زياد الشامي
تصدير المادة
المشاهدات : 6065
شـــــارك المادة
أخيرا وبعد خمس سنوات من الحرب الدائرة في سورية تذكر مجلس الأمن الدولي أن هناك أزمة في سورية تستوجب الحل السريع، فصوّت بالأمس بالإجماع على مشروع قرار يخص تلك الأزمة، ولكن هذا الإجماع لم يكن من أجل وقف قتل المدنيين من النساء والأطفال بسلاح النظام السوري والإيراني والروسي، كما لم يكن لإدانة طاغية الشام فضلا عن محاكمته ورموز نظامه على جرائمهم الوحشية بحق الإنسانية، والتي ما زالت منظمات حقوق الإنسان –ومنها منظمة هيومن رايتس ووتش- تؤكد تورطه في تعذيب المعتقلين، وتنشر صور ذلك التعذيب الفظيع والمريع، كما لم يأت هذا الإجماع لوقف المعاناة الإنسانية المتفاقمة بسبب الحصار المفروض على كثير من المدن والبلدات السورية من قبل طاغية لم يعرف التاريخ له مثيلا في الإجرام...!!!
نعم... لم يأبه مجلس الأمن لدماء الشعب السوري التي كانت تسيل بشكل يومي وما زالت، ولم ينعقد خلال سنوات الثورة إلا بضع مرات، لم يستطع فيها أن يخرج ولو بقرار واحد يدين –على الأقل- ممارسات طاغية الشام، بسبب الفيتو الروسي الصيني الذي لم يزعج الأمريكيين على ما يبدو بقدر ما رفع عنهم الحرج وساهم في تلميع صورتهم القبيحة المتواطئة تجاه أهداف ثورة الياسمين.
ما يمكن فهمه -بدون صعوبة– من صمت مجلس الأمن والمجتمع الدولي تجاه جرائم النظام السوري ضد المدنيين التي وصلت إلى حد قتلهم بالسلاح الكيماوي، وما يستقرأ من تخاذل الدول الكبرى عن وقف مجازر المليشيات الرافضية الموثقة منذ بدايات الثورة، ومن ثم مباركة العدوان العسكري الروسي الذي أكدت الدول الغربية استهدافه للمعارضة "المعتدلة" والمدنيين، وليس إرهاب "داعش" كما تزعم... أن الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن لم تكن راغبة في حل الأزمة بقدر ما كانت تريد إدارتها فحسب، وذلك ريثما تضطر جميع القوى المقاتلة على الأرض السورية القبول بالرؤية الأمريكية الغربية للحل.
ويبدو أنه بعد أكثر من شهرين على التدخل العسكري الروسي في سورية، وبعد أن أيقنت -رغم الغارات المكثفة والإجرام الممنهج بحق المدنيين للضغط على المقاتلين- عدم قدرتها على هزيمة الثوار تحت لافتة "محاربة الإرهاب"، رغم وجود المليشيات الرافضية والحرس الثوري الإيراني على الأرض... لم تجد بدا من اللجوء إلى مجلس الأمن -بالاتفاق مع الأمريكيين والغرب- والتظاهر بالرغبة في الحل السلمي للوصول إلى الحد الأدنى من أهدافها التي لم تستطع تحقيقها بالحل العسكري، ألا وهو القضاء على الفصائل الإسلامية المسلحة باسم "محاربة الإرهاب"، والإبقاء على طاغية الشام باسم المرحلة الانتقالية والانتخابات النزيهة.
من هنا يمكن فهم تحرك مجلس الأمن بالأمس وتصويته بالإجماع على مشروع قرار أميركي يدعم خارطة طريق دولية لما يسمى بــ"عملية السلام في سورية".
والحقيقة أن من يقرأ بنود هذا المشروع لا يشك لحظة أنه لا يحقق الحد الأدنى من أهداف ثورة الياسمين، والتي يأتي في مقدمتها إسقاط النظام بكافة رموزه وأشكاله، بل يمكن القول بأنه مشروع لإجهاض أهم وأخطر ثورات ما يسمى "الربيع العربي"، من خلال فرض حل روسي أمريكي رافضي على المعارضة السورية.
فتحت شعار " أن الشعب السوري هو من يقرر مستقبل سورية" -والتي طالما تبجح بها الروس وملالي طهران– يخفي القرار نيته إعادة تأهيل طاغية الشام من جديد، وإلا فماذا يمكن تسمية خروج الشعب السوري على الطاغية -سواء في شكل مظاهرات سلمية في كافة المحافظات في بداية الثورة، أو في شكل فصائل مسلحة ما زالت تحارب مرتزقته حتى الآن- إلا أنه تعبير واضح وصريح عن قرار الشعب السوري بإنهاء حكم هذا النظام بشكل سلمي أو قتالي؟!!
وفي غياب تعريف واضح لما يسمى "الإرهاب"، وخلط فاضح بين الإرهاب الحقيقي الذي يمارسه الطاغية ومرتزقته، وبين الدفاع عن النفس والحق المشروع الذي تقوم به الفصائل المقاتلة، وفي ظل نفاق أمريكي غربي مشهور في التعامل مع هذا المصطلح، يمكن أن تستغل روسيا وأمريكا القرار لتصفية فصائل المعارضة السورية تحت مسمى "محاربة الإرهاب"، خصوصا إذا لاحظنا البند الذي يؤكد: "أن الموقف بشأن الإجراءات ضد الجماعات "المتشددة" لن يتغير"، مما يعني استمرار ضربات التحالف الدولي وروسيا ضد من يعتبرونها "جماعات إرهابية"!!
أما ما يخص الحوار بين ممثلي النظام السوري وفصائل المعارضة المزمع انطلاقه مع بداية شهر يناير/كانون الثاني المقبل حسب قرار مجلس الأمن، فقد أثبتت تجربة جنيف فشلها بامتياز، فالنظام الذي اعتاد على القتل والكذب لا يمكن أن يستوعب أو يفهم فكرة الحوار فضلا عن أن يلتزم بمخرجاته ونتائجه.
ويبقى وهم تشكيل حكومة انتقالية الإغراء الأهم لهذا القرار لجذب وجر المعارضة السورية لطاولة المفاوضات، بينما يؤكد تعمد إغفال القرار لمدى صلاحية هذه الحكومة أنها شكلية وليس ذات معنى بوجود الطاغية واستمراره في الحكم.
ويبدو أن تصريح الرئيس الأمريكي باراك أوباما بأنه "يتعين على الأسد أن يرحل لكونه قد فقد شرعيته في أعين أغلبية مواطني بلده "أمس الجمعة تزامنا مع القرار، وكذلك تأكيد وزير الخارجية الفرنسي "لوران فابيوس" وكذلك البريطاني "فيليب هاموند" بضرورة توفير ضمانات لرحيل الأسد ما هو إلا محاولة غربية للتغطية على الانحياز الغربي السافر للرؤية الروسية الرافضية للحل في سورية.
ورغم مرارة وشدة قسوة المحنة التي يعيشها الشعب السوري منذ خمس سنوات، والتي ازدادت مع العدوان الروسي الذي قتل البشر ودمر الحجر، إلا أن أغلب الظن أنه لن يقبل –مع حاجته لحل يوقف معاناته– بحل يبقي طاغية الشام على سدة الحكم باسم "المرحلة الانتقالية"، فمعركتهم مع هذا النظام لم تعد عادية، بل هي معركة صفرية لا بديل لهم عن الانتصار فيها، وإلا ذهبت تضحياتهم الغالية هباء منثورا.
المسلم
أبو أمجد
الرشيد
محمد نور الدين
عدنان هاشم
المصادر:
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة