علي عيد
تصدير المادة
المشاهدات : 7642
شـــــارك المادة
غريب أمر البعض الذي يزبد ويرعد من أجل مذهبه وطائفته، ويهيل ويكيل من التاريخ والشعر على الناس عند الحديث عن الوطن والثورة، ومناسبة الحديث هنا هو مطار "الثعلة" العسكري المتداخل بين السويداء ودرعا.
يقول أحد الناشطين الدروز لأهله: أولستم الذين لطالما كان ردكم على قصف قرى سهل حوران من مواقع النظام في الجبل بأنكم غير معنيين وأن هذا القصف ليس بإرادة أهالي السويداء، وعندما هبّ أبناء درعا لتحرير المطار ووقف جرائمه جلستم تتفرجون على الشباب المغرر بهم من أبناء الدروز وهم ينخرطون في القتال مع قوات الأسد؟.
في تحليل بسيط لطبيعة ما يجري في السويداء يتبين أن هناك ثلاث شرائح متعارضة تقترب مع بعضها في التحليل الطائفي وتتباين في تحليل المنطق الوطني.
الشريحة الأولى: تتشكل من مجموعة من النخب الفكرية والأكاديمية التي تبنت الثورة منذ انطلاقتها وساهمت فيها بشكل فاعل في كثير من المفاصل، إلا أن هذه المجموعة التي يشكل اليسار الشيوعي عصبها، وتضمن مثقفين وكتابا لم تستطع اجتذاب عدد كبير من أبناء السويداء نتيجة التداخل والمصالح المشتركة بين رجال الدين والزعامات التقليدية من جهة والنظام من جهة ثانية، أضف إلى أن المسار العنيف للأحداث وأساليب التخويف التي اتبعها النظام ساهمت بشكل كبير في تخويف أبناء السويداء من الانخراط في الثورة.
الشريحة الثانية: تتشكل من غالبية أبناء السويداء وعمادها موظفو الدولة، والفلاحون الذين اتخذوا موقفاً محايداً بدوافع الخوف وضعف الإمكانات المادية.
الشريحة الثالثة: تتشكل من قادة وعناصر الميليشيا، والحزبيين المنتسبين للبعث من أبناء المحافظة، وكذلك أصحاب المناصب الإدارية والعسكرية وحتى الزعامات الدينية، وهي شريحة لا تستطيع الابتعاد بالضرورة عن النظام، وهي تمتلك من الأدوات التي تمكنها من تجييش مجموعات تعمل خارج إطار المزاج الشعبي في السويداء، وهي تجتذب المتعثرين من الشريحة الثانية سواء بعمليات غسل الدماغ أو استغلال الفقر وضعف الإمكانات المادية لدى أبناء تلك الشريحة.
ويمكن الحديث عن مجموعة أخرى لا يمكن تصنيفها في شريحة ذات وزن كبير وهي تتشكل من طليعة مقاتلين انضموا لصفوف الثورة خارج أراضي السويداء، أضف إلى شخصيات اجتماعية لا ترى في الإطار المذهبي أي خلاص للبلاد، وهي تتبنى الثورة بصورتها كخيار للأكثرية الوطنية لا المذهبية أو العرقية.
العامل الأكثر تأثيراً في ضعف الحراك الثوري في السويداء هو أن الشرائح الثلاث الوازنة لم تستطع صياغة خطاب وطني مشترك، لكنها كانت تتقاطع وتتلاقى عند المفهوم الديني للدروز ككتلة أقلوية لا كمكون أصيل، وهذا يتناقض بالطبيعة مع تاريخ الدروز وعروبتهم.
لا يشك عاقل بأن الجيش الحر لم يتعامل مع مطار "الثعلة" العسكري كتعامله مع باقي المواقع التي حررها، بل سعى لفتح ثغرة لخروج المسلحين المنضوين في ميليشيات تقاتل إلى جانب قوات الأسد، كما سعى لتسليم مجموعة من أبناء السويداء مهما كان حجمها راية تحرير المطار، وقد استبعد لهذه الغاية جبهة النصرة منعاً لإثارة الحساسية.
الحديث عن تطمينات للدروز بدا غير مفيد لأن الفرز الحاصل أنتج قوى منظمة قادرة على تخريب أي مشروع يعيد صياغة دور الدروز ومكانهم الحقيقي، وهذه القوى تعلم أن العلاقة بين السويداء ودرعا تعتبر من الضرورات أو المسلمات بحكم التاريخ والجغرافيا، وهي ليست ترفاً أو لعباً في مضمار السياسة، لكن الخطر الأكبر هو في سطوة هذا الجناح بعد أن تبين هدف الجيش الحر في درعا إثر معركة بصرى الشام ومن ثم تعهده بالقتال جنباً إلى جنب مع الدروز ضد أي خطر يتهددهم سواء كان من النظام أو من داعش التي تحوم حول السويداء.
في المنطق الوطني يبدو الحديث عن أن السويداء استقبلت 130 ألف نازح من حوران هو محاولة لتبرير الضعف، وهو يشبه قصة الخدمات الثابتة في التجنيد الإجباري والتي يعرفها السوريون، ودور إيواء النازحين لا يعفي السويداء من مهمتها، فهي جزء من سوريا وليست قطعة أو دولة منفصلة يمكنها طلب الامتنان الدولي على ذلك كما تفعل دول مثل لبنان والأردن تركيا، وإلا فإن البقاء في صف النظام واعتباره يمثل الدولة كافٍ لاعتبار هؤلاء النازحين مسؤولية حكومية لا محلية أهلية بالمنطق السياسي. ولا يجب إنكار أهمية إصرار السويداء على أن تكون حاضنة لكل أبناء سوريا النازحين إليها، لكن الأمر لا يدخل في مسؤوليات البحث عن حلّ وصياغة شراكة بعيداً عن النظام الذي سقط من التاريخ وكل ما يجري هي مجرد مساومات على الجثة.
ما لا يريد الكثيرون الإفصاح عنه هو حجم الاستقطاب الحاصل فيما يخص الدروز على المستوى الإقليمي، وأخطر ما في هذا الاستقطاب دخول "إسرائيل" كلاعب وبرضى وتشجيع الطرف الدرزي المحسوب على تيار المقاومة، لدرجة تهديد هذا الطرف بالاستعانة بإسرائيل كما جاء بصيغة مثيرة للجدل على لسان وئام وهاب، وبالمقابل فإن القطب الدرزي البارز وليد جنبلاط يخوض معركة مصيرية لتثبيت عروبة الدروز ومنع جرّهم إلى الخيار الإسرائيلي لما فيه من تناقض جوهري مع تاريخهم وخطر على مستقبلهم.
خلال الفترة القريبة القادمة سيتوسع قوس القضية الدرزية من السويداء إلى قرى جبل الشيخ وصولا إلى الجولان المحتل، لأن مصير نحو نصف مليون درزي سيكون ورقة رابحة لـ"إسرائيل" في حال أساء رموز الطائفة وكوادرها التعامل واستمروا بسياسة العصى من المنتصف.
"إسرائيل" تريد التمدد داخل الأراضي السورية لتشكيل وسادة حماية وقد تلعب بـ "الكرت" الدرزي"، لذلك فإنه يمكن للدروز اليوم أن يكونوا مدخلاً لـ"إسرائيل"، أو مخرجاً لخلاص سوريا من النظام ومنع انسلاخ هذه الشريحة الأصيلة في بلاد الشام عن محيطها، وللعلم فإن القضية أوسع وأعقد مما يعتقد البعض، كما أن ما يجري في كواليسها مرعب، ومن باب النكتة أن نقول إن الدروز هم آخر من يعلم. ولعله من الإنكار أن نصمت عن واجبات بقية الأطراف، فالجيش الحر بحاضنته الشعبية مطالب بأن يكون على وعي بما يجري طالما أن مؤسسات المعارضة السياسية عاجزة عن القيام بدورها في هذا المضمار.
ولا أفشي سراً إن قلت إن ثمة مجموعة متشددة برعاية إسرائيلية وأخرى برعاية النظام، وإن تلك المجموعات تتقاطع عند مصالح نظامي دمشق وتل أبيب، إذ إن هناك تحضيرات لتحولات كبرى، تأثيراتها ستكون أكثر عمقا من التفاهم بين حافظ الأسد وبوش الأب عند دخول الجيش السوري إلى لبنان، فما يجري اليوم وبعد أن ظهرت خطوط عريضة للتقسيم يشير بوضوح إلى أن "إسرائيل" ستبيع موافقتها على دولة وظيفية في وسط وساحل سوريا بعمق إيراني مقابل تمددها في الجنوب السوري بحجة وجود المتشددين ولخطر الأكبر أنها ستستخدم فزاعة الخطر على الدروز لتمرير هذا السيناريو ولاستخدامهم دريئة ودرع حماية.
اليوم وخارج التحليل يصارع الدروز بين خياري العروبة والتاريخ المشرق من ذوقان وسلطان الأطرش ويحيى عامر في سوريا، وكمال جنبلاط والمير مجيد أرسلان في لبنان، إلى خيار التقسيم والتهديد بإسرائيل ممثلا بشخصيات مثل لونا الشبل ووئام وهاب، تلك لعمري مفارقة عجيبة.
زمان الوصل
سمير صالحة
محمد صقر السلمي
عمر عزيزي
أحمد عياش
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة