..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

بين الانتصارات العسكرية والهزائم السياسية

محمد صبرا

١٢ سبتمبر ٢٠١٥ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 7161

بين الانتصارات العسكرية والهزائم السياسية
السوري 00.jpg

شـــــارك المادة

يقول الفيلسوف الصيني صاحب كتاب “فن الحرب” الذي تم تأليفه في القرن السادس قبل الميلاد: “إن القتال والانتصار في جميع المعارك ليس هو قمة المهارة، التفوق الأعظم هو كسر مقاومة العدو من دون قتال”.

والمفارقة أن من يخوضون المعارك في سورية من جهة المعارضة يخوضونها بالشكل الأكثر عشوائية من ناحية، ومن ناحية أخرى يخوضونها من دون هدف سياسي واضح، حتى بات المشهد بكامله مشهداً غريباً وشاذاً في آن واحد، فكلما تعاظم انتصار “المعارضة المسلحة” وتوسعت رقعة سيطرتهم على الأرض أكثر كلما ازداد عمق الهزيمة السياسية التي تمنى بها الثورة.

إن مسؤولية ذلك تقع بالدرجة الأولى على السياسيين، وعلى العسكر بالدرجة الثانية. لقد بات لدينا مساران منفصلان تماماً ولا رابط بينهما، المسار السياسي الذي يأخذ شكله الانحداري كل يوم، والمسار العسكري الذي يحقق الانتصارات على الأرض، لكنه يؤدي إلى تغيير في قواعد اللعبة السياسية الدولية بشكل لا يتوافق مع مصلحة الثورة.

وتجربة طرد قوات “النظام السوري” من إدلب خير مثال على ذلك، فقد حققت “المعارضة المسلحة” انتصاراً عسكرياً كبيراً بالمقاييس العسكرية البحت، لكن هذا الانتصار، وبسبب غياب الرؤية السياسية والفشل الذريع في إدارة المدينة، وفرض أسلوب محدّد على الناس في معيشتهم وسلوكهم قد أدى إلى خسارة سياسية توازي حجم الانتصار العسكري.

لقد فشل الائتلاف الوطني في المهمة الأساسية التي قام من أجلها كإطار وطني جامع لقوى الثورة والمعارضة في تحقيق أي هدف من أهدافه الأساسية، ويعود هذا الفشل بالدرجة الأولى إلى تفاهة وسذاجة أدائه السياسي مقارنة بحجم الفعل الثوري “التفاهة والسذاجة هنا حكم سياسي وليس حكم قيمة أخلاقي”.

لم يستطع الائتلاف أن يخوض حواراً وطنياً مع الفصائل المسلحة يكون أساسه المصلحة السورية، وتعديل خيارات الفصائل بما يتلاءم مع هذه المصلحة، بل وصل الأمر ببعض أعضاء الائتلاف لاستعداء الدول على بعض الفصائل، ما أفقدهم الثقة بأعضاء الائتلاف وبكل سياساته.

وفي حوار شخصي مع حسان عبود قائد أحرار الشام في شهر أيار/ مايو من عام 2014 سألته لماذا لا تدخلون الائتلاف وتحاولون إصلاحه بدلاً من بناء كيان سياسي جديد، قال لي أنا لا أثق بالائتلاف فهل تثق أنت بهم؟.

استمر حوارنا أكثر من خمس ساعات لمست من خلالها شيئاً من الاستعداد لدى حركة أحرار الشام للعمل بشكل جدي على مسار سياسي يستطيع استثمار الانتصارات العسكرية بشكل يصب في مصلحة الثورة.

بعد لقائي بحسان عبود التقيت ببعض أعضاء قيادة الائتلاف وتحدثت معهم عن ضرورة الحوار الجدي والحقيقي مع الحركات العسكرية المسلحة المؤمنة بفكرة الوطن السوري وبضرورة إشراكها في العمل السياسي ولو أدى ذلك إلى إعطاء هذه الحركات نصف مقاعد الائتلاف، ونقلت لهم الحديث الذي دار بيني وحسان عبود، فردّ أحد الموجودين بأن حركة أحرار الشام مكروهة من الأميركيين، ويمكن أن تدرج في لائحة الإرهاب في أي وقت، استغربت الردّ، وقلت لكن الأميركيين أنفسهم قاموا بالتواصل مع حركة أحرار الشام، فهل يعقل أنكم لا تفعلون الشيء نفسه؟.

لقد كان حواراً صادماً لي سأتحفظ على ذكر كل ما دار به، لكن أستطيع القول ومن خلال الحوار إن هناك أعضاء في الائتلاف كانوا يعملون على حث الأميركيين على إدراج حركة أحرار الشام في لائحة الإرهاب.

لقد كان واضحاً أن بعض أعضاء الائتلاف “معارضي الصدفة” لا يريدون دخول هذه الفصائل المسلحة إلى ساحة العمل السياسي لأنهم كانوا يرون في هذا الدخول تهديداً حقيقياً لوجودهم، باعتبار أن الذي يملك العسكر والقادر على إدارة المعركة سيكون أقوى باتخاذ القرار السياسي، ولذلك كان هؤلاء الأعضاء ضد وجود هذه الفصائل في الائتلاف، وللأسف لو أن الائتلاف خاض حواراً واحداً مع هذه الفصائل بالعقلية نفسها التي يخوض بها حواراته مع سفراء الدول الأجنبية لتوصلنا إلى نقاط تفاهم كبيرة، كان يمكن أن تشكل تحصيناً للثورة ونقطة قوة أمام الخارج الذي بات نتيجة هذه الأوضاع هو اللاعب الأقوى في المعادلة السورية.

لقد استطاع النظام تحويل جميع هزائمه العسكرية إلى انتصارات سياسية بسبب الانفصال التام بين المعارضة السياسية والمعارضة العسكرية، فكلما تقدمت المعارضة العسكرية على الأرض أكثر، يشعر النظام بأنه بات أقوى سياسياً بحجة اقتراب الرايات السود من دمشق وسيطرة الإرهابيين على مساحات أكبر، وبالتالي تخويف العالم منهم واستعدائه عليهم، حتى بات الشغل الشاغل للعالم هو منع سقوط بشار الأسد حتى لا يسيطر “المتطرفون” على سورية.

إن هذه السياسة الدولية ليست مؤامرة على السوريين، وليست نابعة من كراهية للسوريين بل هي محصلة لفشل الخطاب السياسي للمعارضة السياسية وللانقطاع التام بينها وبين الفصائل المسلحة التي باتت هي أيضاً حبيسة شعارات لا تساعد على مدّ يد المساعدة من جانب العالم للثورة السورية، فضلاً عن أخطائها في الخطاب السياسي، وممارسات بعض مكوناتها التي قد تجعل منها في المآل إمارات حرب.

والمطلوب اليوم ضرورة عقد مؤتمر وطني جامع يجمع السياسيين والعسكريين للاتفاق على محدِّدات المرحلة المؤقتة التي نعيشها بإعلان واضح أن هدف هذه المرحلة هو الخلاص من نظام بشار الأسد، وأن مستقبل سورية يحدِّده ويصنعه الشعب السوري وحده وعبر صناديق الانتخاب، القوى التي ترفض الاحتكام لإرادة الشعب هي قوى خارجة عن مسار الثورة ويجب عزلها واعتبارها طرفاً ثالثاً لا ينتمي للثورة وقواها السياسية والعسكرية.

إن الاتفاق على ضوابط ومحدِّدات هذه المرحلة هو فقط الكفيل بتحويل هزائم النظام عسكرياً إلى هزائم سياسية، والبقاء على هذه الحالة سيجعل من أي انتصار عسكري تحرزه “المعارضة المسلحة” نصراً سياسياً للنظام.

 

 

كلنا شركاء

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع