..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

فتوى حول صدقة الفطر

المجلس الإسلامي السوري

٧ يوليو ٢٠١٥ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 7505

فتوى حول صدقة الفطر
-فتوى-حول-فدية-الصيام.jpg

شـــــارك المادة

الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على سيد المرسلين وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد:
فقد وردت الى المجلس الاسلامي السوري أسئلة عديدة عن صدقة الفطر وعن الفدية وعن مقدار كل منهما، و لذلك فقد رأينا أن نصدر هذه الفتوى التي تبين أهم الأحكام في المسألتين:

جدول فتوى حول فدية الصيام

أولاً: صدقة الفطر
رمضان شهر الخير والبركات وشهر الإنفاق والمواساة، تُضاعف فيه أجور الطاعات ويُقبل الناس فيه على الصدقات وإخراج الزكوات، ومع ذلك فقد شرعت لنا فيه صدقة خاصة جعلها النبي ﷺ بمثابة كفارة للصائم يتدارك فيها بعض تقصيره، وعوناً للفقراء والمحتاجين، وإسعافاً لهم في يوم العيد، إضافة إلى الزكاة التي ينبغي أن تغطي حاجات الفقراء السنوية ، روى أبو داود عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: «فرض رسول الله ﷺ زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمة للمساكين، من أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات».

على من تجب:
تجب عند جمهور الفقهاء على كل من ملك صاعاً  فاضلا عن قوته وقوت عياله ليلة العيد ويومه، ومثل هذا قد يكون محتاجًا فيخرجها وتعطى له فيقبلها، لذلك جاء في الحديث: «أما غنيكم فيزكيه الله وأما فقيركم فيرد الله تعالى عليه أكثر مما أعطى» رواه أبو داود عن عبد الله بن ثعلبة.

ومن وجبت عليه صدقة الفطر وجبت عليه عمن هم في عياله وينفق عليهم، فيخرجها المسلم عن نفسه وأولاده الصغار عند الحنفية وزاد الجمهور عن أبويه الكبيرين الفقيرين وأولاده الكبار الذين هم في رعايته وعن زوجته، ولو أخرج عن هؤلاء أجزأهم عند الحنفية ولكن لا يجب عليه ولا عليهم إن كانوا فقراء لايجدون ما يخرجون.

روى البخاري عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: «فرض رسول الله زكاة الفطر صاعًا من تمر أو صاعًا من شعير على الحر والعبد والذكر والأنثى والصغير والكبير من المسلمين وأن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة».

وقت وجوب صدقة الفطر:
اختلف الفقهاء في وقت ثبوت صدقة الفطر في ذمة المكلف فقال الحنفية تجب بطلوع الفجر من يوم عيد الفطر، وقال الجمهور تجب بغروب شمس اليوم الأخير من رمضان، ويعني هذا أن من دخل عليه وقت الوجوب ولم يكن من أهل التكليف  لاتجب الفطرة  عنه أو عليه، فإذا وُلد المولود قبل فجر يوم العيد وبعد مغيب شمس ليلة الفطر، فعلى القول الأول (وهو قول الحنفية) يجب إخراجها عنه، وعلى القول الثاني وهم الجمهور، لاتجب. واتفقوا جميعاً أن من وُلد قبل الغروب وجبت عنه، ومن وُلد بعد الفجر لم تجب عنه، واتفقوا أيضا أنها لا تجب عن الجنين الذي لا يزال في بطن أمه، فمن أحب أن يُخرج عنه فله ذلك، واستحب بعض أهل العلم إخراجها عن الجنين.

وقت إخراج زكاة الفطر وجواز تعجيلها:
كلام الفقهاء السابق في وقت وجوب الصدقة لا يعني أنه لا يجوز تقديمها عن ليلة العيد، فقد ذهب جمهور الفقهاء إلى جواز تقديمها على ليلة العيد، وذلك لأن النبي ﷺ أمر أن تخرج قبل صلاة العيد ولم يأمر أن تخرج بعد غروب شمس اليوم الأخير من رمضان، أي أنه لم يقيدنا بإخراجها في تلك الليلة حصرًا، ولذلك فقد ذهب الحنفية والشافعية إلى جواز إخراجها من أول الشهر، وذهب المالكية والحنابلة إلى جواز تقديمها قبل العيد بيوم أو يومين.

والذي نراه أنه لا مانع من تقديم زكاة الفطر قبل يوم العيد بأيام وخصوصًا إذا كانت تجمع لدى بعض اللجان الموثوقة لتتمكن من إيصالها إلى مستحقيها في الوقت المناسب، وقد ثبت أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يقدمون الصدقة بيوم أو يومين.

روى البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: «وكانوا يعطون قبل الفطر بيوم أو يومين». وفي رواية الموطأ «أن ابن عمر كان يبعث بزكاة الفطر إلى الذي تُجمع عنده قبل الفطر بيومين أو ثلاثة». وهذا يعني أن فكرة جمع الصدقة في وقت مبكر كانت موجودة عندهم.

وننبه الى أمر هنا وهو أن دفع زكاة الفطر إلى جهة خيرية لتوصلها بدورها إلى المستحقين هو بمثابة توكيل تبرأ به ذمة الدافع وهذا لا يضر تعجيله، والمهم في التوقيت هو أداء الجهة الوكيلة فإن رأت مصلحة في تعجيل الدفع إلى الفقير والمسكين فبها، وإلا  فكلما تأخر وقت الدفع واقترب من يوم العيد كان أفضل لتحقيق الغاية من صدقة الفطر وهي الإغناء والاستغناء عن المسألة فيه.

وأما آخر وقتها الذي تجب فيه فهو عند الحنفية قبل صلاة العيد فلو أخرها أثم ولم تسقط عنه حتى يخرجها، وعند الجمهور يستحب إخراجها قبل صلاة العيد ولو أخرها عن الصلاة جاز ولكن لا يجوز تأخيرها عن غروب شمس يوم العيد، والذي نراه أن ما ذهب إليه الحنفية هو الأولى وتؤيده ظواهر النصوص الواردة في ذلك. وعلى كل حال فقد اتفقوا جميعاً أن من أخرها عن وقت الوجوب (مع الخلاف فيه) فلا تسقط عنه بل تصبح ديناً في ذمته حتى يؤديها مهما طال الزمن.

مقدار صدقة الفطر:
بينت النصوص أن مقدار صدقة الفطر هو صاع من الطعام عن الفرد الواحد وهذا يعادل في أحوط التقديرات عند الجمهور (2700) غم ، ولكن الذي ينبغي أن نفطن له أن النصوص ذكرت أصنافًا متفاوتة القيمة، فإذا قدرت بعض جهات الإفتاء صدقة الفطر في أيامنا بمقدار معين فهذا في الغالب هو الحد الأدنى تقريبًا الذي يراعى فيه حال غالب الناس وينبغي للمستطيع أن يزيد، روى الشيخان عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: «كنا نخرج زكاة الفطر صاعًا من طعام أو صاعًا من شعير أو صاعًا من تمر أو صاعًا من أقط أو صاعًا من زبيب».

ولذكر الطعام هنا، فقد قال بعض الفقهاء بجواز إخراجها من غالب قوت البلد. وقد سألنا عن قيمة صاع القمح في أيامنا في الداخل السوري فتفاوت تقديره بين 150 ل س الى 300 ل س بحسب اختلاف المناطق ولو أخذنا بالأحوط لقلنا بالسعر الأعلى وهو يقارب دولاراً واحداً عن كل شخص. ولو قدرناها بالرز باعتباره قوتاً من الأقوات في هذه الأيام لوجدنا أنها تقارب الألف ليرة أي ما يعادل تقريبا ثلاث دولارات وبهذا ننصح أهل السعة و اليسار ويمكن للجمعيات الخيرية التي تجمع الصدقات من الموسرين أن تعتمد هذا المقدار.

جواز إخراج القيمة في صدقة الفطر:
ذهب الجمهور إلى عدم جواز القيمة في صدقة الفطر، وإنما تخرج من الأصناف المذكورة في الروايات أو من غالب قوت البلد، وذهب الحنفية إلى جواز إخراج القيمة نقدًا قياسًا على جواز إخراج القيمة عندهم في الزكاة ولهم أدلتهم في ذلك، ولعل هذا أنسب في عصرنا لتلبية حوائج الفقراء والمساكين.

ذلك أن حوائج هؤلاء لا تقتصر في أيامنا على الطعام بل يحتاج أحدهم إلى ثمن الدواء وأجرة الطبيب أوإلى ثمن اللباس وأجرة البيت، فربما يضطر كما هو مشاهد إلى بيع ما يأتيه من هذه الأقوات بأقل من نصف قيمتها ليحصل على النقد فتكون المنفعة الحقيقة قد عادت على التاجر لا على الفقير المحتاج، أفليس الأولى بنا أن نجعل الفائدة كلها لهذا المسكين، وقد قال النبي ﷺ: «أغنوهم عن الطواف في هذا اليوم»… ومع ذلك فإننا لا نمانع أن يخرج الإنسان صدقة فطره من غالب قوت البلد، ولكن الذي نراه محققًا للحكمة من تشريع هذه الصدقة هو دفع القيمة. والله أعلم.

جواز نقل الفطرة إلى بلد آخر:
نرى أنه لا مانع من نقل الفطرة من بلد المزكي إلى بلد آخر للحاجة، بل ربما يكون هذا هو الأولى، فلو أن مزكياً وجبت عليه الفطرة في بلد إقامته خارج سوريا و أراد أن يرسلها إلى سوريا فلا حرج في ذلك.

ملاحظة  للسوريين في الجوار:
السوريون المقيمون في البلاد المجاورة يتبعون ما تحدده دوائر الفتوى في تلك البلاد مع ملاحظة أن بعضها قدرت قيمة صدقة الفطر بتقدير وسطي ولذلك جاءت مرتفعة فمن شق عليه ذلك فيمكنه أن يرجع الى تقديرها بقيمة أقل الأقوات، وللتوضيح فإن الشؤون الدينية في تركيا قدرت قيمتها لعام 1436هـ  11،5  ل ت وهذا المبلغ مناسب لأهل السعة و اليسار ويبدو أنه قدر على سعر الرز أو التمر، ولكن هذا المبلغ كبير نسبيا بالنسبة للسوريين اللاجئين ولذلك سألنا عن قيمة صاع القمح (أو الطحين) فتراوحت القيمة بين ثلاث وخمس ليرات تركية، ولذلك نرى أنه يسع فقراء السوريين في تركيا أن يخرجوا هذا المقدار إن وُجد عندهم فاضلا عن قوت يوم العيد وليلته (*)،  والله أعلم.

ثانياً: الفدية

الفدية بدل جعله الله تعالى لبعض الناس ممن لا يطيقون الصيام .

قال تعالى: (أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ  فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ ۚ وَأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ) البقرة: ١٨٤ وقد ذكر الفقهاء  أن المراد بالآية الذين يحتملونه بمشقة بالغة على قول, أو الذين لا يطيقونه على قول آخر. وهذه الآية أشارت إجمالاً إلى أصحاب الفدية أو إلى سبب وجوب الفدية وألحق العلماء بها حالات أخرى استناداً إلى أدلة أخرى كما سنرى.

أهم موجبات الفدية:

تجب الفدية في حالة العجز عن الصيام وهذا يشمل الشيخ الكبير والمرأة العجوز إذا كان يشق عليهما الصيام مشقة شديدة وهذا استناداً إلى نص الآية الكريمة: «وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ».

وقد روي أن أنساً رضي الله عنه ضعف عن الصوم قبل موته عاماً فأفطر وأطعم عن كل يوم مسكيناً.

تجب الفدية كذلك على المريض الذي لا يُرجى شفاؤه لأن هذا صار من أهل الفدية ولم يعد يتصور في حقه القضاء وهذا بخلاف المريض الذي يُرجى شفاؤه لأنه يستطيع القضاء .
تجب الفدية عند الجمهور عمن كان عليه صيام وتمكن من القضاء ولم يقض حتى مات.
وكذلك تجب على من أفطر في رمضان بغير عذر ثم مات ولم يدرك عدة من أيام أخر لأنه مستهين بالصيام ابتداء، وكان مطالباً بالقضاء والكفارة والتوبة، فلما فات القضاء بالموت طُولب بالفدية، ويُطالب ورثته بإخراج الكفارة عنه أيضاً (إن ترك مالاً) والكفارة في هذه الحالة إطعام ستين مسكيناً .

مقدار الفدية:
اختلف الفقهاء في مقدار الفدية مع أن الآية بينت أن الواجب هو طعام مسكين «وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين» وفتحت الباب للزيادة والتطوع «فمن تطوع خيرا فهو خير له » ولكن السؤال هل المراد طعام مسكين ليوم أو لوجبة واحدة , فمن قال ليوم قال يغديه ويعشيه وهم الحنفية، ولذلك قالوا يجب عليه نصف صاع من البر أو ما يعادله، وقاسوها على صدقة الفطر عندهم.

ومن قال بوجبة واحدة قال: الواجب مُدٌّ من الطعام وهو ما يعادل حفنة من الطعام أو ربع صاع، وهذا ما ذهب اليه جمهور الفقهاء، وقد يكون قول الجمهور أرجح لأن بعض الروايات صرحت بذكر المد، ومع ذلك فقد وردت روايات أخرى ذكرت أكثر من ذلك.

وبناء على قول الجمهور فإن من أفطر في رمضان ولا يستطيع القضاء فيمكنه أن يطعم ثلاثين مسكينا لكل مسكين وجبة، ويمكنه أن يدفع قيمة الوجبة عند من أجاز ذلك، ولو أردنا أن نقدر قيمة الوجبة التي يأكلها عامة الناس اليوم لوجدنا أنها لا تقل عن مائتي ليرة سورية ومن أراد أن يزيد فذلك خير لأن الآية قالت: ومن تطوع خيرا فهو خير له. ولذلك فإننا ننصح الجهات الخيرية التي تستقبل الفدية من الموسرين أن تقدرها بما لا يقل عن دولار عن اليوم الواحد

والله أعلم

_______________________________________________

(*): ويمكن أن يُعتَمَدَ للإخوة السوريين المقيمين في تركيا نفسُ المقدار بالنسبة للفدية.

لجنة الفتوى في المجلس الاسلامي السوري - الأحد 11 رمضان 1436هـ   الموافق  28-6-2015م

 

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع