..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

من المسؤول عن المأزق الذي تمر به الثورة السورية

حذيفة عبد الله عزام

٢٥ نوفمبر ٢٠١٥ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 6784

من المسؤول عن المأزق الذي تمر به الثورة السورية
عزام 00.jpg

شـــــارك المادة

أصبحنا وأصبح الملك لله والحمد لله ﻻ شريك له ﻻ إله إلا هو وإليه النشور، أصبحنا على فطرة اﻹسلام وعلى كلمة اﻹخلاص وعلى دين نبينا محمد صلى الله عليه، ‏وسلم وعلى ملة أبينا إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين، اللهم ما أصبح بي من نعمة أو بأحد من خلقك فمنك وحدك ﻻ شريك لك فلك الحمد ولك الشكر.
كنت قد قدمت بمقدمات لحديث ذي شجون عن المرحلة الحرجة والحساسة والمنعطف الخطير الذي تمر به الثورة السورية هذه اﻷيام ولعل قادمها يكون أشد، وبعيدا عن العواطف والتجنيات وإنصافا للغير والذات أود ابتداء أن أطرح سؤاﻻ أسعى والجميع للإجابة عليه بهدوء تام بعيدا عن الجدال والسجال، وأود ومن معي من الكرام أن نستنطق اﻷيام واﻷحداث لتجيب أو لتعين في حل لغز السؤال الذي سيطرح وهي كفيلة إذا ما استعرضناها بإجابة شافية وافية.
بادئ ذي بدء فإن إيماننا بربنا ويقيننا بعدم تخلف وعده يجعلنا على يقين بتحقق موعوده وإن تأخر تحققه إنما يكون بمقدار التخلف عن اﻷخذ باﻷسباب، وتلك سنن ربانية ونواميس كونية ﻻ تفرق بين نبي وولي وعامي، فكل البشر في ميزان العدل أسوياء وقوانينه تسري عليهم سواء بسواء شريفهم وضعيفهم.
ولئلا يظن ظان أننا متعلقون باﻷسباب راكنون إليها معتمدون عليها غافلون عن مسببها فقد آثرت أن أبدأ بهذه المقدمة التي أؤمن بها إيمانا تاما، والغفلة عن اﻷسباب والتقصير في اﻷخذ بها مخالفة صريحة واضحة لما أمر به مسببها وبقدر التقصير في اﻷخذ بها بقدر ما تكون النتائج ناقصة مبتورة، فكما أن الركون التام للأسباب من أسباب تخلف النصر فإن التقصير في اﻷخذ بها كذلك من أسباب الهزيمة وتأخر موعود الله ومبشراته لعباده المؤمنين.
بعد هذه المقدمة أطرح سؤالي وسأسعى للإجابة عليه بشفافية تامة من خلال استعراض اﻷحداث واستنطاق اﻷيام الخوالي والله أسأل العون والسداد والرشاد:
من هو المسؤول يا ترى عن هذا المأزق الذي تمر به الثورة السورية المباركة ومن الذي أوصلها لهذا المنعطف وأوردها هذا المنحنى؟؟ وهو سؤال الساعة.
والجواب بكل شفافية ووضوح إن الذي أوصلنا لهذا المنعطف وجعل العالم كله يدفعنا للقطاف قبل أوانه ووضعنا بين أمرين أحلاهما مر وأيسرهما عسر، طرفان ﻻ أرى أحدهما يقل في اﻷهمية عن اﻵخر والتقديم والتأخير فيهما للترقيم فقط وليس من باب ترتيب اﻷولويات بحسب اﻷهميات فهما مستويان.
الطرف اﻷول (الغلاة) والثاني (الفصائل) وكلاهما مضطلع بالمسؤولية عما آلت إليه اﻷمور في سوريا وما ستؤول إليه ما لم نفق فالوقت وإن ضاق لم يفت بعد.
الغلاة بعنترياتهم ومزايداتهم على اﻷمة وطاقاتها وقدراتها وليت اﻷمر وقف عند هذا الحد بل تعداه لمزايداتهم على بعضهم وتلك لعمر الله قاصمة الظهر.
والفصائل بتشرذمها وتفرقها وإهدارها للفرص تلو الفرص واستهتارها بالتضحيات المبذولة ووضع مصالحها فوق كل اعتبار حتى فقدت احترام القاصي والداني.
أما الغلاة فقد برعوا في الخطابة وأذهلوا العالم بحماسياتهم وهو خطاب محمود عند اللقاء محسوب لصاحبه في الميدان لكنه ﻻ يصلح لمخاطبة العالم، خلط الغلاة اﻷوراق وضربوا بالمصالح والمفاسد عرض الحائط ونبذوا فقه المآﻻت وراء ظهورهم وتنكروا للسياسة الشرعية وأغفلوا فوق ذلك كله اﻷسباب.
وأراد الغلاة أن تحل لغة الخطابة والحماس مكان جميع الخطابات فأرادوها في السياسة كما في المنابر كما في الميادين فهي مناسبة لسجال المزايدات!!، ونسوا بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين كان يخاطب اﻷمم وقادتها كان يخاطبهم بما يعرف في اﻷعراف الدبلوماسية ببرتوكوﻻت خطاب الملوك.
فحين خاطب كسرى وقيصر والمقوقس خاطبهم بلغة سيعتبرها جاهل لو صدرت عن غير رسول الله صلى الله عليه وسلم تعظيما للكفار وتفخيما لملوكهم وساستهم، من محمد رسول الله إلى كسرى عظيم الفرس وإلى قيصر عظيم الروم، وحين كان يمضي صلحا أو عقدا أو عهدا مع غير المسلمين فيأبون مصطلحات اﻹسلام كان صلى الله عليه وسلم يعمد إلى تغييرها بناء على طلب القوم باللغة التي يفهمونها والمصطلحات التي اعتادوا عليها وإن أبى كاتب رسول الله أن يمسح لفظ الجلالة بناء على طلب المصالح المشرك ورفض أن يمسح صفة رسول الله مد رسول الله صلى الله عليه وسلم يده ومسحها بنفسه واستبدلها بما طلب القوم.
إن استقراءنا الناقص لشرعنا وعلمنا الناقص بديننا جعل خطاب المزايدات في موقع الصدارة فهو يدغدغ العواطف ويلهب الحماس ويحرك المشاعر ويغيب العقل.
وأما الفصائل فحدث وﻻ حرج، يرون العالم قد أجمع أمره وأزمع على حسم سياسي وحل يضيع الثمرات المرجوة ويأبون إﻻ أن يخوضوا المعركة بشقيها منفردين، كل يغرد وحده ويطرب لرؤيته حتى فقدوا احترام أصدقائهم وحلفائهم وأضعفوا بتفرقهم موقفهم وموقف حلفائهم وﻻ حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، مصممون حتى اللحظة اﻷخيرة أﻻ يكون لهم كيان عسكري قوي ينبثق عنه مجلس سياسي واحد ليفرضوا على العالم رؤية واحدة للحل ﻻ يضيع الجهاد والجهود، أضف إلى ذلك -وأقولها بحرقة وألم- أن الفصائل لم تقدم حتى اللحظة مشروعا تستطيع أن تجمع الناس عليه ومن لديه شيء من ذلك ﻻ يملك الرؤية الواضحة ﻵلية التطبيق بل إن مرحلة اﻻنتقال من العسكرة إلى الحكم لقطف ثمرة الجهاد المرجوة ليست واضحة في اﻷذهان ولم يتكلم فيها أحد حتى الساعة!!
وخلاصة اﻷمر أننا بين مزايدات الغﻻة الذين سيدفعون الفصائل في قادم اﻷيام أن تدخل المعترك السياسي مكرهة مجبرة ولما يشتد عودها ويستغلظ سوقها، ثم يكفرونهم ويصحونونهم ويخونونهم ولسان حالهم:
ألقاه في اليم مكتوفا وقال له *** إياك إياك أن تبتل بالماء
وبين عجز الفصائل وعجزها بما كسبت أيديها فقد أضعفت بعدم تقديمها مشروعا واضحا تجمع عليه الناس وبتفرقها موقفها وتكاد تخسر احترام الناس ثم احترام العالم لها ويوشك العالم أن يتجاوزها ويفرض الحل الذي يراه دون وضع اعتبار لها وإن أبت حاربها وقاتلها فهي -بتفرقها- لقمة سائغة وصيد سهل والحل يسير متعسر قريب متعثر!!
وهنا أوجه صيحة النذير العريان للطرفين في الوقت الذي يوشك أن ينقضي ويفوتنا القطار جميعا ولن يكون الخاسر طرفا دون طرف فكلنا خاسرون دون ريب:
الفصائل أمامها فرصة تاريخية بأن توحد الرؤيا والموقف وتواجه العالم وتجابه من يعتقدون أنهم أصحاب القرار بصوت يفاجئه ويغير حساباته ورؤاه، والغلاة عليهم أن يعيدوا النظر وينظروا إلى ما بين أيديهم من أسباب ويقيموا الموقف بناء على فقه الممكن ويتحالفوا ويتآلفوا مع إخوانهم للخروج بموقف قوي موحد يجبر العالم على تحقيق أعلى المطالب للثورة وعليهم أن يراعوا ما آل إليه أمر الناس وبلغه حالهم في سبيل الله وخلع طاغية الشام، فلا خطاب المزايدات يجدي نفعا وﻻ تفرق الفصائل يجلب رفعا أو يغير وضعا والعالم يراهن على تفرقنا ليفرض ما يريد فإذا تغير الحال تغيرت الرؤيا.
وحتى يراجع الطرفان مواقفهم بناء على رؤية ثاقبة ومعطيات دقيقة للقدرات واﻹمكانيات للخروج بتصور واضح لحل يكون في مصلحة الجميع سيظل الخطر قائما.
أخيرا فإننا لن نجاوز أن نكون والحال كذلك صلابا فنكسر أو لينين فنعصر وبين الصلابة واللين منزلة علمنا إياها سيد المرسلين وضاعت بين الطرفين.

 


حساب الكاتب على تويتر

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع