94 ضابطاً من السنّة، أي نحو 64 في المائة، و32 من العلويين، أي نحو 23 في المائة، و21 ضابطاً من بقية الطوائف.

لقد كانت معاشات ضباط الجيش السوري تزيد بنسبة ضئيلة عن معاشات الموظفين المدنيين، لكن حافظ الأسد ووريثه من بعده، أطلقا يد الضباط في ما يخص العلاقة مع الجنود، إذ إن كل ذكر سوري مكلف خدمة العلم لمدة سنتين ونصف سنة على الأقل ما لم يكن وحيداً لأبويه.

وبالتالي، يتابع الكاتب، فإن النسبة الكبرى من هؤلاء هم من الطائفة السنية، وقد كانوا عرضة للابتزاز الفج والعلني من جانب رؤسائهم، فلا إجازات ولا راحة من دون تقديم الرشوة بشكل شبه دوري، وعرف الجيش السوري ظاهرة فريدة تسمى "التفييش"، حيث يسمح الضابط لعدد من الجنود المكلفين بخدمة العلم ممن يقعون تحت إمرته بالبقاء في منازلهم، مقابل مبلغ شهري يدفعونه له، ويحدد وفق وضع ذوي ذلك الجندي الاقتصادي، وكانت القيادات العسكرية والأمنية تعلم بذلك، ولا تكتفي بغض النظر عنه، بل تقره بطريقة ضمنية للحفاظ على التصاق هؤلاء الضباط بالنظام.

لقد دفعت كل أسرة سورية، ما يشبه الأتاوة للنخبة العلوية الحاكمة، من خلال مؤسسة الجيش تلك، وعانى من لا يستطيع الدفع من أبناء الفقراء والمسحوقين الأمرّين في خدمتهم الوطنية، ناهيك بالمعاملة السيئة، وظروفهم المعيشية كانت في غاية السوء، ومخصصاتهم الغذائية تسرق، وثيابهم مهترئة وبالية وتستخدم لدفعات متتالية، وكان ذلك مدعاة لتندّر السوريين الذين أطلقوا على جيشهم اسم "جيش أبو شحاطة"، في إشارة إلى النعال البلاستيكية التي كانوا يرتدونها أثناء الخدمة بسبب تلف الأحذية العسكرية أو عدم توافرها.

وخلال سنوات الثورة الأربعة ازداد المشهد الطائفي في الجيش عمقاً وحدّةً، فقد انحاز ضباطه بشكل علني إلى نظام الطائفة، ولعبوا الدور الذي طالما أعدوا له، وهو القمع الوحشي لانتفاضة الشعب السوري السلمية، وقد مارسوا ذلك الدور من قبل في حماة عام 1982 عندما قتل نحو 40 ألفاً من سكان تلك المدينة على يد سرايا الدفاع التي يقودها رفعت شقيق حافظ الأسد.

لكن انتشار وسائل الإعلام واطلاع الضباط والجنود السنّة على ما كان يحدث في مناطقهم، دفع معظمهم إلى الانشقاق، ولتقفز نسبة الضباط العلويين في الجيش إلى أكثر من 90 في المائة، ويتم استدعاء الاحتياط من صفوف أبناء الطائفة لتعويض النقص الهائل في الجنود، ولتعويض الخسارة الاقتصادية التي تسبب بها هروب هؤلاء الجنود، ولإغراء المدنيين من العلويين بالالتحاق بجيش النظام.

فأباح النظام مناطق الثورة لقواته، لتنهبها بالوجه الذي تريد، وبرزت ظاهرة جديدة سميت بـ"التعفيش"، حيث يتم الاستيلاء على ممتلكات سكان تلك المناطق، سواء أكانت لهم علاقة بالثورة أم لا، ابتداء بالسيارات وانتهاء بحنفيات المياه وسيراميك الحمامات، التي أعيد بيعها بمقابل أدنى من قيمتها بكثير، في أسواق خاصة أطلقوا عليها اسم "أسواق السنَّة".

كما راجت وانتشرت عمليات الاتجار بالمعتقلين، بل حتى بجثثهم، إذ دفعت العائلات مبالغ مهولة في مجموعها، لضباط وعناصر من العلويين، لمعرفة أي شيء عن مصير أبنائهم المعتقلين الذين يعدون بمئات الآلاف، ولعل "اقتصاد الحرب" المجزي هذا، يفسر جانباً من إصرار أبناء تلك الطائفة على الحرب إلى جانب زعيمهم، ومن أجل بقاء نظام الطائفة، على رغم الخسائر البشرية الكبيرة التي تكبدوها.

لكن التطور الأسوأ، كما يرى الكاتب، تمثل في استدعاء النظام لميليشيات طائفية شيعية متطرفة من خارج الحدود للقتال جنباً إلى جنب قواته، في إعلان صريح وواضح لطبيعة الحرب التي يخوضها، ويقدر عدد تلك الميليشيات بنحو 50 ألف مقاتل، معظمهم من ميليشيات "حزب الله" اللبناني والميليشيات العراقية والإيرانية والحوثية والأفغانية، وجميع عناصرها لا يقلون تطرفاً ودموية عن التنظيمات السنيّة التي تحاربهم.

ويرى الكاتب أن الجيش شكّل فرصة للطائفة العلوية للخروج من عزلتها التاريخية، والانسجام مع بقية مكونات المجتمع السوري، إلا أن الاستثمار السلطوي العائلي للطائفية والعسكرة معاً من جانب آل الأسد، جعل الجيش عامل تخلف اجتماعي داخلها، حيث لم تعرف أجيال من شباب تلك الطائفة سوى المهنة العسكرية، ولم يختبروا سوى المهارات المتعلقة بحماية النظام ورأسه، ولم تبرز أية حالة تعبر عن نهضة اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية موازية للصعود السلطوي بين أبنائها.

ولعل النظر إلى مستقبل سورية كمشهد يسيطر عليه السنّة، يضطهدون ويعاقبون العلويين وبقية الأقليات، هو تصور تنكره الوقائع التاريخية والراهنة، كما يرى الكاتب، إذ إن المجتمع السوري لم يعرف الاستقطاب والكراهية بين مكوناته إلا بعد ظهور سلطة عائلة الأسد واستخدامها الطائفية كإستراتيجية للتسلط على بقية الفئات والمكونات، وتوريث الحكم من دون وجهة حق.

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع