..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

إلى متى سيبقى مجلس الأمن أداة لضرب الأمن؟!

إسماعيل خلف الله

٢٤ مايو ٢٠١٥ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 3006

إلى متى سيبقى مجلس الأمن أداة لضرب الأمن؟!
الله 0.jpg

شـــــارك المادة

لقد نصّت المادة 23 من ميثاق الأمم المتحدة على إنشاء مجلس يسمى مجلس الأمن الدّولي أوكلت له مهمة الحفاظ على السلام والأمن الدوليين، ويعد أهم أجهزة هيئة الأمم المتحدة، والجهاز الوحيد الذي له سلطة اتخاذ القرارات الملزمة لجميع الدّول الأعضاء بموجب ميثاق الأمم المتحدة، على خلاف الأجهزة الأخرى التي لا تستطيع إصدار قرارات وإنما تقوم بتوجيه توصيات إلى الحكومات.

فمجلس الأمن تعود له مسؤولية حفظ السلام والأمن الدوليين طبقا للفصل السّابع من ميثاق الأمم المتحدة، وله سلطة قانونية على حكومات الدول الأعضاء، ويتكون من خمسة عشر عضوا، لكل عضو صوت واحد، منهم خمسة أعضاء دائمون ويتمتعون بحق النقض أو ما يعرف ((بالفيتو))، وهم على التوالي: الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الرّوسي والمملكة المتحدة والصين وفرنسا، وعشرة أعضاء غير دائمين، يتم انتخابهم من طرف الجمعية العامة للأمم المتحدة بعد أن تتم عملية اختيارهم من طرف الأعضاء الخمسة الدائمين وهذا لمدة سنتين.

ويعود سبب حصول الدول الدائمة العضوية على المقاعد الدّائمة داخل المجلس لما حصّلوا عليه من انتصارات في الحرب العالمية الثانية.

ويجوز للدولة العضو في هيئة الأمم المتحدة والتي ليست عضوا في مجلس الأمن أن تشارك في مناقشات المجلس، ولكن بدون حق التّصويت، اذا رأى المجلس بأن مصالحها معرّضة للضرر، وهذا بشروط يضعها هذا الأخير لمشاركتها في المناقشات.

وتتناوب الدول الأعضاء في المجلس على رئاسته شهريا حسب الترتيب الأبجدي الانجليزي لأسمائها، وله مقر دائم بمدينة نيويورك.

وتتم عملية التّصويت داخله بأن يكون لكل عضو من الأعضاء الخمسة عشر صوتا واحدا، ولا يكون القرار الصادر عنه حائزا للقوة الإلزامية إلا إذا صوّت عليه تسعة أعضاء على الأقل، هذا بالنسبة للقرارات المتعلقة بالمسائل الإجرائية، أما ما يتعلّق بالمسائل الموضوعية فبالإضافة إلى الشرط الأول يجب أيضا أن تكون كل الأعضاء الخمسة الدائمة العضوية موافقة، وهو ما يعرف بقاعدة ((إجماع الدول الكبرى )) والتي تملك ما يسمى بحق النقض أو الفيتو.

ونظرا لما شهده القرن السابق من سقوط العدد الهائل والذي يعد بالملايين من أطفال ونساء ورجال كضحايا من جرّاء النّزاعات الدولية والحروب، والصور الفظيعة التي هزّت الضمير الإنساني بقوة، وهدّدت السلم والأمن في العالم، كان لزاما أن لا تمر هذه الجرائم دون عقاب ومن الواجب مقاضاة مرتكبيها، وبعد الجهود التي استمرت طويلا بهدف قيام كيان دولي مستمر يتولى هذه المهمة، جاء قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1995م والذي قضى بإنشاء اللّجنة التّحضيرية لإنشاء المحكمة الجنائية الدولية.

وقد تم الاتفاق على بنود الاتفاقية المنشئة لها في سنة 1998م بروما من طرف 120 دولة من أصل 160 دولة ومنظمات دولية أخرى غير حكومية مشاركة، وهو مايعرف بنظام روما الأساسي.

وفي عام 2002م دخل هذا النظام حيّز التّنفيذ وتأسست من خلاله أول محكمة جنائية دولية دائمة، وعليه نتجت العلاقة بين مجلس الأمن الدولي كونه جهازا سياسيا، وبين المحكمة الجنائية الدولية كجهاز قضائي.

وقد منحت المادة 13 فقرة (ب) من نظام روما الأساسي الحق لمجلس الأمن في إحالة أي حالة تتضمن ارتكاب جريمة تدخل في النظام الأساسي للمحكمة إلى المدعي العام للمحكمة.

كل هذه الأمور التي تعرّضنا لها وتكلّمنا عنها تبقى نظرية مجرّدة ومواد جافة لا روح فيها نظراً لما تشهده الساحة الدولية وبالأخص المنطقة العربية من انتهاكات وجرائم حرب فاقت الخيال الإنساني، والمجتمع الدولي يتفرج ولا يحرك ساكناً أمام هذا الهول وهذه البشاعة التي لم يسبق لها مثيل من قبل.

وبخصوص هذا الموضوع فقد حمّلت منظمة العفو الدولية مجلس الأمن الدولي مسؤولية تدهور حقوق الانسان في العالم من خلال عجزه على التّوصل الى قرارات هامة بهذا الشأن.

وقد كشفت المنظمة في تقريرها النقاب على التدهور المستمر الذي مسّ ويمسّ حقوق الإنسان في أكثر من 160 دولة في العالم، وحمّل التقرير صراحة مجلس الأمن مسؤولية ازدياد معاناة المدنيين التي ظهرت بشكل واضح في العديد من بؤر التوتر، مثل الغزو الاسرائيلي الأخير على قطاع غزة، والأزمة السورية المستمرة وما يجري في باقي البلدان الأخرى كليبيا والعراق وغيرهما.

وإذا أخذنا بعض العيّنات على انتهاكات حقوق الإنسان والتي تجرّ مرتكبيها بقوة وبوضوح تام إلى المحكمة الجنائية الدولية، هو ما تقوم به وتقترفه الآن سلطات الاحتلال الإسرائيلي من انتهاكات وجرائم والمتمثلة في أعمال القتل والقصف وإطلاق النّار والإفراط في استخدام القوة ضد المدنيين الفلسطينيين بما في ذلك المشاركين في مسيرات الاحتجاج السّلمي، وأعمال التّوغل والمداهمة، وإجراءات تهويد مدينة القدس الشرقية المحتلة عن طريق هدم المنازل السكنية والمحلات التجارية والأعيان المدنية الأخرى، والممارسات القمعية والتعسّفية ومصادرة الأراضي والاستطان في الضفة الغربية، والعدوان الأخير على قطاع غزة الذي دام خمسين يوما من قصف جوي وبرّي وبحري على المناطق السكنية داخله، والحصار الجائر على هذا القطاع للعام الثامن على التّوالي، ومواصلة فرض المزيد من العقوبات على السكان المدنيين في إطار سياسة العقاب الجماعي المخالفة لكافة النصوص القانونية الدولية والإنسانية في الضفة الغربية، وإتباع سياسة التطهير العرقي في مدينة القدس عبر تفريغها من سكانها الأصليين.

العيّنة الثانية: وهو ما يحدث الآن في سورية، فلقد شهدت وتشهد جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية بصورة غير مسبوقة في العصر الحديث وهذا للعام الخامس على التوالي، وأزمة انتهاكات حقوق الانسان مستمرة وفي تصاعد خطير وبشكل غير مسبوق في المنطقة، وسط تجاهل دولي غير مسبوق هو الآخر.

فالمجتمع الدولي الآن يغض الطرف، بل ويسعى أحيانا الى ايجاد وتوفير مخارج وثغرات لمجرمي الحرب في هذا البلد للإفلات من العقاب، بدل السعي لترسيخ ثقافة ومبدأ المحاسبة وملاحقة منتهكي حقوق الانسان في هذا البلد الجريح، رغم الترسانة والكم الهائل للأدلة الموثّقة والتي تعتبر قرينة قوية وكافية على انتهاك حقوق الإنسان والقانون الدولي الانساني، ورغم كل هذا فشل مجلس الأمن في إحالة أي من هذه الجرائم على المحكمة الجنائية الدّولية.

وللإشارة فإن أكثر من 210 ألاف شخص قتلوا في سورية خلال السنوات الأربع الماضية منذ اندلاع الثورة في منتصف مارس 2011م الى الآن، وقتل الآلاف من هؤلاء بأسلحة كيميائية، ومن جرّاء التّعذيب داخل السجون التّابعة للنظام السوري، كما تعرّض المئات للإعدام من قبل مجموعات مسلّحة من بينها تنظيم الدولة الإسلامية.

ومن الانتهاكات المستحدثة في حق الشعب السوري الأعزل، استخدام البراميل المتفجّرة والقصف العشوائي من طرف قوات نظام الأسد.

ومع كل هذه الجرائم التي يرتكبها هذا النظام المتوحش، هناك دعم عسكري خارجي له من طرف روسيا وإيران وميليشيات ما يسمى بحزب الله.

أمام هذه الصورة المروّعة فشل مجلس الأمن مرارا في إحالة ملف سورية الى المحكمة الجنائية الدولية بلاهاي بسبب الخلافات الناشئة بين أعضائه وأمام الفيتو الروسي الصيني.

وقد قالت المفوضية الأممية السامية لحقوق الإنسان أن لجنة تقصي الحقائق التابعة لمجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة برئاسة البرازيلي ((باولو بينيرو)) بشأن سورية، قد جمعت كميات هائلة من الأدلة يشأن جرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية، وأنّ الأدلة تشير إلى مسؤولية أشخاص بأعلى المستويات في الحكومة السورية بما فيهم الرئيس بشار الأسد.

واللاّفت للانتباه أن روسيا والصين قامتا بإجهاض مشروع قرار تبنّته فرنسا يدعو لإحالة الملف السوري على المحكمة الجنائية الدولية، وللأسف تم وأد هذا المشروع من خلال استخدام روسيا والصين حق النقض رغم أن ّكل الدول الأعضاء الثلاثة عشر(13) للمجلس صوّتت لصالح هذا المشروع.

ما نلاحظه هو الاستخدام المجحف لحق الفيتو وما سينجرّ عنه من تمييع للقانون الدولي، وإلى فقدان الثقة بمنظومة حقوق الإنسان وبالقانون الجنائي الدولي كوسيلة وأداة لمحاسبة وردع مرتكبي الانتهاكات وهذا ما سيشجّع ارتفاع موجة التطرّف كوسيلة بديلة تمكّن ضحايا هذه الانتهاكات وذويهم في الانتقام ومحاسبة المجرمين والجناة.

فإلى متى سيبقى مجلس الأمن أداة لضرب الأمن؟.
 

 

الخليج أونلاين

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع