محمد زاهد جول
تصدير المادة
المشاهدات : 6761
شـــــارك المادة
يوم الخميس 3-9-2015 فوجئ العالم بحدثين مثيرين، ومن الغريب أن يتزامنا في يوم واحد وبينهما رابط قوي شديد في معناه ومغزاه، فقد كشفت وسائل الاعلام العالمية جثة الطفل السوري إيلان عبدالله الغريق وقد ألقته أمواج البحر إلى شاطئ بدروم التركي، إثر غرق زورقهم الذي كان من المفترض أن ينقلهم إلى اليونان قبل يومين، وبالرغم من أن الحادثة المؤلمة ليست الأولى، ولكن صورة الطفل الغريق على شاطئ البحر كانت مؤثرة جداً؛
وأشعر كل من في قلبه ذرة من الإنسانية بالألم والحزن والحسرة على طفل لم يجد دولة يعيش فيها آمنًا مثل باقي أطفال العالم، ولا ذنب له إلا أن رئيس الدولة التي ولد فيها وهو بشار الأسد، لا يريد أن يترك الحكم ولو قتل كل الشعب السوري، فهرب به والده ووالدته إلى خارج سوريا عساهم يجدون أرضاً غير سوريا تحميهم من البراميل المتفجرة، والغازات الكيماوية السامة، وغارات الطائرات الحربية، وقذائف المدافع والدبابات الروسية، وصواريخ سكود التفجيرية.
والغريب أن العالم عندما شاهد الصورة المفجعة للطفل الغريق أخذ يعاتب نفسه، ويندد بضياع ضميره وموته، وقلة هي الأصابع الصحيحة التي توجهت إلى المسار الصحيح في التعليق، وهو توجيه المسؤولية إلى رئيس الدولة الذي تسبب بخروج هذا الطفل وأهله من وطنهم، وهو بشار الأسد شخصياً، فهو المسؤول وحده من مقتل الطفل وشقيقه وأمه وغرقهم وغرق ملايين السوريين في مجازره وحروب الإبادة البشرية، التي شنها ضد الشعب السوري لأنه رفض حكمه وسلطة أسرته الاستبدادية والظالمة، فالمسؤول الأول عن غرق هذا الطفل هو بشار الأسد، الذي قاتل الشعب السوري لخمس سنوات.
ويتحمل هذه المسؤولية أيضًا مع بشار الأسد كل من قدم له الدعم لقتل الشعب السوري، سواء كان المساعد له جندياً سورياً، أو حزباً سياسياً مثل حزب الله اللبناني، أو دولة إقليمية مثل إيران، أو دولة كبرى مثل روسيا الاتحادية، فكل من ساعد بشار الأسد بالسلاح والمال والعتاد والدعم المالي والسياسي والاعلامي فهو شريك له في قتل هذا الطفل إيلان، وملايين الأطفال السوريين من قبله ومن بعده، أما تحميل الدول الأوروبية أو الدول العربية المسؤولية لأنهم لم يستضيفوا اللاجئين السوريين في بلادهم، فهذا حرف عن المسار الصحيح لمعالجة الموضوع، فالأصل منع بشار وعصابته من قتل الأطفال السوريين، ومنع اضطرارهم إلى التشرد والهجرة الداخلية والخارجية.
وعمليات المساعدة من الدول الأخرى ينبغي أن تكون بتوفير مناطق آمنة للشعب السوري تحميه من بطش بشار الأسد، وميليشياته الطائفية العلوية واللبنانية والإيرانية وغيرها، وأن تكون هذه المناطق الآمنة داخل سوريا أولاً، ولو لفترات زمنية مؤقتة بالأسابيع والأشهر، أما فتح مخيمات اللجوء في كل دول الجوار والعالم، فهذا ساعد القاتل على مواصلة قتله للشعب السوري دون مسؤولية ولا محاسبة دولية، حتى ضجت المخيمات بملايين السوريين في كل أنحاء العالم.
فلماذا يتحمل النظام العالمي الدولي هذا الرئيس الذي يقتل شعبه ويشرده خارج حدوده بالملايين، ثم يتم الحديث عن تحميل الدول الأخرى المسؤولية عن عدم إيواء اللاجئين والمشردين والقتلى والغرقى بالنيابة عنه؟
ولماذا لا يأخذ مجلس الأمن على يد الرئيس القاتل لشعبه؟ بل يقدم له المبادرات الدولية من أجل تأهيله ومكافأته على جرائمه ومجازره ضد الشعب والأطفال والنساء، وتشريدهم إلى البحار والكفار، أليس في ذلك سخرية بدماء الشعب السوري؟
والأدهى والأمر أن تأتي الدولة الأولى في تحمل المسؤولية عن غرق هذا الطفل وغيره بعد بشار الأسد، وهي الدولة الإيرانية المتشيعة، أن تأتي لتقديم مبادرة سلمية للحل، دون خجل ولا حياء ولا مخافة من الله تعالى، فأي إحساس بالمسؤولية الإنسانية أن تأتي الدولة الإيرانية الطائفية، التي أرسلت عشرات الألوف من الميليشيات الطائفية المتشيعة لقتل الشعب السوري، ثم بعد ذلك تجعل من نفسها دولة محايدة وتدعي أنها تبحث عن حل سلمي، بعد أن قتلت مئات الآلاف من الشعب السوري، ومن حظ هذه الدولة الإيرانية الطائفية أن تأتي بهذه المبادرة في اليوم الذي ظهر فيه جثمان الطفل إيلان على شاطئ البحر، وكأن هذا الطفل الغريق إيلان يقول لهم: لقد اغرقتموني وأمي وأخي وإخواني من الشعب السوري، ثم تأتون في مبادرة سياسية تبقي القاتل رئيسًا لسوريا!!
لقد أعلن حسين عبد اللهيان نائب وزير الخارجية الإيراني، يوم الخميس 3-9-2015 في العاصمة السورية دمشق، أن بلاده قدمت مبادرة لحل الأزمة السورية إلى بشار الأسد، أي أن الدولة الشريكة الأولى في قتل الشعب السوري قدمت للقاتل الأول بشار الأسد مبادرة لحل الأزمة السورية، فكيف تقدم القيادة الإيرانية هذه المبادرة وتعلن عنها على الملأ، وهي تعلم انها تتحمل المسؤولية عن حرب خمس سنوات ضد الشعب السوري مع بشار الأسد وميليشياته، وللدلالة على مدى مصداقية هذه المبادرة الإيرانية فقد قدمتها ايران لبشار الأسد، وعللت ذلك بقول حسين عبد اللهيان نائب وزير الخارجية الإيراني: “إن أي مبادرة ناجحة لا بد أن تأخذ بالاعتبار دور الأسد المحوري وحكومته”.
فإيران تقدم المبادرة للأسد حتى يوافق عليها، وفي ذلك استخفاف مبالغ فيه بدماء الشعب السوري التي أريقت خلال الخمس سنوات، بل إنه احتقار لهذه الدماء التي أريقت داخل سوريا وفي بحار المتوسط، وجاء الطفل إيلان عبدالله الكردي شاهداً عليها.
لقد كان على الأمم المتحدة أن تأخذ جثة الطفل الغريق وتقدمها هدية شكر لمرشد الثورة الإيرانية الطائفية خامنئي، فهو الشريك الأول لبشار الأسد في قتل هذا الطفل وملايين السوريين والعراقيين واليمنيين وغيرهم، طمعاً في إقامة إمبراطورية طائفية متشيعة، يمثل بشار الأسد أحد أضلع محورها الرئيسية على ذمة سعيد جليلي رئيس الأمن القومي الإيراني السابق، وإيران تحاول لم شتات التشيع الأعمى في الوطن العربي والعالم الإسلامي تحت قيادتها المتشيعة والسياسية، لإقامة الإمبراطورية الطائفية، ولما كانت هذه الإمبراطورية الإيرانية الوهمية لن تتحقق إلا على جثث المسلمين العرب، والمسلمين الأتراك، والمسلمين الباكستانيين، وكل مسلمي العالم، فإن أمريكا تفسح لها المجال بل وتشجعها على ذلك، وهذا سر التقارب الإيراني الأمريكي، فأمريكا ترى في الاستراتيجية التوسعية الإيرانية المتشيعة وقتالها الارهابي للأمة الإسلامية، فرصة تاريخية لتأخير نهضة العرب والأتراك والباكستانيين والأفغان وكل مسلمي العالم، وتدمير كل محاولة ناجحة كما بدأت في محاربة ثورات الربيع العربي، وتوغلها الإرهابي في الخليج العربي واليمن، وكذلك إثارة المشاكل الإرهابية داخل تركيا، وتأخير نهضتها.
هذه الفرصة التاريخية التي واتت أمريكا وبعد نجاحها على مستوى إيران ذات العقلية الطائفية المغلقة، أخذت أمريكا تمارسها على السياسة الروسية، التي فشلت في قيادة الملف السوري لأكثر من خمس سنوات، فالرئيس الروسي بوتين أمر بشار الأسد أن يستخدم الجيش السوري لقمع الثورة السورية منذ شهر أيلول سبتمبر 2011، وكان ظنه أن الجيش سوف يتمكن من ذلك خلال أيام وأسابيع، فلما فشل بشار في قمع الثورة خلال سنة كاملة أي حتى نهاية عام 2012، أمر فلاديمير بوتين إيران بإرسال حرسها الثوري وتوابعها الطائفية المتشيعة للقتال إلى جانب ميليشيات الأسد، وأخذ الموافقة الأمريكية والإسرائيلية على ذلك، ولكن وبعد مرور سنوات أدرك بوتين انه لا بد أن يرسل جيشه وطيرانه لإنهاء الثورة السورية بنفسه، وأمريكا تشجعه على ذلك، فوزير الخارجية الأمريكي جون كيري قال: ”إن أمريكا ترحب بكل جهد دولي يمكن أن يسهم في محاربة الدولة الإسلامية (داعش) في سوريا”، وهو يقصد التصريحات الروسية التي أشارت إلى إمكانية إرسال قوات روسية إلى سوريا، هذه التصريحات لم ينفها بوتين وقال: “إن الوقت مبكر على ذلك”، وفي ذلك تأكيد على جدية الخطوة الروسية المتهورة.
فإذا ما أقدمت روسيا على التدخل العسكري المباشر في سوريا، فإن أمريكا سوف تزيد من دعمها للثورة السورية، وتفتح على روسيا حروباً جديدة بعد حربها في أوكرانيا، فأمريكا سلمت روسيا الملف السياسي السوري بعد تسليم الأخضر الإبراهيمي ملف سوريا كمبعوث دولي، بعد كوفي عنان الذي أنتج اتفاق جنيف1 في حزيران 2012، لبذل مزيد من الجهود الضائعة والتائهة لإدامة الصراع في سوريا، وروسيا بقيادة بوتين الذكي يريد أن يفرض حلاً سياسياً في سوريا بالقوة العسكرية وعلى أيدي الجيش الروسي، فهو أمام مهمة لمحاربة كل الفصائل السورية التي تعارض الحل الدولي الذي سيطرح في جنيف3 أو في مؤتمر موسكو للحل السلمي، بعد أن فشلت إيران في ذلك، وأرسل الخامنئي قائد عملياته في سوريا قاسم سليماني، إلى موسكو لتسليم قيادة الحرب في سوريا إلى فلاديمير بوتين الرهيب، وسوف تتولى روسيا دور مجلس الأمن بضرب الفصائل السورية التي تعارض الحل الذي يوصف بالدولي، ولكنه يمثل الإرادة الإيرانية والروسية والمصرية، ويتم الآن تدجين الدول العربية للقبول به، وبالأخص دول الخليج العربي، التي توافق على الحل، ولكنها تجد نفسها محرجة في بقاء بشار الأسد في السلطة، ولذلك فإن كل المباحثات الدولية الآن تبحث مستقبل الأسد على أساس جنيف1، وآخر مستجدات فلاديمير بوتين أو أحلامه الوردية قوله: “إن بشار الأسد يوافق على مشاركة المعارضة الوطنية في الحكم”، وبالتالي فإن الطريق أصبح ممهدًا للحل السلمي طالما أن بشار وافق بعد مقتل نصف مليون سوري على مشاركة المعارضة في الحكم، وربما يحتاج إلى أضعاف هذا العدد من القتلى حتى يوافق على الرحيل الكلي.
لا شك أن روسيا في ورطة الصراع في سوريا، لأنها راهنت على قمع الثورة السورية خلال أشهر، وهي الآن تدفع فاتورة سياسية وأخلاقية وعسكرية كبيرة لحرب دامت خمس سنوات، وفي الوقت نفسه لا تريد أن تنهي الأزمة بهزيمة لها ولحليفتها في العماء الأيديولوجي الدولة الإيرانية الطائفية، ولذلك يسعون لإنهاء الثورة السورية بادعاء المبادرات والحل السياسي السلمي، ولكن جثة الطفل السوري إيلان عبدالله الكردي تبقى شاهدة على أنهم شركاء في الحرب والقتل، وأن الشعب السوري يدرك أن مبادراتهم ميتة لا حياة فيها، وأن جهودكم الضائعة لا فائدة منها، لقد أفلسوا عسكريًا رغم كل ما بذلوه من قتل وتدمير خلال خمس سنوات، وعليهم أن يعلنوا إفلاسهم السياسي كذلك، ولكن أمريكا لا تزال تفتح لهم الأبواب لمواصلة القتال الأعمى، فهل يدركون أنهم أجرموا كثيراً في سوريا دون نجاح مشاريعهم الشيطانية، وأنهم لا يزالون يغرقون أكثر في سوريا، وأن غرقهم أعمق وأكثر وأشد من غرق الأطفال السوريين.
شؤون خليجية
أبو عبد الله عثمان
ماجد كيالي
برهان غليون
إحسان الفقيه
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة