عبد الباسط فهد
تصدير المادة
المشاهدات : 7218
شـــــارك المادة
في الحصار، يدهشك الناس كيف يمضون نهارهم بالعمل الدؤوب للحصول على ما يبقي رمق الحياة والصمود. غالبية الناس هنا في الوعر من سكان أحياء قُصفت ودُمرت، فأتوا قبل ثلاثة أعوام يبحثون عن الأمان هرباً من مجازر كالتي حصلت في الحصوية وكرم الزيتون والنازحين والخالدية. الجميع هنا يصحون باكراً بسبب انقطاع الكهرباء بعدما ناموا باكراً.
أم علاء تشعل الحطب لتسخين الماء للطبخ والحمّام وغسيل الملابس. هي لا تحتاج إلى الكثير لإعداد الفطور، فنصف طعامهم هنا لفائف الزعتر والمتوافر في كل سلات الإغاثة. ولا فرق عندهم، ففي غياب الزيت يمكن للماء أن يعوّض هذا النقص، فتصبح «عروسة الزعتر» من ماء بدل الزيت.
غالبية أشجار الحي تمَّ احتطابها حتى الجذور، بسبب الحاجة إلى مصادر الطاقة وغياب البدائل. وأم علاء تجد متسعاً من الوقت لتحضير الخضار الجاهزة للبيع، وأكثر زبائنها العائلات التي فقدت ربة الأسرة أو البيوت التي يسكنها العازبون ممن تركوا أسرهم والتحقوا بالحي هرباً من الاعتقال أو لعدم الالتحاق بالجيش.
وهي تتعمد أن تمر على الحديقة التي تحوّلت إلى مقبرة، لتزور قبر بكرها علاء الذي أصيب بشظايا الهاون خلال عملية إنقاذ للجوار بعد قذيفة دمرت بيتهم. وإلى جانب ذلك، تعمل متطوّعة في الدفاع المدني وتتبختر وهي في الشارع مرتدية السترة الخاصة بالدفاع المدني وتزهو بها.
سألتها: ماذا تستطيعين أنت في هذا المجال؟
قالت: إنقاذ النساء والأطفال لأنهم يحتاجون إلى رعاية خاصة ليطمئنوا، وحين تكون امرأة مسعفة من تنقلهم يشعرون بطمأنينة أكثر.
زوجها أبو علاء، عنده مهام محددة تنحصر في الزراعة أو أعمال تنظيف الشوارع ومتابعة الأخبار، والحوارات في الشارع على زوايا الحارات وفي المساجد وعلى باب مراكز الإغاثة، حيث يصبح كل واحد من المجتمعين محللاً سياسياً يعلو صوته ويختلف مع الغير، ويستشهد بما سمعه من هذه الفضائية أو تلك، ثم يعود إلى بيته ليحكي لزوجته عن تلك الحوارات.
أما أطفال البرج الذي ما زال على الهيكل ويقطنه العديد من أهالي حي النازحين والخالدية، فباتت لهم ألعابهم، حيث يمضون أوقاتهم بلعبة عسكر وحرامية أو أبطال وخائنين، وسلاحهم العصي التي تتّخذ شكل البنادق.
طبعاً يغيب التعليم، أما الملاعب إن وجدت فهي مرتع خصب للقناص الذي يشرف على أكثر ساحات الحي، وهاجسه كهاجس الرعب من هاون بغيض يختار أحياناً هذه الساحات ليدبّ الرعب في الصدور.
هنا حيث الحصار، يعيش الجميع في مجتمع مغلق، الكل يعرف بعضهم بعضاً، وليس للصبايا من مكان لمشوار مسائي ولا فرصة لقنص لحظة غزل أو سماع كلمة إطراء.
لا يكاد النهار يمضي حتى تبدأ المعاناة مع أصوات القصف على الجزر المتنازع عليها بين الفريقين، وتبدأ معها نداءات المؤذن للتبرع بالدم من الزمر كافة.
وفي صباح اليوم التالي، تكون رحلة جديدة لكشف أسباب القصف ونتائجه وتعداد أسماء الشهداء.
الحدائق صارت مقابر وفتحات الشوارع أغلقتها المتاريس ليمشي أصحاب الحاجات في ظلّها بعيداً عن أعين القناصين.
العلاقات هنا بسيطة ومؤثرة وعفوية، فالكل يعرف الكل بعد ثلاث سنوات عيش في محيط ضيّق، وهم يلتقون يومياً في أماكن معلومة كمراكز الجمعيات الخيرية وعلى مداخل المساجد وأمام مراكز توزيع الخبز.
وأجمل ما في العلاقات هنا، أنه كلما التقى جاران تبادلا السؤال عن الحال والقول: صباح الخير يا جار، أمانة إذا لازمك شيء؟ ففي الحصار تسرقك البساطة، وتأخذك من زحام نفسك، وتملؤك طفولةً.
الحياة اللندنية
وضاح حاج يوسف
إيثار عبد الحق
الحياة
أحمد عبد الغني
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة