..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

يهود إيران.. ودورهم السياسي

إياد جبر

٢٥ ٢٠١٥ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 9279

يهود إيران.. ودورهم السياسي
200712252233210.jpg

شـــــارك المادة

بالرغم من تشجيع حكومات الكيان الصهيوني المختلفة لليهود المنتشرين في دول مختلفة على الهجرة إلى فلسطين، إلا أنها تغض الطرف عن يهود إيران الأكثر تمسكاً بالبقاء بإيران، وهو ما يفسر تفوق الجالية اليهودية في إيران من حيث العدد، على الجاليات اليهودية في الشرق الأوسط. أو بعبارة أخرى أن يهود إيران باتوا أكبر تجمع يهودي في الشرق الأوسط باستثناء التجمع اليهودي في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

ويرجع كتاب "اليهود الإيرانيون" لعلي أصغر مصطفوي، تراجع هجرة يهود إيران إلى الكيان الصهيوني مقارنةً بالهجرات اليهودية من أوروبا والغرب عموماً، إلى وطنية اليهود الإيرانيين على حد وصفه، مؤكداً على تمسك يهود إيران بالبقاء فيها، ودفاعهم عنها، معتبراً أن أرض إيران بالنسبة لهم هي أرض كورش مخلصهم، وعليها ضريح "إستر ومردخاي"، وفيها توفي النبي دانيال ودفن النبي حبقوق، هي دولة شوشندخت الزوجة اليهودية الوفية للملك يزدجرد الأول، وتحوي أرضها جثمان بنيامين شقيق سيدنا يوسف عليه السلام.

بالإضافة إلى هذه المقامات التي تربط اليهود بهذا البلد، فإن المعابد والكنائس اليهودية لم تكن في أي وقت مصدر قلق للأنظمة الإيرانية المتعاقبة، فهناك عشرات المعابد والكنائس اليهودية في طهران وأصفهان، أهمها: كنيس يوسف آباد في طهران، وكنيس أبريشمي الذي يقع في مبنى جميل وسط المدينة، ويمكن لقاعته الرخامية والمزينة بثريات كبيرة أن تستوعب 500 شخص على الأقل، وإلى جانب المعابد، يدير يهود إيران مدارس ومكتبة ومستشفى ممولة جزئياً من الأموال العامة.

على الجانب الآخر، تعترف الدولة الفارسية باليهود اللذين يعيشون في كنفها، وتعتبرهم إلى جانب المسيحية والزرادشتية، أقلية دينية، تحظى بمعاملة لائقة خلافاً للأقليات العرقية والقوميات الأخرى، وهو ما يؤكد عليه يهود إيران أنفسهم، حين يتحدثون عن موقف النظام السياسي منهم، كما أن الممارسات الإيرانية الإيجابية تجاههم، تؤكد بما لا يقبل التأويل، على أنهم مندمجون جيدًا ولا يشعرون بأي نوع من التمييز العنصري، وأن المشاكل بين إيران والكيان الصهيوني لا تؤثر عليهم، على اعتبارهم إيرانيين قبل كل شيء، وذلك وفقاً لما يدعيه متدينوهم.

ولم تجد الحكومة الإيرانية غضاضة في تقديم دعمها المتنوع لليهود، ففي 18 ديسمبر 2014، دشنت نصباً تذكارياً جديداً للجنود الإيرانيين من اليهود الذين قتلوا في الحرب الإيرانية العراقية 1980 - 1988. حيث أقيم النُصب التذكاري داخل مقبرة اليهود في طهران والتي دُفن فيها قتلى المعارك. كُتبت على النصب الكلمات العبرية "شالوم عولام" والتي تعني سلام العالمي، ولم يجد مساعد رئيس الجمهورية لشؤون الأقليات والطوائف "علي يونسي" والنائب الأول لرئيس مجلس الشورى الإيراني "محمد حسن أبو ترابي"، أي نوع من الحرج عند مشاركة اليهود احتفالاتهم.

في هذه الأثناء كان للرئيس روحاني سياسة أكثر تعاطفاً مع اليهود، حين سمح لمدارسهم في 28 فبراير من هذا العام، أن تغلق أبوابها يوم السبت بناءاً على طلبهم. مع تخصيص حوالي 400 ألف دولار لمستشفى يهودي في طهران، داعياً أيضاً المشرع اليهودي الوحيد في البلاد آنذاك إلى مرافقته لحضور جلسة الأمم المتحدة في نيويورك العام الماضي. وعلى النقيض من ذلك تتخذ السلطات الإيرانية سياسات قمعية حين يتعلق الأمر بالأقليات الأخرى، لاسيما السنة، فتمنعهم من بناء مساجد في العاصمة طهران وتمنع أقليات بعينها من الحديث بلغاتها.

ولا يتوقف الدعم الإيراني لليهود عند هذا الحد، فيمتد لأبعد من ذلك، ليؤكد بما لا يدع مجالاً للشك على حالة التعاطف الرسمي مع تلك الأقلية الدينية دون سواها، فتتحرك قوات الحرس الثوري قبل أسابيع قليلة للبحث عن كتاب توراة قديم يعود للجالية اليهودية، كان قد سرق في إقليم شيراز، وهو من أحد المخطوطات الأقدم في العالم، مع إقامة مراسم رسمية شارك فيها نائب الجالية اليهودية في البرلمان الإيراني وسلم رسالة شكر رسمية للسلطات الإيرانية، من قبل اليهود. مبدياً احترامه وتقديره للنظام الإيراني الذي يحترم الديانات التوحيدية على حد زعمه.

وهنا يمكن طرح التساؤل المهم، لماذا تقدم الحكومات الإيرانية المتعاقبة هذا الدعم المتنوع للأقلية اليهودية دون سواها، وتتجنب في نفس الوقت التصادم معها؟

للإجابة على هذا السؤال لابد من التعرف على المكاسب التي تجنيها الجمهورية الإيرانية من اليهود، سواء في الداخل أو في الخارج، لأن يهود إيران لهم امتدادتهم في الكيان وبعض الدول الغربية لاسيما الولايات المتحدة الأمريكية، وهو ما يمكن أن ينعكس إيجاباً على علاقات إيران الخارجية.

فوفقاً لتقارير عدة نشرتها الصحف الصهيونية مؤخراً، فإن أكثر من 30 مليار دولار هي حجم الاستثمارات اليهودية داخل الأراضي الإيرانية، وإذا كان هذا الرقم مبالغ فيه كما يقول البعض، فإن اعتماد يهود إيران على التجارة كما هو معروف وعدم فرض قيود على تجارتهم من قبل نظام الملالي يعزز من صحة هذه المعلومة، كما أن حجم الشركات التي استعرضتها صحيفة "يدعوت أحرونوت" الذي يصل إلى 200 شركة صهيونية على الأقل تقيم علاقات تجارية مع إيران وأغلبها شركات نفطية تستثمر في مجال الطاقة داخل إيران، يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك هذه المعلومات، خاصة وأن عدد اليهود في إيران يصل إلى حوالي 40000 حسب الإحصاءات غير الرسمية، لهم امتداد مباشر مع اليهود في الكيان الصهيوني من الأصول الإيرانية.

وبحسب التقارير الصهيونية إن أعدادهم تصل إلى 200000، يتلقون تعليماتهم من مرجعهم في إيران الحاخام الأكبر "يديديا شوفط" المقرب من بعض حكام إيران، وهؤلاء لهم نفوذ واسع في التجارة والأعمال والمقاولات العامة والسياسة ونفوذ أكبر في قيادة جيش الكيان.

بالإضافة إلى ذلك تلعب لغة المصالح دوراً كبيراً حين يتعلق الأمر بيهود إيران وعلاقاتهم بالجاليات اليهودية في الولايات المتحدة على وجه التحديد، وبحسب التقارير المتعلقة بهذا الشأن، أن حوالي 12000 يهودي إيراني يعيشون في الولايات المتحدة الأمريكية لهم دورهم المهم في الحياة السياسية، كونهم أعضاء في الكونجرس بمجلسيه، وبطبيعة الحال يمثل هؤلاء جزءاً من اللوبي الصهيوني الذي يؤثر بشكل كبير على السياسة الخارجية الأمريكية تجاه الشرق الأوسط على وجه التحديد. وربما تفهم الإدارة الأمريكية للتحرك الإيراني الشيعي، وحالة التفاهم حول ملفها النووي كان نتاج التحرك اليهودي، خاصة وأن المستفيد الأول من مصائب الشرق الأوسط هو الكيان الصهيوني وإيران.

في الختام، يبدو أن تعمد النظام الإيراني تهميش الأقلية اليهودية على المستوى الإعلامي، رغم أن تلك الأقلية تمثل أكبر كتلة بشرية يهودية في الشرق الأوسط، بعد الكيان الصهيوني، يأتي في سياق تلافيها لأي صدام مجاني مع الغرب، وهو أمر يدركه الكيان الصهيوني الذي لا يحاول استقطاب يهود إيران للعيش في فلسطين، كما يفعل مع اليهود في أنحاء العالم. كما أن إعطائهم مزيداً من التمثيل في الانتخابات البرلمانية الإيرانية الأخيرة، ليتحول تمثيلهم من مقعد واحد إلى أربعة مقاعد، يأتي في إطار حالة التقارب الإيراني مع العالم الغربي.

 

 

مجلة البيان

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع