ماجد محمد الأنصاري
تصدير المادة
المشاهدات : 6432
شـــــارك المادة
يسوق المؤمنون بنظرية المؤامرة الكونية أننا مستهدفون من خلال برنامج طويل الأمد ومعقد يجتمع فيه جميع أعدائنا بهدف السيطرة على العالم وتدميرنا في الطريق، وربما كانت النظرية تشير إلى حكومة العالم الخفية أو الماسونية أو غير ذلك من الصور المشوقة لعدد من الرجال من لابسي البدل ومدخني السيجار يجتمعون في غرف مظلمة ليحددوا مصائرنا، وكل حدث يحدث في هذا العالم لا بد أن له تفسيرا يربطه بتلك الخطة العظيمة، حتى الزلازل والبراكين يعزونها إلى جلسة السيجار، وربما يكون لهذه النظرية أوجه حقيقية ولكن نظرة هادئة علمية إلى التاريخ وأحداثه ستصل بنا إلى نتيجة واضحة، ليس هناك من يتحكم في العالم كله من وراء ستار، هناك لاعبون أقوياء وهناك مؤامرات تحاك لأهداف مصلحية وأيديولوجية ولكن ما لا شك فيه أنه ليس هناك خطة كونية. إذاً كيف تحدث كل تلك الحوادث مجتمعة لصالح اللاعبين الأقوياء؟ تسلسل أحداث لا يستفيد منه إلا القوى العظمى، كوارث إنسانية تساهم في حماية أجندات القوى العظمى وتخرج أميركا وإسرائيل ومؤخراً روسيا بأكبر الغنائم وأسمنها، كل ذلك ليس بالضرورة نتيجة خطة متفق عليها منذ سالف العصر والزمان، صحيح أن هذه الكيانات تخطط وتضع سيناريوهات للمستقبل بشكل لا نفقهه في عالمنا العربي ولا نحاول حتى أن نقوم به، ولكن السلاح الأقوى في ترسانة هؤلاء هو القدرة على استغلال الفرص وتوظيف الواقع، خذ إيران على سبيل المثال، حدث غزو العراق فيسرت مهمة التحالف الأميركي ثم انقضت على بقايا الدولة، حدث الربيع العربي فوظفته لتحريك مصالحها في البحرين وتوطيد تواجدها في سوريا ولبنان، ثم حدثت الثورات المضادة فوظفتها لتسيطر على اليمن وتطور من نطاقها الاستراتيجي وعلاقاتها مع مصر وغيرها، وثم استغلت رغبة أوباما في إرث السلام فحصلت على صفقة مثالية لبرنامجها النووي وحمت النظام السوري وأتبعته لها، وأخيراً تدافع الحجاج في منى فوظفت ذلك لسحب المملكة العربية السعودية المنشغلة بالدفاع عن اليمن والجزيرة ضد الأطماع الإيرانية إلى معركة جانبية في الأمم المتحدة. إسرائيل طبعاً لها نفس القصة، تأسيسها قام على استغلال حاجة بريطانيا إلى المال أولاً من خلال عائلة روثشيلد الشهيرة، ثم وظفت العصابات الصهيونية الصراع الفرنسي البريطاني بعد الحرب العالمية الأولى لاكتساب تواجد مسلح في فلسطين ثم توظيف الإفلاس البريطاني والحاجة إلى الانسحاب من فلسطين لتأسيس الكيان، ومنذ ذلك الحين لم يترك الصهاينة فرصة إلا واستغلوها لإضعاف الموقف العربي وزيادة المكتسبات سواء على مستوى المجتمع الدولي أو على مستوى توظيف الصراعات العربية العربية في لبنان وسوريا ومصر، واليوم تستغل إسرائيل الثورة السورية وتوابع الثورة المضادة في مصر في خنق غزة واحتلال المسجد الأقصى، الاقتحامات والاعتداءات على القبلة الأولى هذه كان واحد منها كفيلا بإشعال فتيل الانتفاضة الثانية واليوم أصبحت الانتهاكات يومية ولكن العرب قادة وشعوباً منشغلون بإطفاء حرائق في كل ركن من العالم العربي وليس ليهم وقت للاكتراث بالقدس. باختصار لم تخطط إيران وإسرائيل لكل هذه الأحداث، ربما دفعوا قليلاً هنا وأسهموا قليلاً هناك ولكن الفعل الأهم كان الوثوب على هذه الفرص، والأهم من ذلك وضوح الرؤية لديهم الذي يمكن صاحبها من توظيف كل ما حوله لتحقيق تلك الرؤية، مشكلتنا نحن هي أننا ماهرون في صناعة الفرص لغيرنا وإذا جاءتنا فرصة جاهزة للاستغلال بعثرناها في صراعاتنا الداخلية ومصالحنا الضيقة، فكم مرة تداعى الوضع الإسرائيلي الداخلي دون أن نحرك ساكناً، وكم هزيمة مني بها العدو الصهيوني لنوفر له بعدها مساحة لإعادة بناء نفسه، وكم ورقة ضغط نمتلكها على الغرب والولايات المتحدة ولا نستخدمها إلا في إطار الصراعات بيننا، وكم مرة وصل النظام الإيراني إلى حافة الهاوية وجلسنا متفرجين حتى أعاد النظام إنتاج نفسه، صحيح أننا نعاني من ضغوطات عالمية لا نقوى عليها، وصحيح أننا فقراء في التخطيط وفي رؤانا، ولكن ما نحتاجه الآن هو قدرة على استغلال الموقف من حولنا لصالح المستقبل العربي، الفرص لن تنعدم فهي نتاج التحولات السياسية والاقتصادية السريعة التي تحرك العالم، ولو توافرت الرؤية الواضحة للمصلحة العامة وتوفر معها إرادة قوية تجمع قيادات هذه الأوطان وشعوبها فكل تلك التحولات بالإمكان تجييرها لصالحنا، مستقبلنا رهن تلك الفرص فهل سنجد من يقتنصها؟
العرب القطرية
داود البصري
بيرم بالجي
مجاهد مأمون ديرانية
حسن سالم
المصادر:
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة