..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

هل إيران تشتعل حقاً؟

أمير سعيد

١٢ مايو ٢٠١٥ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 2992

هل إيران تشتعل حقاً؟
11023518_10153018843352600_311177432280895256_n-thumb2.jpg

شـــــارك المادة

مثلما استعرت النار في مصالح الاحتلال الفارسي في مدينة مهاباد الكردية إلى الشمال الغربي من إيران، مثلما اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي بوسم #إيران_تشتعل وآخر بدرجة أقل #إيران_تحترق احتفاءً من نشطاء ومغردين بما يحصل في تلك المدينة الغاضبة من جراء مقتل فتاة كردية في طريق هروبها (سواء أكانت تعمدت قتل نفسها حفاظاً على عرضها أم كانت تحاول الهرب) من محاولة اغتصاب قام بها ضابط استخبارات إيراني بتواطؤ مع مدير فندق تارا لمساعدته في رفع تصنيف فندقه لخمس نجوم، بحسب رواية الأكراد.
لكن هل يمكن اعتبار هذا الغضب المضطرم في أنحاء كردستان الشرقية المحتلة من الفرس، هو حالة اشتعال حقيقية لعموم إيران، أم أن هذا محض مبالغة ألفتها مواقع التواصل في أي وسم مشابه؟
ربما لا يمكن توفير إجابة دقيقة عن هذا، لكن يمكننا أن نقترب كثيراً منها من خلال قراءة أولية لحالة الغليان تلك؛ فالمعلوم أن تركيبة إيران الدينية والقومية هي خليط متضارب من المكونات التي لا يمكن صهرها في دولة واحدة إلا تحت ضغط مستمر، وليس بمقدور أي نظام يحكمها أن يستقر ما لم يصدر مشكلاته للخارج، ويخلق عدواً أو أعداء خارجيين لتشتيت أنظار الشعوب داخل الحدود الإيرانية عن معاناتها الذاتية، وتبرير قمع الثائرين منهم، لذا؛ فإن كياناً كهذا يتأثر بصورة كبيرة بمعاركه الخارجية التي تنعكس تلقائياً على مدى قناعة الداخل به، وبالطريقة التي يحكم بها هذه الشعوب.
وإذا كان النظام الإيراني قد تعرض لزلزال شديد في كل مناطق نفوذه الخارجية تقريباً؛ فإن قدرته على الصمود في الداخل لابد أن تتأثر بقوة بذلك.
وإذا ما أضيف لهذا أن النظام الإيراني يغلف كل ممارساته وقراراته بغلاف من العصمة المدعاة؛ فإن سرعة تأثره بانكشاف زيف هذه القداسة لهو أسرع من غيره ممن لا يدعي لنفسه هذا، وأكبر منه فداحة في تداعياتها.
وما من شك أن النظام الإيراني، ظل لعقود قوياً، ممسكاً بزمام ملفات خارجية عديدة، ولديه قدرة كبيرة على التحرك والمناورة، كما أن لديه إرثاً هائلاً من المكر والمخادعات، تعود بجذورها لآلاف السنين، ولديه زخم عقدي "شيعي" يمنح لأتباعه التحاماً بقياداته الدينية، كما ولديه تطلعات قومية فارسية تجد لها أنصاراً كثيرين، إلا أن كل هذا كانت تحرسه إرادات دولية، ولم تزل، شأنها شأن النظامين الصهيوني والسوري، وغيرهما، وتستمد منها تلك الغطرسة، وكانت، ولم تزل، محمية من المسائلات القانونية عن جرائم الحرب والإرهاب، وقمع الشعوب، وانتهاك الحريات الدينية والاجتماعية.. على أن هذا كله قد تعرض لاختبار عض أصابع، وتصارع إرادات مع الخليج الذي رأي أن النصل قد صار على العنق ولم يعد يمتلك ترف التغاضي عن هذا التواطؤ الدولي حتى النهاية.
وما من شك أيضاً، أن قوى وفصائل في المنطقة قد سبقت القرار الخليجي في تحركها ضد الهيمنة الإيرانية فنالت منها في سوريا والعراق، بيد أنها أفادت منها جداً حينما هبت الدول الخليجية مع عملية عاصفة الحزم التي نالت من الغطرسة الإيرانية بأكثر مما حققته حتى في اليمن، وجلبت من المكتسبات في هذا الإطار أكبر مما يمكن أن تحده حدود اليمن؛ فبدأت كفة إيران تطيش شيئاً فشيئاً بما استأهل قراءة جاهزة من أقليات داخل السياج الإيراني السميك، فتشجعت على التحرك.
بالعودة إلى السؤال، هل يمكن اعتبار هذا اشتعالاً إيرانياً كاملاً أم هو محض انتفاضة كردية تمس نحو 10% من سكان إيران وحدهم؟
من حيث الرقعة الجغرافية للاحتجاجات؛ فهي ليست كبيرة، لكن من حيث التأثير تبدو استثنائية لأسباب عديدة، منها:
-    أن الاحتجاجات تحصل في منطقة ذات خصوصية ما؛ فثوارها يملكون الحاضنة الشعبية، الدينية (كسنة)، والقومية (ككرد)، وبالتالي، فاحتجاجهم لا يشابه الحالات الأخرى التي يكون فيها الاحتجاج اجتماعي، أو سياسي كحالة بعض الدول العربية، التي يصعب وجود اتفاق بين أفراد المدينة الواحدة أو الحي الواحد عليها، وهذا يجعل استمرارها وارداً، أو اختزان ثورتها وارداً أيضاً.
-    أن سبب تفجر الاحتجاجات عائد بشكل مباشر لفضيحة أخلاقية لنظام يدعي أنه متدين، وتمس العرض تحديداً، أغلى ما للمجتمعات المتدينة، والمحافظة، كالأكراد، وهذا ينسف المقوم الأساس الذي يدعيه النظام لقيامه، وهذا يفوق الشرارة التي أشعلت انتفاضة تونس (حالة البوعزيزي التي تتعلق بصفعة شرطية لبائع متجول فقير)، وثورة سوريا (حالة اقتلاع أظافر أطفال كتبوا على جدار مدرستهم "الشعب يريد إسقاط النظام" على فظاعتها). وهو يختلف عن هاتين الحالتين لجهة التوثيق، حيث تم تصوير الفتاة وهي تتعلق بالشرفة ثم تسقط، بما لم يترك مجالاً للنظام لمداراة الفضيحة.
-    أن اتساع نطاق الاحتجاج بشكل مفاجئ، واعتياد هذا النظام الدموي على قمع مثل هذه الاحتجاجات بشكل قاسٍ، قد وفر لـ"الثورة" وقودها الكبير، بعدد القتلى والجرحى الذي تحول بدوره إلى مشكلة جديدة تضاعف المشكلة الأصلية، وتمنح الغاضبين مبرراتهم لاستمرارها.
-    أن جهوزية الأكراد، واستعدادهم السريع للمزج بين الاحتجاج السلمي، والعسكري، وتشكيلهم على الفور "غرفة عمليات الانتفاضة"، بحسب نائب رئيس حزب الحرية الكردي حسين يزدان، الذي تحدث عن تحرك للبشمركة الكردية، وتأكيده على أن "المقاتلين الأكراد يوجدون بالقرب من الناس وداخل المدن وسيتحركون في الوقت المناسب"، يعني أن احتمال استمرار تلك الانتفاضة، وتوفر الحماية العسكرية الجزئية لها، أمر وارد، لاسيما إذا ما نظر للأمر من زاوية الباع الطويل للأكراد في "النضال العسكري".
-    يضاف إلى النقطة السابقة تحديداً، أن للأكراد ما يشجعهم كثيراً على المضي قدماً في طريق النضال من أجل نيل حريتهم، أو إحراز تقدم في سبيل الحكم الذاتي؛ فالنجاحات التي تحققت للأكراد في العراق، وحكمهم شبه المستقل هناك، وانتصارهم في كوباني السورية، وانحيازهم في زاوية شبه مستقلة في سوريا، والمكاسب التي تحققت في تركيا بعد مفاوضات شاقة مع حكومة أحمد داود أوغلو، جميعها مغرٍ لإكمال المشوار في إيران، خصوصاً أن أكراد إيران لن يتحركوا حالئذ وحدهم، بل لديهم من القواعد الخلفية في البلدان الثلاثة ما يساعدهم على الحصول على مكاسب، ولو ظرفية، من الإفادة من قضية عادلة، كتلك التي فجرتها جريمة فندق تارا، وخصوصاً أن إيران ليست في وضع يسمح لها بصم آذانها عن "صوت العقل" إذا ما صدر من "معتدلين" أكراد، أو التحسب لسماع أصوات "متشددة" قد تعزف على لحن الرصاص مستقبلاً.
-    أن الأكراد إذ يناضلون اليوم؛ فإنهم لا يفعلون هذا منفردين، ففي الوقت الذي اندلعت فيه انتفاضتهم في مهاباد، ثم امتدت لمدن بوكان وشنو ومريوان وسردشت وسنه الكردية، بما اضطر سلطات طهران أن تستعين بقوات عسكرية وأمنية من أصفهان وهمدان وكرمان لوضع حد للاحتجاجات، كانت الأنباء تتصاعد عن عمليات ناجحة لجيش العدل البلوشي، في هذا الإقليم السني الذي يواجه بشجاعة، واحداً من أشرس الجيوش البرية في المنطقة، ليس أقلها إحراق مركز شرطة إيراني في بلوشستان المحتلة بالتزامن مع احتجاجات الأكراد، وأيضاً، اعتصامات ومظاهرات العمال الأحوازيين في منطقة الزوية، احتجاجاً على ممارسات نجل رفسنجاني (مهدي) التعسفية في شركة كيسون للأنفاق، وغيرها (حيث لم تزل أحداث الأحواز لم تهدأ لاسيما بعد انتفاضة مباراة كرة القدم قبل أسابيع قليلة. والحاصل أن الأقليات المسلوبة الحقوق تشجعت في الآونة الأخيرة، مع كثرة الشروخ التي أصابت الصنم الإيراني، خارجياً، وداخلياً بدرجة أقل.
لكن، بغض النظر عما إذا كانت هذه الانتفاضات ظرفية أو فيصلية؛ فإنه على افتراض أنها عوارض طارئة؛ فإن لها بالتأكيد أثر ممتد على الدولة الإيرانية؛ فثمة أمور لابد من أنها قد تغيرت، وتركت ندبات في الجسد الإيراني، منها أن صورة إيران كدولة دينية، قد تأثرت كثيراً، لاسيما أن فضائحها الأخلاقية من بعد السياسية أصبحت أكثر من أن تحد بسياسات استثنائية أو تجاوزات أخلاقية، ومنها أن صورة إيران كدولة قوية لم تعد كما سبق، خصوصاً أن من كان ينتظر من أتباعها ردها في اليمن أصيب بخيبة أمل، وكذا من كان يتصور قدرتها غير المحدودة – بنظره – على فرض إرادتها بين جيرانها، هاله انكسار ميليشياتها المدعومة من الحرس الثوري الإيراني في سوريا، والهزائم المتوالية لحليفيها بشار ونصر الله في سوريا، ومنها أن الروح المعنوية لقواتها لم تعد كما كانت من ذي قبل، ومنها أن قوى وفصائل للمقاومة المسلحة ضدها من الأقليات بدأت تتشكل وتحدث نخراً مستمراً في قدرة أجهزتها الاستخبارية والأمنية وحتى العسكرية، ومنها أن بعض القوى الدولية قد مالت دوائرها السياسية والفكرية إلى خيار التوازن في المنطقة على التفوق الإيراني المنفرد الذي كانت تفضله من قبل، ومنها أن التوسع الامبراطوري الذي مارسته طهران قد أرهقها إلى حد كبير، ولم تعد قادرة على الاستمرار فيه، ومنها أن الآثار المترتبة على انخفاض أسعار النفط قد وصلت باقتصاد إيران إلى نقطة حرجة ما بين التوسع والانكفاء، وبدأ تميل إلى الخيار الثاني.
من ثم، قد نلمس الآن تغيراً كبيراً في اتجاه "اشتعال إيران"، أو لا، لكن المؤكد – فيما يبدو للناظرين – أن غد إيران ليس كأمسها، وأن سنوات الانتعاش قد ولت.

 

 

 

 

 

المسلم

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع