عباس شريفة
تصدير المادة
المشاهدات : 4478
شـــــارك المادة
المفاوضات مع غطفان لكسر الحصار عن المسلمين: لما اشتد على المسلمين البلاء جراء الحصار المفروض عليهم من الأحزاب، بعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى عيينة بن حصن والحارث بن عوف وهما قائدا غطفان، فأعطاهما ثلث ثمار المدينة على أن يرجعا بمن معهما عنه وعن أصحابه، وكتبوا في ذلك كتاباً، وأرسل الرسول لسعد بن معاذ وسعد بن عبادة ليستشيرهما.
فقالا: يا رسول الله أمرٌ تحب فنصنعه؟ أم شيئاً أمرك الله به لابد لنا من العمل به، أم شيئاً تصنعه لنا؟
قال: بل شيء أصنعه لكم، والله ما أصنع ذلك إلا لأني رأيت العرب قد رمتكم عن قوسٍ واحدةٍ، وكالبوكم من كل جانبٍ، فأردت أن أكسر عنكم من شوكتهم إلى أمرٍ ما.
فقال له سعد بن معاذ: يا رسول الله قد كنا نحن وهؤلاء القوم على الشرك بالله وعبادة الأوثان، لا نعبد الله ولا نعرفه، وهم لا يطمعون أن يأكلوا منها ثمرةً إلا قرىً أو بيعاً، أحين أكرمنا الله بالإسلام وهدانا له وأعزنا بك وبه، نعطيهم أموالنا؟ والله ما لنا بهذا حاجة، والله ما نعطيهم إلا السيف حتى يحكم الله بيننا وبينهم.
قال الرسول -صلى الله عليه وسلم-: فأنت وذاك، فتناول سعد بن معاذ الصحيفة فمحا ما فيها من الكتاب، ثم قال: ليجهدوا علينا. في هذه المفاوضات التي جرت بين الرسول -صلى الله عليه وسلم- وغطفان نستخلص عدة دروسٍ في فقه الموازنات: الأول: الموازنة بين أصناف الأعداء لاختيار الحلقة الأضعف ليتم اختراق صفوفهم من خلالها، وهذا ما فعله رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فهو لم يعرض المفاوضات على قريش ولا على اليهود لأنهم هم أساس الصراع، والحرب معهم حرب عقيدة ومبدأ ونزاع سياسي حاد، وإنما عرض المفاوضات على غطفان لأنه يعلم -صلى الله عليه وسلم- أنها وقادتها ليس لهم من وراء الاشتراك في هذا الغزو أي هدف سياسي يريدون تحقيقه، أو باعثٍ عقائديٍ يقاتلون تحت رايته، وإنما كان هدفهم الأول والأخير من الاشتراك في هذا الغزو الكبير هو الحصول على المال بالاستيلاء عليه من خيرات المدينة عند احتلالها؛ ولهذا لم يحاول الرسول -صلى الله عليه وسلم- الاتصال بقيادة الأحزاب من اليهود أو قادة قريش كأبي سفيان بن حرب، لأن هدف أولئك الرئيسي، لم يكن المال، وإنما كان هدفهم هدفًا سياسيًّا وعقائديًّا يتوقف تحقيقه والوصول إليه على هدم الكيان الإسلامي من الأساس؛ لذا فقد كان اتصاله (فقط) بقادة غطفان، الذين (فعلاً) لم يترددوا في قبول العرض الذي عرضه عليهم النبي -صلى الله عليه وسلم-. الثاني: يتمثل في عرض الرسول ثلث ثمار المدينة على غطفان مقابل أن تسحب جيوشها، وترجع إلى بلادها، وتخذل بين الأحزاب المتحالفة ضد المسلمين. إن دفع المال للعدو مفسدةٌ تلحق بالمسلمين وهي مصلحةٌ للعدو يتقوى بها عليهم، ولكنه إن حقق مصلحةً كبرى أو أزاح عن المسلمين مفسدةً كبرى كان لا بد منه، وهذا ما ارتآه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، رأى أن دفع ثلث ثمار المدينة لغطفان سيؤدي إلى مصلحةٍ كبيرةٍ تتمثل في فك حصارهم عن المدينة، وتخذيلهم للأحزاب المتحالفة، خاصةً وأنه ليس باستطاعة المسلمين التصدي لهذه الأحزاب مجتمعة، وقد طال أمد الحصار، وقد تجلى هذا المقصد في قوله عليه الصلاة والسلام لقائدي غطفان : «أرأيت إن جعلت لكم ثلث تمر المدينة ترجعان بمن معكم وتخذلان بين الأعراب؟» . وفي قوله لسعد بن معاذ: "والله ما أصنع ذلك إلا لأني رأيت العرب قد رمتكم عن قوسٍ واحدةٍ، وكالبوكم من كل جانبٍ،فأردت أن أكسر عنكم من شوكتهم إلى أمرٍ ما". وفي فعل الرسول عليه الصلاة والسلام إرشادٌ للمسلمين إلى عدة أمور منها: * أن يحاول المسلمون التفتيش عن ثغرات القوى المعادية. * أن يكون الهدف الإستراتيجي للقيادة المسلمة تحييد من تستطيع تحييده, ولا تنسى القيادة الفتوى والشورى والمصلحة الآنية والمستقبلية للإسلام. ولكن الأمر لم يتم لأن السعدين سعد بن معاذ وسعد بن عبادة رفضا هذا الاتفاق بعدما علما أنه ليس بالوحي، وإنما هو من باب السياسة وكسر شوكة العدو، وهو مجالٌ رحبٌ للاجتهاد واختلاف الآراء، وهو كذلك مجال الاختلاف في تحديد المصالح والمفاسد والترجيح بينها. فالسعدان رضي الله عنهما رأيا أن لدى المسلمين من الهمة والروح المعنوية العالية ما تؤهلهم للاستمرار في الثبات في مواقعهم حتى تنكسر عزيمة المشركين أمام عزيمتهم، من غير أن يدفعوا شيئاً لهؤلاء الكفرة يتقوون به على المسلمين أو يذلوهم من خلاله، لذلك كان جواب سعد بن معاذ رضي الله عنه: يا رسول الله قد كنا نحن وهؤلاء القوم على الشرك بالله وعبادة الأوثان، لا نعبد الله ولا نعرفه، وهم لا يطمعون أن يأكلوا منها ثمرةً إلا قرىً أو بيعاً، أحين أكرمنا الله بالإسلام وهدانا له وأعزنا بك وبه، نعطيهم أموالنا؟ والله ما لنا بهذا حاجة، والله ما نعطيهم إلا السيف حتى يحكم الله بيننا وبينهم. وقد أقره النبي -صلى الله عليه وسلم- على ذلك، وكانت نتيجة المعركة كما هو معلوم اندحار الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيراً وكفى الله المؤمنين القتال. الخلاصة:
مواجهة التحدي الأصعب مع تماسك وحدة الجماعة وإجتماع الكلمة، خير من مواجهة التحدي الأسهل مع تفرق وحدة الجماعة واختلاف الكلمة.
صفحة الكاتب على فيسبوك
رابطة خطباء الشام
ناصر العمر
أبو بصير الطرطوسي
رقية القضاة
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة