..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

دور الشباب في بناء الأمة

رابطة خطباء الشام

١٥ ٢٠١٦ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 8653

دور الشباب في بناء الأمة
خطباء الشام -- مسجد 00.jpg

شـــــارك المادة

مقدمة:
الشباب ثروة الأمة الغالية، وذخرها الثمين، يكون خيراً ونعمة حين يستثمر في الخير والفضيلة والبناء، ويغدو ضرراً مستطيراً وشراً وبيلاً حين يفترسه الشر والفساد.

1- قيمة نعمة الشباب
إن نعمة الشباب هي نعمة من أجلِّ النعم التي يكرم الله عز وجل بها الإنسان في حياته، حيث أنها تعتبر مرحلة  القوة التي تأتي بين ضعفين:
ضعف الطفولة وضعف الشيخوخة، ولذا يتحتم على الانسان أن يدرك خطر هذه المرحلة من حياته، فهي مرحلة القوة والحيوية والنشاط والعطاء، فعلى الشاب أن يستغلها في طاعة الله عز وجل وفيما يعود عليه وعلى أمته بالنفع والخير لأنه سيسأل عنها يوم أن يعرض على رب الأرض والسماء.
الشباب توثُّبُ روحٍ واستنارةُ فكرٍ وطفرةُ أملٍ وصلابةُ عزيمةٍ، وما ظهر الدين وعرف الناس شرائع النبيين إلا بفضل الشباب الصالحين (الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ) (آل عمران: 172).
فهم النقباء والحواريون، والأنصار والمهاجرون، وهم العلماء والمعلمون، والخطباء المصقعون، والتاريخ أصدق شاهد بفضل الشباب الناشئين في طاعة الله عز وجل، حيث يقول ربنا سبحانه في أصحاب الكهف (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى) (الكهف: 13).
بل إن العصبة المؤمنة التي تركزت في دار الأرقم وعلى يديها تحقق نصر الإسلام كانوا شبابا، وهم الذين حملوا على كواهلهم أعباء الدعوة، وهم الذين استعذبوا في سبيلها أسمى آيات الصبر والعذاب والتضحية، وهم الذين واصلوا ليلهم بنهارهم حتى حققوا لهذا الإسلام انتشاره وكيانه، ولهذا الدين انتصاره وتمكينه، ولله در القائل:

شباب الحق يا أمــــلاً *** يداعب فجرنـــا الزاهـــر       
ويا صوتاً يُشيعُ الرعبَ *** في قلب الدجى الغادر
ويا درعاً يصونُ الديــنَ ***  يحمي عرضنا الطاهــر

 

2- تسليط الضوء على نماذج من الرعيل الأول:
تعالوا معي إلى الصفحات العطرة، وقبس من حياة شباب الرعيل الأول الذين أفنوا أعمارهم في عبادة الله وطاعته، ومع البطل الأول القاتل لصناديد قريش إنه شاب وأي شاب؟!
إنه ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، إنه علي بن أبي طالب رضي الله عنه، الذي قتل يوم بدر خمسة عشر رجلا من صناديد قريش، ولقد نام في فراش النبي صلى الله عليه وسلم في أصعب ليلة مرت بها الدعوة، نام في الفراش وهو يعلم أن على الباب رجالاً لا يريدون إلا رأس النائم في الفراش، وفي غزوة أحد يقتل عليٌّ رضي الله عنه أبا أمية بن أبي حذيفة ورجلاً آخر، وفي غزوة الخندق أيضا قتل عمرو بن عبد وُدّ فارس قريش في يوم الأحزاب (كبش الكتيبة)، فكبر المسلمون لذلك، فلله دره من شاب كان أول من أسلم من الصبيان!! حتى بلغ هذه المنزلة (أترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى) (البخاري: 3706 ومسلم: 2404).
وهذا نجم آخرمن هذه النجوم الزاهرة، أقسم له النبي صلى الله عليه وسلم بأنه يحبه، إنه معاذ بن جبل رضي الله عنه، إنه يوم مات لم يتجاوز عمره ثلاثا وثلاثين عاماً وقد حصّل ما حصّل، وسبق الأمة في الفقه وعلم الحلال والحرام في تسع سنوات، فلله دره من شاب مغوار فارس مشتاق إلى ربه، فقد كان رضي الله عنه قائد الميمنة في (أجنادين) حيث قام في أصحابه، فقال: (يا معشر المسلمين اشروا أنفسكم اليوم لله، فإنكم إن هزمتموهم اليوم كانت لكم هذه البلاد دار إسلام أبدا، مع رضوان الله والثواب العظيم من الله) فكان يومئذ من أشد الناس على أصحابه حرصاً، وأمضاهم في رقاب الروم سيفا، وفي يوم اليرموك أيضا قام وخطب في الناس -اسمعوا ياشباب الإسلام- خطب في صباح المعركة قائلا: (ياقراء القرآن ومستحفظي الكتاب وأنصار الهدى وأولياء الحق إن رحمة الله والله لا تنال وجنته لا تدخل بالأماني، ولا يؤتي الله المغفرة والرحمة الواسعة إلا الصادقين المصدقين بما وعدهم الله عزوجل به (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)(النور: 55).
وأنتم إن شاء الله منصورون، فأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين، واستحيوا من ربكم أن يراكم فُرَّاراً من عدوكم وأنتم في قبضته ورحمته وليس لأحد منكم ملجأ من دونه ولا متعزّز بغير الله).
فرضي الله عنه من مشتاق إلى ربك ودار كرامته. 
وهذا الحِبُّ بن الحِبِّ أسامة بن زيد رضي الله عنه الذي أمّره رسول الله صلى الله عليه وسلم على جيش لفتح بلاد الشام وهو ابن الثامنة عشرة سنة وفي الجيش أبو بكر وعمر رضي الله عنهم وشيوخ الأنصار وكبار المهاجرين، ومنهم الفاتح الأول للمدينة، والداعية الشهيد، والوجه الفاتح للإيمان: مصعب بن عمير رضي الله عنه. 
وغيرهم كثير، وهكذا سجل تاريخ أمتنا نماذج فذة لشباب تمسك بالإيمان الصحيح والعمل القويم، والتزام منهج الله وشرعه، أسعد أمته بقوله، وقوى أركان مجتمعه بجميل فعاله، مما يبشر بخير عميم، وهم حجة الله على غيرهم، وقد سمعتَ عن بعض هؤلاء الأبطال.
والنماذج كثيرة يصعب حصرها وعدها.
3- خطورة انحراف الشباب:
إن الانحراف في مرحلة الشباب خطير ومخيف، فمنحرف اليوم هو مجرم الغد، مالم تتداركه عناية الله، وعلى قدر الرعاية بالشباب والعناية بشؤونهم يتحدد مصير الأمة والمجتمع.
إن انحراف شبابنا من أعظم المسائل المطروحة اليوم، وأهم القضايا التي تقلق الآباء والمربين.
تتملك بعض كتّابنا ومفكرينا العاطفة، وتقودهم السطحية أحيانا في التعامل مع ظاهرة الانحراف فنظل نلوك المشكلة ونفجر جراحها ونردد آهاتها مرة وثانية وثالثة دون طائل.
والعلاج الناجع إعمال العقل وإمعان النظر، واستشراف المستقبل بتحليل الظاهرة، ودراسة أسبابها، والعمل على الوقاية منها بموضوعية ومنهجية على أساس من الدين والشرع، وليس غريبا أن يهتم المختصون بظاهرة الانحراف في أوساط الشباب لتجفيف منابعه، واجتثاث جذوره، لأن الشباب أمل الأمة، وعدة المستقبل، وذخيرة المجتمع، والعصب الفعال في حياة الأمم، والشباب كغيره يخطئون ويصيبون، حيث قال صلى الله عليه وسلم (كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون) (أحمد: 13049، وغيره وحسنه الألباني).
إلا أن هذه الأمة التي كتب الله لها الخيرية بين الأمم لا ترضى لشبابها إلا أن يكونوا على الأرض سادة، وفي الأخلاق قادة.
ولكن في عصرنا تنوعت مسالك الشبهات، وتأججت نوازع الشهوات، وغدا شبابنا معرَّضاً لسهام مسمومة، ورماحِ غزوٍ ذاق مرارتها المجتمعُ في غلو وتكفير، وانحلال خلقي مقيت.
ومن الانحراف ما يهدد الأخلاق ويحطم القيم ويشكل أضراراً جسيمة بنظام المجتمع وسلامته.

فالانحراف قد يكون فكرياً وهذا ما تحدثنا عنه، وقد يكون أخلاقيا وهذا أيضا من الخطورة بمكان، لأن سلامة القاعدة الأخلاقية في حياة الأمة سبيل استقرارها، ومناط قوتها، وإذا انحرف سلوك الأفراد وانفجر بركان الشهوات وسيطرت النزوات أشرفت الأمة على الهلاك وآذنت بالزوال، قال تعالى: (وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا)(الاسراء: 16).
وإننا نحمل مسؤولية هذا الانحراف كلا من الأسرة وأقصد بها الأبوين، حيث أنه لا يشك عاقل أن الآباء حين يمارسون التربية الصحيحة ويجعلونها أولى المهمات في حياتهم، فعندئذ يوفرون المناعة الكافية ضد الانحراف والوقاية من المصير الأليم (والرجل راع في أهله وهو مسؤول عن رعيته والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها) (البخاري: 893).
وأيضا للمدرسة دور كبير في الانحراف حيث أن المعلم محورالتربية والتعليم به نقاوم الانحراف ونحصن الشباب إذا كان مستقيما في سلوكه،صالحا في خلقه، متقنا لعمله يحمل هم أمته ومجتمعه ،وتلك أهم سمات المعلم في المجتمع المسلم.
وأيضا فان الفراغ يعتبر سبباً من أسباب الانحراف، لأن الوقت إذا لم يوظف توظيفا سليما فانه ينقلب بآثاره السيئة على صاحبه ويكون أكثر استعدادا للانحراف، فيجب على الوالدين أن يتبينا أين وكيف تقضى ساعات الفراغ، ومن الجدير بالذكر في هذا المجال أيضا أن ينتبه الوالدين إلى الرفقة الذين يرافقهم ابنهم؛ لأن القرين السيء من المهلكات، كما أن الرفقة الصالحة لها أثر كبير في اكتساب القيم والسلوك (المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل)(أحمد: 8417، وحسنه الألباني).
4- سلامة جيل الصحابة من الانحراف الفكري والخلقي:
في ميدان الأفكار المنحرفة والفرق والملل الباطلة لم يتلوث مجتمع الرعيل الأول جيل الصحابة بقاذوراتها فقد كان تحصين الرسول لهذا الجيل قويا خرج الرسول على أصحابه وهم يتنازعون في القدر هذا ينزع آية وهذا ينزع آية كأنما فقئ في وجهه حب الرمان فقال: (بهذا أمرتم؟ -أو بهذا بعثتم- أن تضربوا كتاب الله بعضه ببعض؟ إنما ضلت الأمم قبلكم بمثل هذا إنكم لستم مما هاهنا في شيء انظروا الذي أمرتم به فاعملوا به والذي نهيتم عنه فانتهوا عنه) (أحمد: 2/178).
ولقد تيقظ الصحابة للفتن المدلهمة فأغلقوا منافذها ووقفوا منها موقفا منهجيا حازما وخير دليل على هذا موقف سيدنا عمر بن الخطاب عندما ضرب صبيغ بن عسل بعراجيين النخل حتى سالت الدماء على رجليه عندما كان يبحث عن المعضلات والمشكلات في الكتاب والسنة. (الدارمي في مقدمة سننه: 144)
5- وسائل علاج الانحراف:
إن من أهم وسائل علاج الأنحراف:
القيام بالدعوة إلى الله تعالى بالحكمة والموعظة الحسنة، قيام المسجد برسالته، وإحياء دوره في التوجيه والإصلاح، وقيام الدعاة و المربين بواجبهم وتحمل مسؤوليتهم،
أصحاب الفكر وحملة الأقلام ندعوهم للإسهام في مقاومة مظاهر الانحراف بدراستها ووضع الحلول لها، بل كل واحد منا يعتبر حارسا أمينا ومسؤولا عن حماية أمته من الفساد والانحراف محافظا على نقاء وبناء مجتمعه، قال الله تعالى: (وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ)(هود: 117).
يتحقق هذا في التواصي بالحق والتواصي بالصبر والقيام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي هو صمام أمن المجتمعات وسبيل نجاتها قال الله تعالى: [وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)] (سورة العصر)
6-من أي الفريقين أنت أيها الشاب وماذا قدمت لأمتك؟
بعد أن عرفتَ خطورة مرحلة الشباب من حياتك وأنها نعمة من أجل النعم وأنها سلاح ذو حدين فإما أن تسخره لخدمة دينك وإصلاح مجتمعك الذي عقد آماله بعد الله عليك فتكون أداة خير وصلح وإصلاح، ونَفْعٍ لدين الله عزوجل فتقدم الغالي والرخيص في سبيل نصر دين الله ونشر دعوته والذود عن أعراض المسلمين، وتبصر التائهين عن الطريق السوي والفكر الصحيح تبصرهم وتنور عقولهم بالحجج القاطعة الدامغة من كتاب الله وسنة رسوله، فيكون قدوتك في هذا صحابة رسول الله الذين سمعت شيئا عن سيرهم كعلي وأسامة ومعاذ ومصعب وغيرهم.
 وإما أن تتبع الهوى والباطل وتنحرف مع المنحرفين مقتديا بأهل الضلال والشهوات الذين آثروا الدنيا على الآخرة فتخسر مع الخاسرين الذين خسروا خسائر واضحة وخلفوا آثارا عميقة فكان فعلهم طعنا في قلب المجتمع ونزيفا في جسده.
إن المسؤولية الملقاة على عاتقكم أيها الشباب كبيرة، وخاصة في مثل هذا الظرف الذي تعيشه أمتنا اليوم ونعيشه في بلدنا خاصة،
فها هي السوق فتحت، والبضاعة عُرِضت، وصوت الحادي ينادي:
الدنيا ميناء يتزود منه المسافرون إلى الجنة أو إلى النار، فها هي رحمات ربك المنزلة تعرض نفسها عليك، ,الحور تهتف في الأسحار شوقاً إليك،
إيمان لا يتبعه عمل هباء.. وشراء الجنة دون دفع ثمن هراء.
الرحلة لا تمر على طريق الكسل.. والقافلة ليس من زادها طول الأمل.
جِدَّ في غيظ عدوك الذي أخرج أبويك من الجنة.
ادفع ثمن الصحبة إن أردت.. فإن مجالسة النبيين في الجنة غالية.
كحِّل عيونك بالسهر، وأسرج جوادك للسفر، واعلم أن هجر الوسادة ثمن السيادة.
أصدق مع الله مرة، وسترى العجب.
أنت مدعو على موائد الكرم الإلهي، والأجر الرباني، وحق على المزور أن يكرم زائره.
فلنتنبه إلى عظم المسؤولية الملقاة على عاتقنا تجاه ديننا وأمتنا، ولنعلم أننا بين يدي ربنا موقوفون ومحاسبون، فلنحضر لكل سؤال جوابا، والله نسأل أن يعيننا ويثبتنا إنه سميع مجيب والحمد لله رب العالمين .

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع