تمام عبد المنعم
تصدير المادة
المشاهدات : 3060
شـــــارك المادة
قدر الله أن تُبتلى مدينة خالد بن الوليد -سيف الله المسلول- "حمص" بابتلاءٍ من نوعٍ خاص؛ لتصبح كلمة "المحاصر" أو "المحاصرة" متلازمة لا تفارق مفردة “حمص” كالآتي: حمص القديمة "المحاصرة"، وريف حمص الشمالي "المحاصر"، وحيّ الوعر "المحاصر"!
ترجع أسباب هذه المتلازمة العويصة إلى الانفجار الشعبي الأول؛ لتستمر تفاقمًا بتطورات دراماتيكية فرضها الواقع الجغرافي والديموغرافي.
مع انطلاق شرارة الثورة السورية من درعا، طارت أنظار المحللين نحو الخريطة السورية؛ في محاولة لاستشراف القريب القادم، متسائلين: اضطرمت النيران من درعا، لكن إلى أين ستمتد؟
أجزُم أن أكثر المتكهنين حصافةً وحذاقة قد أجمعوا أن الانتفاضة الثورية ستكون في المدن البعيدة عن معاقل النظام ومجال نفوذه، بمعنى آخر: من ستحمل لواء الثورة هي المدن والبلدات السنية الخالصة كحلب ودير الزور والرقة؛ لأن الضغط الأمني حتمًا سيكون أخف وطأة عليهم من تجمعات الاختلاط الطائفي.
لكن، ما الذي حدث؟!
ما حدث هو العكس تمامًا! اشتعل الغضب الشعبي في المناطق المنوّعة ديموغرافيًا، ثارت حمص وجبلة وبانياس وبعض أحياء اللاذقية؛ كان كم الاحتقان هائلًا، وفي صدورهم مراجلٌ تغلي، عانوا أكثر من غيرهم من حكم الأوليغاركية في سوريا وضاقوا ذرعًا من التمييز الطائفي والتهميش.
وهنا، كان على ثوار حمص دفع ضريبتين ثقيلتين: أولها- طبيعة التركيبة الطائفية من سنة وعلويين ومسيحيين، وثانيها- موقعها الجغرافي وسط سوريا بامتداد من حدود العراق شرقًا إلى لبنان غربًا، والأهم أنها تفصل الساحل السوري عن العاصمة دمشق.
تسارعت الأحداث من تظاهرات سلمية مناهضة للنظام؛ فقمع شديد بحديدٍ ونار إلى أن أتت قشةٌ قسمت ظهر البعير، هي ما قامت به ميليشيات طائفية من مجازر ومذابح بحق أطفال ونساء كمجزرة كرم الزيتون الشهيرة في 10/ 3/ 2012.
حُمل السلاح ليذود كلٌ عن أهله وحيّه مجبرين؛ وبهذا خرج كثيرٌ من أحياء وبلدات حمص عن قبضة النظام دون أدنى خلفية عسكرية، مع غياب كامل للوجيستيات وتخطيط لطرق إخلاء وإمداد.
شيئًا فشيئاً، أخذت معادلة الثائر تتغير؛ من حالة دفاعٍ عن النفس إلى حرب عسكرية نظامية بالتزامن مع إطباق قوات النظام حصارها على المناطق المتمردة محاوِلةً اقتحامها مرارًا بترسانة عسكرية شاملة لكن فشلت، واستشعرت مدى خطورة الانفلات الأمني والعسكري في حمص وعلموا أن قطع الطريق الواصل بين موانئ الساحل والعاصمة دمشق تعني نهاية حكم الأسد.
حوصرت أحياء حمص القديمة 700 يوم وعاش أهلها أيامًا مريرة، لا تقل مرارة عن سراييفو ولينينغراد؛ سوّيت أحياؤها أرضًا وكانت في وضع عسكري عسير. شكلت الأحياء الموالية للنظام أحزمة تحيط بها ويصعب اختراقها، أضف أن أقرب النقاط المحررة لها كانت محاصرة أيضًا، كالوعر والريف الشمالي!
مع كل العوامل السلبية، من شحّ الذخيرة والموت جوعاً، يئس النظام السوري من السيطرة عليها عسكريًا ولجأ إلى التفاوض، وفي الشهر الخامس لعام 2014؛ انسحب الثّوار بعتادهم إلى ريف حمص الشمالي بعد اتفاقية رعتها الأمم المتحدة.
أما عن ريف حمص الشمالي، فيضم كبرى بلدات حمص، مثل تلبيسة والرستن وقرى الحولة، يحاصره النظام منذ بداية العمل المسلح ويفصله عن حي الوعر المحاصر هو الآخر تجمع مهول من الكليات الحربية التابعة للنظام.
حيّ الوعر يعتبر خزّاناً بشرياً بما يقارب الـ 300 ألف نسمة من سكانه الأصليين ونازحي حمص القديمة، يبقى أهله عرضة للابتزاز الدائم على الحواجز المنتشرة حول الحي وتنعدم فيه أدنى المقومات المعيشية، مع قصفٍ مستمر.
من سوء حظ ثوار حمص أنهم بعيدون عن منطقة حدودية تمدّهم بما يلزم من حاجيّات؛ فهم كجزيرة وسط محيط!
لكنها تبقى حمص العديّة؛ عصيّةً على أعدائها، وأبيّةً على الذل والإذعان، تحطمت على أرضها جحافل الفراعنة في معركة قادش، وكُسر فيها المغول في معركة حمص الثانية، وفي أحلك الأزمات لا تفارق البسمة شفاه أهلها مستبشرين بقادم أجمل.
التقرير
عريب الرنتاوي
نايف ذوابه
أحمد أبو مطر
طلعت رميح
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة