مالك فتح الله
تصدير المادة
المشاهدات : 3484
شـــــارك المادة
في ظل عالم يمتلئ بالصراعات ويسيطر عليه اختلاف الرؤى وبعثرة المفاهيم وضياع البوصلة وغياب الخارطة، فسماته كثرة الشعارات وارتفاع الحناجر بالهتافات، وميزاته تفرق الرايات وانتشارها ذات اليمين وذات الشمال، في خضم هذه الأجواء الملبدة، حيث تستحوذ العبارات المثبطة للهمم على كامل المشهد، في ظل تراكم الحوادث المفجعة على الصدور، في عصر اختلطت فيه المفاهيم وازدوجت فيه المعايير، وتهاوت أمام ضربات فأسه أشجار الفضيلة ، وعلى صدى بكائه المزيف دفنت الأخلاق في محرابها، يترافق هذا على أنغام وإيقاع ادعاءات النوايا الطيبة. في زمن أصبح أبرز سماته الحرب والكوارث والأمراض، سيواجه فيه الصالحون والخيرون تحدياً أكثر صعوبة من أي وقت مضى، لماذا؟ لأنه باستطاعتهم أن يقدموا الكثير من الإسهامات الخيرة والإيجابية في هذا العالم ، ولأنهم يمتلكون مصدر إلهام حقيقي، ربما أغلبية من الناس صالحون ويسارعون في الخيرات ، ولكن هناك من بني البشر من غلبت عليهم شقوتهم واستهواهم الانغماس في الشر، ودخل في ميثاق مع الشيطان يغريه الزيف وطول الأمد ، وتحتم هذا القدر النافذ منذ بدء الخلق، وتحتم على الخيرين في هذا العالم ألا ينساقوا خلف دعاية الباطل وزيف الشر. فقوانين الكون قد نصت ألا يعلو صوت الباطل المزيف على صوت الحق الرصين هذه هي مهمة حملة الشعلة الخالدة على مر العصور والأزمان، فهم الذين يمثلون حافز التحدي والتغيير، ويجسدون مادة النور و القدوة وجدارة الاستحقاق من خلال القيام بما يتوجب عليهم من المسؤولية اتجاه ما يحيط بهم ، وبذل قصارى جهدهم لتحقيق إسهامات إيجابية وخيرة ، لأن كل حق يحمل في طياته مسؤولية، وكل فرصة تحمل التزاماً، وكل ملكية تحمل واجباً تجاهها، وإن من طبيعة الخير الوضوح وإن من طبيعة الشر الإبهام والغموض. ومن خصائص الشر الاستبداد في كل زمان ومكان وكرهه للحرية والنقد والتوجيه، وكذلك من طبيعة الخير وماهيته تقويض أركان الشر والاستبداد. ومن هذا المنطلق توجب على كل امرئ صالح أن ينتقد الخطأ وأن يوجه إلى الخير، والعمل على تسليط الضوء على كل زاوية تقع فيها مظالم وكل سلم يتسلق على ذروته المستبدون، ولابد من انطلاق الألسن بالنقد يتبعها العمل بتصويب الخطأ، فهذا واجب على كل إنسان بمقتضى إيمانه بالله ، ولأن الإسلام جعل من النقد والتوجيه فريضة تنبع من الإيمان لا رغبات يتبعها شهوات وأهواء؛ وهذا هو بالتحديد السر في تفضيل الأمة المسلمة على غيرها من باقي الأمم (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله) آل عمران:110 وإن هذه الأمة لا تنال من الله نصراً، ولا تستحق من الله تمكيناً إلا إذا احتفظت بهذه الخصائص الجليلة ، وقد فرطت أمة الإسلام في هذا الجانب تفريطاً شديدا ولا عجب بعد ذلك أن تحرم من رعاية الله حتى تنالها هذه اللطمات القاسية من يد القدر، حتى اختنق صوت الخير وكشف الشر عن وجهه وكشر الباطل عن أنيابه وتعالى صراخه بالتهديد والوعيد ، لقد كان للمسلمين منذ قرون دولة قائمة وملك فسيح ممتد ، قامت دعائمه على الحق، وحفر أساسه على وأد الاستبداد، وسمت قامته على محو التعصب وإعلان الشورى ونشر السماحة. والتحدي الأصعب الذي يواجه المسلمين في هذا اليوم هو ردم الهوة وترميم الفجوة بين الفرد وبيئته، وتوطيد العلاقة بين الإنسان ومجتمعه؛ لأن الإنسان في نهاية المطاف لبنة في بناء متماسك أو فرع في شجرة سامقة، حيث أقر الإسلام هذا الترابط القائم؛ فالمسلم رقيب على دينه في مجتمعه من خلال ما زود به من الطاقات والقدرات المتمثلة بقدر من الأخلاق وحزمة من القيم وشعلة من الشجاعة توجب عليه أن يسهم في فعل الخير والدعوة إليه والعمل على إشاعته ونشره، وكره الشر والتحذير منه والسعي إلى تغييره؛ وهذا من أجل الاسهامات التي يتطوع الإنسان لأدائها ، لأن التواصي بالحق والصبر على صعوبته من أسمى أركان الفلاح ومن أعظم المبادئ الخالدة (والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر) العصر 1-3 لقد أقسم الله تعالى بالعصر المتمثل بالليل والنهار وهما محل أفعال الإنسان وأعماله ، وبالعمل الصالح ينجو الإنسان من الخسارة ويتغلب على الأقدار المؤلمة، والتواصي بالحق والصبر هو الإيمان والعمل الصالح الذي يسهم في سمو الروح وإشعال زناد الرؤية الملهمة للقلب والعقل؛ للقيام بمسؤولياتنا تجاه ما يحيط بنا في دوائر بيئاتنا ومجتمعاتنا وأمتنا. إنها فريضة تنبع من مكنون الإيمان، وواجب يستمد بمقتضى تفضيل الأمة المسلمة التي قامت دعائمها على الحق و وأد الاستبداد ومحو التعصب ونشر المحبة والسماحة، وبهذا استحقت النصر والتمكين .
رقية القضاة
خالد روشه
محمود نديم نحاس
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة