غازي دحمان
تصدير المادة
المشاهدات : 2947
شـــــارك المادة
إحالة النزاع الى زمن آخر هو أحد التعريفات الممكنة للاتفاق النووي بين إيران وكبار العالم، أما في الحاضر فإنه يجري تخفيض نسبة النزاعات إلى قدر محدد يستطيع الطرفان من خلاله ترتيب تقنيات التواصل وتفكيك مفاصل الخلافات ما أمكن، حتى يصار إلى ترشيق العلاقة ودوزنتها وفق منظومة القيم السياسية للمرحلة الحالية، على أن يتم بناء الأجزاء المتبقية من بنية العلاقات وفق مقتضيات الواقع. يحتاج تحليل هذا النمط من الأحداث إلى مفاهيم، ذلك أن الحدث بقدر ما هو جهد لحل أزمة راهنة ووقف إفرازاتها وتفكيك تداعياتها الإقليمية، ستتطلب إدارته تطويراً دائماً لأدواتها في بيئة دولية متغيرة على الدوام، وبقدر ما يبدو الحدث مرتكزاً على البعد الأمني والعسكري فهو يحمل رهانات على تغييرات ستحصل على مستويات عديدة، اقتصادية وسياسية واجتماعية، تبدو متشابكة بحيث لا يمكن من دونها ضمان نجاح الحل. الاتفاق يأتي من خارج صندوق التجربة الكلاسيكية للدبلوماسية الدولية، ذلك أنه لم يحصل أن تم حظر امتلاك أو إنتاج احد صنوف الأسلحة على دولة ما إلا في حالة خروجها خاسرة من حرب معينة، وهذا الأمر لم يحصل عملياً، لكنه استنسابياً حاصل من منطلق أن إيران خسرت في الحرب الاقتصادية والدبلوماسية، ونتيجة خسائر سنوات حصارها الاقتصادي وعزلتها الدبلوماسية تساوي خسارة حرب حتى لو لم تستخدم فيها الأسلحة الحربية. على ذلك، فإن نمط التعاطي الدولي مع إيران ينطلق من قاعدة الهزيمة، والإجراءات التالية تأتي في هذا الإطار، وغالباً ما يطلق عليها العقل السياسي الغربي تشذيب وإعادة تكييف للقوة، وذلك يستدعي خلق سياقات جديدة لتصريف هذه القوة وموضعتها، وفي هذا الإطار كانت ثمة تسريبات تتحدث عن وجود رهانات أميركية على إحداث مسار جديد لإيران بحيث يشكل توقيعها على الاتفاق بداية مرحلة طويلة جرى وضع تصورات عنها وسيجري إنشاء الآليات المناسبة لإنجازها، بحيث تشكل دينامية تشمل عمليات تغيير سياسية واجتماعية واقتصادية تفضي إلى ظهور نموذج مختلف في نهايته لإيران، لكن اقتضى أن تكون المهمة الأولى والمستعجلة وضعها على سكة التحولات تلك بداية من إقرارها بفشل مشروعها القائم على تحدي ضوابط السلوك الدولية. إيران من جهتها لديها حساباتها ورهاناتها، والواضح حتى اللحظة أنها بصدد تصميم مشروع متكامل على مقاس فائض الأرباح المتوقعة من اتفاقها مع الغرب وتطوير علاقاتها معه، وأول تلك الأرباح تقديرها قبول الغرب عرضها كقوة إقليمية أساسية، ومن ثم الاعتراف بهذه الحقيقة وحصد نتائج هذا الاعتراف من نفوذ سلس وتمدد، أفقي وعمودي، في منطقة الشرق الأوسط . لكن ثمة إشكالية تقنية تعور منهجية التفكير الإيراني والبناء الإستراتيجي الموازي له، وهي شطب المتغيرات التي تشكل العامل الأهم في نجاح الإستراتيجيات أو فشلها، والوقوف عند متغير أساس ثابت يتمثل بالواقع الإقليمي، من دون إمكانية حصول خسارة في أصولها الإستراتيجية ومن دون قدرة الطرف المواجه على تطوير أدوات من شأنها قلب الوقائع بشكل كلي أو تحريك المعطيات بدرجة تتوازى أكلافها السلبية مع عوائدها الإيجابية، ولا شك في أن هذه المنهجية غير صالحة في عالم شديد الاضطراب والتغير وبيئة يصعب إجراء تقديرات دقيقة لها لمدة شهور وليس أعوام. هذا في العموم، أما في الوقائع، فلا يبدو واقعياً أن الدول الكبرى صاحبة النفوذ العالمي والتي تتعاطى مع إيران بصفتها طرفاً خاسراً ستذهب إلى مكافأتها بالاعتراف بنفوذ إقليمي غير واقعي بالأصل لموازنة خسائرها في الصفقة. يخطئ من يعتقد أن أياً من الفوائد التي تتنظرها إيران سيتحقق من دون تشبيك مع الاقتصاد الغربي ومنظوماته المالية، وإلا فإن إيران لن تحصل سوى على أوراق نقدية خام قابلة للصرف والاستهلاك خلال مدة محددة ولن تفعل أكثر من توفير مواد استهلاكية في السوق لن تكون نتيجتها سوى تغيير نمط الاستهلاك، كما لن يكون ممكناً جذب الاستثمارات والتكنولوجيا والانخراط في شبكة الإنتاج والاستهلاك من دون بنية تامة تجهزها إيران، وخاصة على المستوى التشريعي، وهذه ستستلزم تطوير آليات صناعة القرار والتنظيم والإدارة، ما يعني أننا إزاء تغيير في بنية السلطة وأيديولوجيتها، وبناء مراكز قوى جديدة وحوامل اجتماعية لهذه التغيرات، إذ لا يمكن أن تكون إيران دولة بعقلية ثأرية إمبراطورية في مكان ومنفتحة على العولمة في مكان آخر، لأن أدوات المشروعين داخلية ما يعني أن واحداً من التيارين: التكنوقراط أو «الباسيج»، يجب أن ينتصر على الآخر. على عكس ما يذهب التفاؤل الإيراني فليس ما يحتويه التفاهم مع الغرب سوى نسخة مطورة من سياسات الاحتواء ولكن بأدوات ناعمة جرى تغليفها بمغريات استهلاكية كتعويض عن حالة الحرمان المديدة، وتتهيأ مكونات العولمة الاقتصادية لتلقي ما ستفرج عنه العولمة الرأسمالية بشكل متواتر من أرصدة مجمدة، لكن في كل الأحوال فإن الغرب وضع خطوط اشتباك وقواعد جديدة للعبة مع إيران تضمن تشغيلها ضمن خطوط إنتاجه ودمجها في بنيته الدبلوماسية وإشباعها استهلاكياً، مقابل إشرافه على سلوكها وتوجيهه نمط إدارة اقتصادها وتصريف ثرواتها، ويعود الفضل لقادة إيران أنفسهم في نجاح سياسة الغرب الاحتوائية تجاه بلادهم، ذلك أن سنوات طويلة من الإدارة الفوضوية للثروات والسياسات لم يكن ممكناً لها سوى الوصول الى هذه النتائج.
الحياة
هدى الحسيني
فهمي هويدي
نون بوست
حمد الماجد
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة