..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

تقسيم رقم 2: «خامنئي - بوتين» بعد «سايكس - بيكو»

خالد الحروب

١٢ أكتوبر ٢٠١٥ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 2939

تقسيم رقم 2: «خامنئي - بوتين» بعد «سايكس - بيكو»
السوريين 00.jpg

شـــــارك المادة

لا نعرف حتى الآن المصطلح الذي سينحته التاريخ ومؤرخوه للهجمة الروسية - الإيرانية التقسيمية على سورية والمنطقة، وتفتتح مرحلة جديدة ومثيرة من الاستعمار المختلف. لكن إلى أن يتم حسم تلك المسألة اللفظية والاصطلاحية ربما نقترح وصف تقسيم 2: «خامنئي - بوتين»، وخامنئي هنا، أي إيران، تتقدم روسيا في مسؤولية تدمير وتقسيم سورية، ولا يقلل هذا من المسؤولية الروسية بحال.

الهجوم الاستعماري الإيراني - الروسي الراهن على سورية (والإيراني تحديداً على العراق واليمن) يختلف بطبيعة الحال عن الحقبة الاستعمارية الغربية التي شهدتها المنطقة في العقود الأولى من القرن العشرين (واستمرت طويلاً بعد ذلك في الجزائر وفلسطين). الاستعمار والتقسيم الغربي التقليدي كان امتداداً لحقبة تنافس إمبراطوري بريطاني وفرنسي وإيطالي وإسباني وألماني في طول وعرض العالم، منطلقاً من الرغبة الجامحة في السيطرة على الموارد والأراضي والشعوب.

في فصوله البريطانية والفرنسية، على الأقل، كان يحتل ويسيطر وينهب ثروات الشعوب تحت مسوغ نشر حضارة الرجل الأبيض. وحتى يبدو «صادقاً» مع شعاراته اضطر هذا الاستعمار إلى جلب بعض جوانب تقدم وتحضر «الرجل الأبيض» إلى المناطق المستعمرة، فكان هناك بعض التقدم هنا وهناك مثل شق الطرقات وبناء السكك الحديد (في الهند مثلاً)، وبناء الجسور (كما في السودان ومصر والتي تستخدم حتى الآن!).

إضافة إلى ذلك حاول هذا الاستعمار، واستمراراً لسياسة إيجاد المسوغ والمبرر للاحتلال والسيطرة، تدريب وتعليم وتأهيل طاقات محلية عبر التعليم الجامعي الغربي وتكوين نخب قادرة على الإدارة.

في خضم ذلك، سوق لنموذجه الليبرالي الديموقراطي في أوساط تلك النخب باعتباره الجسر الوحيد نحو التقدم والنجاح واللحاق بالحداثة. لا يعني هذا على الإطلاق القول إن الاستعمار الغربي كان حنوناً أو أن إيجابياته تغلب سلبياته، بل القصد القول إن ذلك الاستعمار اضطر إلى القيام بعمليات تجميل الوجه أفادت جزئياً الشعوب المستعمرة وبعض نخبها، إلى جانب النهب والتدمير الذي قام به.

واحدة من تلك العمليات كانت انفتاح النقاش السياسي المحلي على شكل الحكم بعد مرحلة التحرر والتخلص من الاستعمار، وفي قلبها ضرورة الحرية السياسية وتبني الحكم البرلماني والديموقراطية وسوى ذلك.

في الوقت نفسه تحولت القيم الليبرالية والإنسانية التي «تسلح» بها الاستعمار الغربي لـ «إنقاذ الشعوب المتخلفة»، إلى أسلحة بيد تلك الشعوب ونخبها، وبقيت كذلك إلى الآن. فقيم حقوق الإنسان والمساواة بين البشر وحق تقرير المصير وغيرها أصبحت هي الأرضية التي تقوم عليها نضالات الشعوب المُستعمرة ضد سياسات الهيمنة والسيطرة والحروب الغربية.

في حقبة الهجمة والاستعمار الروسي - الإيراني لسورية لن نرى حتى مجرد القيام بعمليات تجميلية لبشاعة تلك الهجمة.

وليس هناك حتى مجرد شعار فارغ يهدف إلى «نشر الحضارة والاستنارة»، أو «إنقاذ الشعب»، أو غير ذلك. في حقبة وتقسيم «خامنئي - بوتين» كل ما نقرأه والجميع متأكد منه هو أن استعمار سورية وتقسيمها يقوم ويقعد على أسس المصلحة الاستراتيجية الروسية في استقطاع الساحل السوري ليكون تحت سيطرتها المباشرة إلى أمد غير معروف، والمصلحة الاستراتيجية الإيرانية في استقطاع «دويلة دمشق» المتواصلة مع جغرافية لبنان الشيعية في الشرق، لتظل موطئ قدم إيرانية دائمة. لا يهم طهران ولا موسكو أن تتفتت سورية بالتوازي مع هذين الاستقطاعين إلى دويلات أخرى، كردية في الشمال الشرقي، ودرزية بمحاذاة إسرائيل، و«حلبية» في الوسط الصحراوي.

إلى ذلك، ماذا يقدم النموذجان «الإيراني» أو «الروسي» من شكل سياسي أو نظام قيم ولو على شكل شعاراتي مجوف يمكن الاتكاء عليه أو استدعاؤه لنقد إيران وروسيا وسياساتها؟ ليس هنا أي مجموعة قيم تتحدث عن الديموقراطية أو الحرية أو المساواة أو الكرامة بإمكان النخب «المُستعمرة» الرجوع إليها كمرجعية مشتركة لنقد النظام الفوقي. كل ما هو موجود «معايير المصلحة الاستراتيجية» للدول المُستعمرة، إيران وروسيا، وبعد ذلك لا يهم شيء.

لا يهم إن تم تهجير 11 مليون سوري من بيوتهم ومدنهم وقراهم، أكثر من نصفهم إلى خارج بلدهم، ورميهم ضحايا للبحر والأسماك، أو للمصائر المُبهمة.

لا يهم إن تم تدمير سورية وإرجاعها عقوداً طويلة إلى الوراء، طالما أن أهداف بوتين الاستراتيجية في مماحكة الغرب والشبق في الظهور على شكل الرجل القوي والعظيم قيد التحقق. وطالما أن الشبق الإيراني المهووس بأيديولوجية الشيعية السياسية المخلوطة بالرغبة الساحقة في تكريس النفوذ الإقليمي والاحتلالي في المنطقة العربية، يتحقق أيضاً.

هل ما سبق ذكره فيه اتهامات ومبالغات وأحكام مُسبقة، وتغاضٍ عما يقوله أنصار إيران وروسيا من أن التدخل في سورية هدفه «الدفاع عن الشعب السوري» مقابل الإرهاب والتدخلات الغربية؟ حسناً، لنتأمل -فيما تبقى من مساحة لنا هنا- مثالاً واحداً ونستخدمه كاختبار للمقولات التي ترى في إيران وروسيا دولاً معتدية ومكروهة من الغالبية الكاسحة للشعب السوري، وهذا المثال يختصره السؤال المزدوج التالي: لماذا لم تفتح ولا تفتح روسيا وإيران بلدانها للاجئين السوريين، وكلا البلدين ولغ في الشأن السوري تحت مزاعم حماية السوريين من الإرهاب، وبرر إرسال قنابله وخبرائه بمسوغ مساعدة الشعب السوري في محنته؟ ثم، لماذا لا يتوجه اللاجئون السوريون أنفسهم وبمحض إرادتهم إلى روسيا أو إيران، وهي الدول التي هبت لنجدتهم خلال السنوات الماضية فور اندلاع ثورتهم ضد الاستبداد الأسدي؟

لا يبحث هذان السؤالان الاستنكاريان عن إجابة هي واضحة لكل من يتابع المأساة السورية بقدر ما يسلطان الضوء على مفارقة مُمضة كبيرة تُضاف إلى مفارقات مواقف هاتين الدولتين، اللتين تتسابقان في ترسيم المشاريع الاستعمارية والتقسيمية في سورية.

روسيا من ناحية تقفل حدودها في وجه السوريين بما يجعل الوصول إلى القمر ربما أسهل لكثير من السوريين من الوصول إليها لو أرادوا التوجه إليها.

لكن روسيا أيضاً وأصلاً ليست من البلدان الجاذبة للهجرة إليها بسبب تفاقم الشوفينية الروسية القيصرية وانبعاثها من القبور مع قدوم بوتين، وهي شوفينية يلحظها كل زائر، وتترجم عبر قوانين صارمة في الإقامة والعمل، ناهيك عن التجنيس الذي ربما يعد الأصعب منالاً في شمال الكرة الأرضية كلها. ولعدم وجود تكافوء الفرص بين الأفراد بغض النظر عن خلفياتهم وجنسياتهم فإن روسيا ليست جهة مرغوبة للسفر أو العمل، بعكس الدول الغربية التي تتهكم عليها روسيا، والتي يرغب في الهجرة إليها كثيرون ومنهم روس أيضاً.

إيران ليست أفضل حالاً بطبيعة الحال، ذلك أن الشوفينية الفارسية المُتصاعدة تكاد تنافس الروسية في انغلاقها على ذاتها وعدم تقبلها للآخر.

والشيء المُفارق في الحالة الإيرانية هو قربها الجغرافي من سورية وبالتالي سهولة أن تكون جهة رئيسة مطروقة من قبل اللاجئين السوريين.

وعلى رغم ادعاء طهران الرسمي بأن إيران تفتح حدودها للسوريين، وهو ادعاء يحتاج إلى تحقق، فإن السوريين أنفسهم يديرون ظهرهم لها ويغامرون بأرواحهم ويلقون بأجسادهم في البحار والمحيطات عوض أن يصلوا لإيران بمخاطر لا تقارن مع تلك التي تواجههم عند توجههم إلى أوروبا.

لا تبالي طهران وموسكو بطبيعة الحال بملايين السوريين الذين لا يظهرون أساساً على شاشات رادارات الحسابات الاستراتيجية للعاصمتين، حيث ليس ثمة وقت للتفكير أساساً بقضايا هامشية و«تافهة» مثل لجوء ملايين إلى خارج سورية، أو سقوط آلاف الضحايا. وهذا الاحتقار المُدهش لمعاناة ملايين البشر هو المخيف حقاً في مرحلة الاستعمار الروسي - الإيراني الحالية، ذلك أنه يسلط الضوء على التفكير الاستئصالي الخطير الذي تترجمه سياسات واستراتيجيات الدولتين.

فقد رأينا ترجمة له في نطاق الاتحاد الروسي بعد انهيار الاتحاد السوفياتي وبخاصة في حرب بوتين النازية ضد الشيشان واعتماد نموذج «غروزني» والأرض المحروقة ضد الخصوم، والقائمة على إبادة كل ما هو قائم ويتنفس أو لا يتنفس على الجانب الآخر.

والسياسة ذاتها حدثت ولا تزال تحدث في إيران وإن كان بوتيرة أقل وحشية وأبعد من الإعلام ضد كل المكونات غير الفارسية في إيران وعلى رأسها العرب على طول ساحل عربستان والأحواز والداخل. ذلك أنه، نسجاً وتناغماً مع تجارب البلدين «الباهرة» في الإزاحة والإبادة الديموغرافية، يتصاعد حديث عنصري وإبادي يكرر بأن اللاجئين السوريين الذين أجبرتهم حرب النظام وحلفائه على ترك بلدهم هم أصلاً من «أتباع» الجماعات التكفيرية أو المتعاطفين معها، ومن الذين لا يؤمنون بالعيش المشترك والتعددية الثقافية والدينية في سورية، وبالتالي فإن التخلص منهم شيء جيد ويجب ألا يثير الشفقة ولا التحسر.

وتبعاً لهذا التفكير، إذا أضفنا الملايين السورية التي هجرت داخل سورية بعيداً من مدنها وقراها وأريافها وأضفناها إلى معادلة «التحليل الإبادي» المذكور لوصلنا إلى نتيجة سريعة مفادها أن معظم الشعب السوري صار من أتباع الجماعات التكفيرية، ولا بأس من التخلص منه، وإعادة تركيب سورية ديموغرافياً وجغرافياً.

هذه بعض بشائر عهد «تقسيم 2: خامنئي - بوتين» الذي يحتفي به أنصار الاستبداد الأسدي هنا وهناك.

 

 

الحياة اللندنية

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع