..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

الكف عن الأعراض شيمة النبلاء

خالد روشه

٧ فبراير ٢٠١٥ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 7269

الكف عن الأعراض شيمة النبلاء
الناس 00.jpeg

شـــــارك المادة

الحضارات لا تستقيم إلا بالقيم والأخلاق، ولايمكن للتكنولوجيا وحدها أن تنشىء حضارة، بل إن سوء الأخلاق سبب من أسباب سقوط الحضارات على المستوى القيمي والثقافي والتربوي مهما تقدمت مادياً، فبناء الإنسان قبل بناء المادة.

وأكثر ما يثلم الأخلاق وينقض القيم الفاضلة ويسيء إلى المرء، سوء لسانه، وكثيراً ما حذرنا ديننا الحنيف من خطايا اللسان وأمراضه، حتى بين أن خطره على المرء يودي به إلى المهلكة، ففي الحديث: "وهل يكب الناس على وجوههم في جهنم إلا حصائد ألسنتهم" الترمذي!

ويصف النبي صلى الله عليه وسلم المسلم فيقول: "ليس المؤمن بالطعان ولا باللعان ولا الفاحش ولا البذيء" رواه أحمد، وعن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه ولا يدخل رجل الجنة لا يأمن جاره بوائقه" رواه الإمام أحمد.

وبين سبحانه أن هناك حساباً دقيقاً على كل ما يتلفظ به المرء من المساوئ، قال سبحانه " مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ".

وقد انتشر بين الناس مع كل أسف الاستهانة بالطعن في غيرهم، في سيرتهم وأعراضهم، يتحدثون عنهم بكل نقيصة، بدليل وبغير دليل، حتى صار الطعن في الأعراض شيئا هيناً يسيراً على الألسنة.

ما زاد خطورة الأمر أن هذه الصفة الذميمة قد تسربت إلى بعض المتدينين، بل وبعض طلبة العلم، فقد صار بعضهم لا يدقق في كلماته، فقد يرمي هذا أو ذاك بكلمات هي في ذاتها محرمة منكرة، وليس معه ثم دليل سوى غضبه منه أو معرفة بعض أخطائه وسقطاته!

الصالحون يحرصون دوماً على تنقية وتهذيب كلماتهم كما يحذرون أشد حذر من الوقوع في أعراض الناس، بل يكبحون جماح ألسنتهم و ويهذبون مسيرة نفوسهم، فيسترون العاصي، ويدعون بالتوبة لكل مذنب، وينصحون الجاهل، ويصبرون على الغافل، ولا يطعنون في سيرة أحد أو عرضه.

وإنما يستطيع المؤمن الصالح ذلك دون غيره إذ إنه قد ربى قلبه وهذبه وطهره ونقاه من أمراض الحسد والحقد والبغضاء للآخرين، كما طهره من رغبة العلو على الناس والتفاخر بينهم أو الرغبة في الظهور عليهم وإسقاطهم.

إن طهارة القلب إذن هي الأساس في الاتصاف بهذه الصفة الكريمة، صفة أشراف هذه الأمة، الذين يتقربون إلى الله سبحانه بطهارة قلوبهم وبحسن ظنهم، وبنقاوة نفوسهم من الغل والطمع.

الأسافل هم الذين يتخذون من أعراض الناس هدفاً للطعن والانتقاص، في ذات الوقت الذي يجملون أنفسهم ويزينونها بالكذب والزور.

لقد عنيت ههنا بتذكرة مختصرة بالتوجيه الإيماني على لسان النبي صلى الله عليه وسلم والسلف الصالح في التحذير من هذا المسلك الشائن الذي لا يليق بالمؤمنين بحال:

فالعرض بعمومه كما قال ابن قتيبة :" هو موضع المدح والذم من نفسه أو سلفه أو من نسب إليه و ما يصونه من نفسه وحسبه "

فكل ما يحرص الإنسان على أن يصونه هو عرض بالمعنى العام الشامل، وبالتالي فكل ما يشين ما حرص المؤمن على صيانته هو اعتداء على عرضه، سواء أكان ذلك عبر انتقاص في سيرته أو ذم في شأنه أو شأن من يعول من أهله وزوجه وولده او صفة من صفاته.

قال السعدي في تفسير قوله تعالى "ولا تجسسوا ": "أي  لا تفتشوا عن عورات المسلمين ولا تتبعوها واتركوا المسلم على حاله واستعملوا التغافل عن أحواله التي إذا فتشت ظهر منها ما لا ينبغي".

وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم مقام الأخوة الإيمانية والمناهي التي يجب أن يحذرها المؤمنون بين بعضهم بعضاً بما لا يدع لأحد سبيلاً إلى إساءة، فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "لا تحاسدوا، ولا تناجشوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، ولا يبع بعضكم على بيع بعض، وكونوا عباد الله إخوانا، المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يخذله، ولا يحقره، التقوى ههنا - ويشير إلى صدره ثلاث مرات -، بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام، دمه، وماله، وعرضه" رواه مسلم.

وقال صلى الله عليه وسلم: (إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم بينكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا ليبلغ الشاهد الغائب فإن الشاهد عسى أن يبلغ من هو أوعى له منه) متفق عليه.

كما بين صلى الله عليه وسلم العائدة المشينة للواقعين في أعراض الناس، فقال  صلى الله عليه وسلم : "إن من أربى الربا الاستطالة في عرض المسلم بغير حق" رواه أبو داود.

بل زاد الأمر وضوحاً وزاد البيان أثراً، فعن أنس رضي الله عنه قال صلى الله عليه وسلم: " لما عرج بي مررت بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون وجوههم وصدورهم فقلت من هؤلاء يا جبريل؟ قال هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم" رواه أبو داود.

إن الوقوع في سير الناس وأعراضهم لهو الخسران الحق و في الدنيا والآخرة، فهو لا يبقي فضيلة ولا يثبت بركة، بل ياكل الحسنات ويزري بالمرء و ويعرضه لغضب الرحمن الرحيم وعقابه، فياتي يوم القيامة مفلسا تمام الإفلاس..

فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " أتدرون ما المفلس؟ قالوا المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع، فقال: إن المفلس من أمتي يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة ويأتي قد شتم هذا وقذف هذا وأكل مال هذا وسفك دم هذا وضرب هذا فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار" أخرجه مسلم.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" من كانت له مظلمة لأحد من عرضه أو شيء فليتحلله منه اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته وإن لم تكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه" رواه البخاري .

إنها مكرمة في ذاتها أيضاً، وعبادة كريمة، وصفة مشرفة ولاشك، أن ترد عن عرض أخيك و فتدافع عنه، وتنافح عن عرضه وسيرته، إنها صفة المروءة وشيمة الرجولة وبشارة لحسن المآل: فقد نقل ابن المبارك في الزهد قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه:"لا يعجبنكم من الرجل طنطنته، ولكن من أدى الأمانة وكف عن أعراض الناس فهو الرجل".

وأورد ابن أبي الدنيا في ذم الغيبة قول عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه: «أدركنا السلف وهم لا يرون العبادة في الصوم ولا في الصلاة ولكن في الكف عن أعراض الناس»، وعن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من رد عن عرض أخيه رد الله عن وجهه النار يوم القيامة" رواه الترمذي

 

 

المسلم

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع